عندما قررت شجرة الدر أن تخلف زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب في حكم مصر، عارض الخليفة المستعصم الأمر بشدة، وأرسل إلى أمرائها رسالته الشهيرة التي حط بها من قدرهم، يُعلمهم بها، أنه يستطيع أن يرسل لهم رجالا قادرين على الحكم، نظرا لندرتهم في مصر، طالما أنهم تصاغروا واختاروا امرأة.
لم يشأ المستعصم الاعتراف بشجرة الدر، كملكة رغم الانتصارات التي قامت بها ضد الصليبيين، مقارنة به، فهو كان السبب وراء دخول المغول إلى بغداد وتدميرها. فبالنسبة له ولكثيرين لطالما كانت المرأة غير جديرة بأن تتسلم أي سلطة حتى الدنيوية، لعيب ما أو نقص فـ "الرجال قوامون على النساء"، واعترافه بها "ملكة" يعني موافقته على منحها سلطة دنيوية، لربما تؤدي بها في نهاية المطاف للمطالبة بالخلافة وفي هذا انتهاك للقواعد المتعارف عليها في تاريخ الإسلام، فالخليفة هو ممثل الله على الأرض، لذا كان من الأفضل حصر الأمر في الرجال، ولهذا استمات الخلفاء والفقهاء بالدفاع عن حقهم في السلطة الزمنية والدينية على مر التاريخ.
توضح الباحثة التركية بدرية أوجوك أون أن "كل النساء اللواتي استطعن الجلوس على العرش، باستثناء جزر الهند، كن تركيات أو مغوليات، وهذا برهان واضح على أن العرب يظهرون سلوكا مبغضا للمرأة بينما الأتراك والمغول والإندونيسيون والآسيويون يظهرون سلوكا ذا نزعة شبه نسوية". ورغم عدم دقة هذا القول والذي دأبت فاطمة المرنيسي في كتابها "السلطانات المنسيات" أن تثبت زيفه في ما يتعلق بالشق الأول، يبقى الأمر جليا بخصوص الشق الثاني.
مؤخرا، طُرح استغراب في بعض الأوساط العربية، في ما إذا تولّت امرأة أمانة الأمم المتحدة؟ وتبعه استغراب آخر وهو هل ستنجح امرأة في مواجهة الأزمات الدولية وحل أزمات سورية وفلسطين وغيرها؟ في المقابل شجعت الأوساط الغربية الأمر، على الأقل استجابة لدعوات استمرت سبعين عاماً من قبل الأمم المتحدة نادت فيها بتأمين المساواة وتكافؤ الفرص لجميع النساء. في تاريخها الطويل احتل ثمانية رجال منصب الأمين العام في المنظمة الأممية ولم تحتله امرأة واحدة بعد، للأسف.
ومع أن قضية المرأة ما تزال من أبرز المسائل المعروضة في ساحة التفكير في العالم العربي، بما يخص دورها الاجتماعي وخاصة السياسي، الا أن ذلك الحاجز الذي يعيق أي دور فعلي للمرأة يظل ماثلا بعناد، وهو حاجز لا يتمثل في المستوى البيولوجي فقط، بل بكون المرأة تنتمي إلى "الحريم". ومن هنا باتت الحاجة ملحة أكثر لإعادة قراءة التاريخ العربي الإسلامي، ومحاولة الوصول للفهم الصحيح لدور المرأة السياسي على مر العصور، وهذا ما عملت عليه الراحلة فاطمة المرنيسي، والكثير من الباحثات الأخريات، حيث تؤكد الباحثة بثينة بن حسين أن المشكلة "تكمن بالخوف من جسد المرأة، بالمعنى الجنسي، فهو من شأنه أن يفسد رجال الدولة وهياكلها".
وبالرغم من أن الوضع اختلف في عالمنا اليوم حيث توجد آلاف النساء المتعلمات، إلا أنه وفقا لتقرير منظمة الإسكوا التي أجرته بالتعاون مع جامعة الدول العربية، انخفضت مثلا نسبة تمثيل النساء في المقاعد الوزارية في الأردن من %14.3 في عام 2009 إلى 11.11% في عام 2013.
على صعيد آخر، تروج بعض المقولات بأن السلام سيحل في العالم إذا حكمته النساء، الا أن التاريخ لا يسند تماماً هذه الأطروحة، فالخيزران وسلطانات غيرها لجأن للقتل في حالات كثيرة لتثبيت حكمهن. وهذا إن أكد أمرا، فهو القول بأن الحاجة إلى امرأة خارقة وكاملة لتسلم مناصب الحكم غير صحيح، فعلى الضفة الثانية لا يوجد رجال خارقون.
تتساءل المرنيسي، كيف نجحت نساء الأزمنة القديمة، اللواتي يفترض فيهن أنهن أقل تأهيلا منا، في حين فشلنا نحن العصريات بشكل مثير للشفقة؟ سؤال مؤلم للغاية، لا أملك شخصيا إجابته، ولكنه يبقى مطروحاً ما بقيت النساء مبعدات عن أي دور قيادي لهن في الحياة السياسية.
