"مقاربات غربية للعلوم الإسلامية": 11 بحثاً نقدياً

07 أكتوبر 2024
جانبٌ من الندوة
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تناولت الندوة الجهود الغربية في دراسة العلوم الإسلامية، حيث ركزت الجلسة الأولى على الدراسات القرآنية والحديثية، مع استعراض كتاب "مصاحف الأمويّين" للباحث فرانسوا ديروش.
- الجلسة الثانية تناولت دراسات العقيدة وعلم الكلام، مع تحليل الأصول الاجتماعية لتشكُّل علم الكلام من منظور الاستشراق الألماني، واستعراض مناهج المستشرقين في بحث صحة الوثائق الإسلامية.
- الجلسة الثالثة ركزت على الفقه الإسلامي وأصوله، مع تقديم نظرة تقويمية للمقاربات الغربية وتحديات المنهج في الدراسات الفقهية، وتحليل نقدي للمقاربات الاستشراقية.

قبل خمسين عاماً قالت المستشرقة الألمانية آنا ماري شيمل (1922 - 2003) إنّ لا أحد استطاع الإحاطة بظاهرة التصوّف الإسلامي. وفي كتابها "أبعاد صوفية للإسلام"، شبّهت الباحثين بالعُمي الذين تحسّسوا فيلاً فقال أحدهم إنّه عرش والثاني قال إنّه مروحة والثالث قال إنّه نرجيلة.

وهذا واحد من مباحث الأكاديميا الغربية التي عمّرت متناً معرفياً ثرياً يتعلّق بالعلوم الإسلامية في حقول الدراسات القرآنية والحديثية، والعقيدة وعلم الكلام، والفقه الإسلامي وأصوله، إلّا أن شيمل تبدو كأنّها تُحدّث قومها الغربيّين عمّا يشغلهم، ولا يشغل أولئك الذين يعيشون بدءاً من الشرق الأدنى فالشرق الأوسط.

ولهذا تحدّث العميد المساعد لشؤون البحث والدراسات العليا في "جامعة قطر"، صالح الزنكي، في كلمة اختتمت مساء أول من أمس السبت الماضي ندوة "المقاربات الغربية الحديثة للعلوم الإسلامية... مراجعات نقدية"، فجدّد السؤال المضني عن ريادة وسيادة هذه الدراسات حول علوم تخصّنا نحن في الغرب، "لماذا نحن عالة على غيرنا في علوم إسلامية؟". والغرب بهذا المعنى، هو الكتلة الأكثر نشاطاً الأوروبي منه والأميركي، لكن الزنكي أشار كذلك إلى حراك مراكز علمية في الشرق، حتى لا نبقى أسرى عشق وبغض غربٍ واحد.

ومن ذلك اليابان في مثال استحضره للتدليل على الجدية الأكاديمية عند دخولها حقول الدراسات الاجتماعية والإسلامية، في الوقت الذي يُنتظر أن يكون اعتماد الآخرين على منتجنا المعرفي فنتحوّل نحن إلى شاهد على الناس.
ورغم هذه الخلاصة، أثنى الزنكي على مجريات الندوة التي تنضمّ إلى جهود بحثية يمكن مع تضافر مراكز البحث الأكاديمية أن تُحدث نقلة نوعية.

أحد عشر بحثاً استغرق تقديمها يوماً كاملاً بالتعاون بين كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية في "جامعة قطر" و"مركز نهوض للدراسات والبحوث" في الكويت، للوقوف على منجزات، خلص المؤتمر إلى أنّ كلّ واحد منها يحتاج إلى طاقات بحثية كبيرة لدرسها ونقدها والاستفادة منها.


مصاحف الأمويين

قُسّمت الندوة إلى جلسات ثلاث؛ تناولت الأُولى الدراسات القرآنية والحديثية، وفيها عرض عبد الله الخطيب، الأستاذ في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر "الجهود الغربية في دراسة المصحف الشريف: مصاحف الأمويّين نموذجاً"، من بدايتها حتى العصر الحديث.