اقرأ أيضا
لا نولد نساء... بل نصبح كذلك
لم يشأ المستعصم الاعتراف بشجرة الدر، كملكة رغم الانتصارات التي قامت بها ضد الصليبيين، مقارنة به، فهو كان السبب وراء دخول المغول إلى بغداد وتدميرها. فبالنسبة له ولكثيرين لطالما كانت المرأة غير جديرة بأن تتسلم أي سلطة حتى الدنيوية، لعيب ما أو نقص فـ "الرجال قوامون على النساء"، واعترافه بها "ملكة" يعني موافقته على منحها سلطة دنيوية، لربما تؤدي بها في نهاية المطاف للمطالبة بالخلافة وفي هذا انتهاك للقواعد المتعارف عليها في تاريخ الإسلام، فالخليفة هو ممثل الله على الأرض، لذا كان من الأفضل حصر الأمر في الرجال، ولهذا استمات الخلفاء والفقهاء بالدفاع عن حقهم في السلطة الزمنية والدينية على مر التاريخ.
توضح الباحثة التركية بدرية أوجوك أون أن "كل النساء اللواتي استطعن الجلوس على العرش، باستثناء جزر الهند، كن تركيات أو مغوليات، وهذا برهان واضح على أن العرب يظهرون سلوكا مبغضا للمرأة بينما الأتراك والمغول والإندونيسيون والآسيويون يظهرون سلوكا ذا نزعة شبه نسوية". ورغم عدم دقة هذا القول والذي دأبت فاطمة المرنيسي في كتابها "السلطانات المنسيات" أن تثبت زيفه في ما يتعلق بالشق الأول، يبقى الأمر جليا بخصوص الشق الثاني.
مؤخرا، طُرح استغراب في بعض الأوساط العربية، في ما إذا تولّت امرأة أمانة الأمم المتحدة؟ وتبعه استغراب آخر وهو هل ستنجح امرأة في مواجهة الأزمات الدولية وحل أزمات سورية وفلسطين وغيرها؟ في المقابل شجعت الأوساط الغربية الأمر، على الأقل استجابة لدعوات استمرت سبعين عاماً من قبل الأمم المتحدة نادت فيها بتأمين المساواة وتكافؤ الفرص لجميع النساء. في تاريخها الطويل احتل ثمانية رجال منصب الأمين العام في المنظمة الأممية ولم تحتله امرأة واحدة بعد، للأسف.
ومع أن قضية المرأة ما تزال من أبرز المسائل المعروضة في ساحة التفكير في العالم العربي، بما يخص دورها الاجتماعي وخاصة السياسي، الا أن ذلك الحاجز الذي يعيق أي دور فعلي للمرأة يظل ماثلا بعناد، وهو حاجز لا يتمثل في المستوى البيولوجي فقط، بل بكون المرأة تنتمي إلى "الحريم". ومن هنا باتت الحاجة ملحة أكثر لإعادة قراءة التاريخ العربي الإسلامي، ومحاولة الوصول للفهم الصحيح لدور المرأة السياسي على مر العصور، وهذا ما عملت عليه الراحلة فاطمة المرنيسي، والكثير من الباحثات الأخريات، حيث تؤكد الباحثة بثينة بن حسين أن المشكلة "تكمن بالخوف من جسد المرأة، بالمعنى الجنسي، فهو من شأنه أن يفسد رجال الدولة وهياكلها".
وبالرغم من أن الوضع اختلف في عالمنا اليوم حيث توجد آلاف النساء المتعلمات، إلا أنه وفقا لتقرير منظمة الإسكوا التي أجرته بالتعاون مع جامعة الدول العربية، انخفضت مثلا نسبة تمثيل النساء في المقاعد الوزارية في الأردن من %14.3 في عام 2009 إلى 11.11% في عام 2013.
على صعيد آخر، تروج بعض المقولات بأن السلام سيحل في العالم إذا حكمته النساء، الا أن التاريخ لا يسند تماماً هذه الأطروحة، فالخيزران وسلطانات غيرها لجأن للقتل في حالات كثيرة لتثبيت حكمهن. وهذا إن أكد أمرا، فهو القول بأن الحاجة إلى امرأة خارقة وكاملة لتسلم مناصب الحكم غير صحيح، فعلى الضفة الثانية لا يوجد رجال خارقون.
تتساءل المرنيسي، كيف نجحت نساء الأزمنة القديمة، اللواتي يفترض فيهن أنهن أقل تأهيلا منا، في حين فشلنا نحن العصريات بشكل مثير للشفقة؟ سؤال مؤلم للغاية، لا أملك شخصيا إجابته، ولكنه يبقى مطروحاً ما بقيت النساء مبعدات عن أي دور قيادي لهن في الحياة السياسية.
اقرأ أيضا
لا نولد نساء... بل نصبح كذلك