وتناول من أسهموا فيها، والمؤسّسات العلمية التي تتولّى دراسة المصحف الشريف في الغرب اليوم، مع عرض نقدي موجز لأبرز هذه الدراسات في هذا المجال وهي كتاب "مصاحف الأمويّين" للباحث الفرنسي في الكتابات القديمة فرانسوا ديروش (1952)، إذ يُشكّل أنموذجاً لرؤية الغربيّين كيفية جمع المصحف وكتابته. هذه الرؤية التي تختلف في مفاصل أساسية منها عن الرؤية الإسلامية لكيفية جمع القرآن الكريم، وتتّفق مع الرواية الإسلامية في أجزاء منها.

عزوفٌ عن النقد التاريخي مقابل العناية بالنقد الأدبي

وفي ورقته بعنوان "بنية السورة القرآنية في الدراسات الغربية المعاصرة: المناهج والمقاصد"، رأى سامر رشواني، الأستاذ في كلّية الدراسات الإسلامية بـ"جامعة حمد بن خليفة" أنّ الدراسات القرآنية في الغرب شهدت منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عزوفاً عن النقد التاريخي والفيلولوجي وعنايةً واضحة بالنقد الأدبي، وكانت بنية السورة القرآنية أحد أهمّ الجوانب الأدبية التي طوّرت مناهج تحليلها. 


نقد الروايات

أمّا معتز الخطيب، الأستاذ في كلّية الدراسات الإسلامية بـ"جامعة حمد بن خليفة"، فقال، في مراجعته النقدية لـ"المنهج الغربي في نقد الروايات"، إنّ النقّاد الغربيّين عملوا بدأب على إثارة الشكوك حول صحّة الحديث ومدى كفاية منهج المحدثين، وذلك لتثبيت فكرة مفادها أنّ رؤية المسلم لموروثه المروي خاطئة، بحجّة أنّها تصدر عن موقف إيماني يفتقر إلى النزعة النقدية. ولفت إلى أنّ مستشرقين آخرين قدّموا نقداً جذرياً أحياناً للخلاصات الراديكالية التي انتهى إليها بعض كبار المستشرقين وهيمنت على الأكاديميا الغربية لعقود.

وخصّص عبد السلام أبو سمحة، الأستاذ في كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية بـ"جامعة قطر" قراءةً نقدية في كتاب "قال رسول الله: شرح الحديث في ألف عام" لـ جويل بليشر، الباحث المتخصِّص في تاريخ الإسلام الفكري. ووفق ما قدّمه، فإنّ هذا الكتاب يُعدّ نقلة نوعية في البحث الاستشراقي لتناوله موضوعاً بكراً لم يسبق تناوله بالدراسة التحليلية بالنحو الذي قدّمه الباحث في محاولة منه للحياد، لكنّ هذا الحياد ضاع في غياهب الإسقاطات التي استصحبها الباحث من مرجعياته السابقة.

وعليه، فإنّ منطلقات الباحث لم تبتعد عن الفكر الاستشراقي العام، كما لاحظ أبو سمحة، بينما تتمثّل الإيجابيات في تحفيز الناظر من أهل الاختصاص لتعميق هذا المنحى من الدراسات، ممّا يُشكّل فرصة أمام طلبة الدراسات العليا للحفر البحثي بذات الطريقة لكن بمنطلقات مختلفة.


علم الكلام

وفي الجلسة الثانية المعنية بدراسات العقيدة وعلم الكلام، طرح عزيز البطيوي، الأستاذ في كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية بـ"جامعة قطر" دراسته التحليلية النقدية لـ"الأصول الاجتماعية لتشكُّل علم الكلام في دراسات المستشرق فان إس".

ووقفت الورقة على قضية تاريخية ذات أبعاد معرفية وحضارية، تتعلّق بإشكالية البحث في الأصول الاجتماعية التاريخية والسياسية لتشكُّل علم الكلام من وجهة نظر الاستشراق الألماني، مع التركيز على دراسات المستشرق الألماني جوزيف فان إس نموذجاً للتحليل والنقد، باعتبارها أبرز الدراسات وأكثرها تأثيراً وشهرة.

وعاينت ورقة سمير قدوري، الأستاذ في كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية بـ"جامعة قطر"، "مناهج المستشرقين المعاصرين في بحث مسألة صحّة الوثائق الإسلامية في الجدل مع أهل الكتاب".

ولأنّ الاستشراق المُعاصر عُني مبكراً باكتشاف الوثائق الإسلامية المخطوطة التي فيها ردود علماء المسلمين على اليهود أو على النصارى، فقد صنّفوا فهارس في إحصائها والتعريف بما علموا بوجوده منها وبمؤلّفيها، ثم العناية بعد ذلك بدراستها وتحقيقها وترجمتها إلى اللغات الأوروبية.


التصوف القديم والمعاصر

تطوّرت نظرة المستشرقين للتصوّف الإسلامي على مدار القرون من البدايات المبكرة للاستشراق في القرن الثامن عشر التي ترتكز على فرضية أنّه من الروحانية والباطنية المناقضة للعقلانية الغربية.

وبالنسبة إلى الباحث عمر الخطيب من كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية في "جامعة قطر"، فإنّ الدراسات الحديثة التي رافقتها تغيُّرات ملحوظة في المنهجيات والمنطلقات الفكرية، أصبحت أكثر أكاديمية، ولكنّها ظلّت في مجملها حبيسة البعد الادعائي باستقلالية مصدرية التصوّف عن الأصل الإسلامي قبل أن تتحوّل مع جهود المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (1883 - 1962)، وبدرجة أقلّ المستشرق الإنكليزي رينولد نيكلسون (1868 - 1945)، في إثبات الأصل الإسلامي للتصوّف في تحوّل منهجي واضح.

وفي الجلسة الثالثة بعنوان "دراسات الفقه الإسلامي وأصوله"، قدّم عبد القادر جدّي، الأستاذ في كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية بـ"جامعة قطر" ما عنونها بـ"النظرة التقويمية لمقاربة الأكاديميا الغربية الفقهية".

وإذ وقف الباحث على كمّ كبير من الدراسات الفقهية والأصولية وعلى عديد من الدراسات ذات الصلة بتاريخ الأفكار والمذاهب، لاحظ في كثير منها تخطّي المقرّرات الاستشراقية القديمة التي نشأت مع دراسات المستشرق المجري إغناتس غولدتسير (1850 - 1921) والمستشرق الألماني جوزيف شاخت (1902 - 1969)، وبعضُها توسَّع في المصادر الفقهية العربية ونأى بنفسه عن التحيّزات المذهبية والطائفية.

وأبرز الباحث، مستنداً إلى مرجع أكسفورد في الفقه الإسلامي وأصوله وتاريخه، ما يمكن أن يستفيد منه الباحث الفقيه المسلم في منهجية التحليل، وكيفية مراكمة المناهج المختلفة في الكتابة الفقهية ذات المضمون التاريخي والتحليل.


الدلالة والتأويل

وفي قضايا الدلالة والتأويل في تراث المسلمين، رأى محمد الساعي من كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية بـ"جامعة قطر" اهتماماً ملحوظاً بهذا الحقل في الدراسات الأكاديمية الغربية، وهي دراسات شديدة التنوُّع، من جهات متعدّدة، كالتخصّص، فمنها ما هو أقرب إلى المألوف في التصنيف التراثي للعلوم كالدراسات القرآنية، والأصولية، والكلامية، والفلسفية، ودراسات التصوّف... إلخ، أو التصنيفات الحديثة كالدراسات اللسانية والهرمنيوطيقية (التأويلية)، وهذا التنوّع الاعتباري له أثر في تنوّع طبيعة البحوث، من جهة بنيتها وأسئلتها ومناهجها ونحو ذلك.

وأمام تاريخ الدراسات الإسلامية والفقهية في الجامعات الغربية، عرض مراد عبدي من كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية بـ"جامعة قطر" تحدّيات المنهج والمفهوم.

فمن الناحية التاريخية والمنهجية، ميّز الباحث بين ثلاث مراحل كبرى: "الدراسات التبريرية المسيحية"، و"الدراسات الاستشراقية"، و"الدراسات الإسلامية". أمّا الدراسات الفقهية في الجامعات الغربية فرصدها منذ تخلّقها الجنيني إلى تأسيسها باعتبارها حقلاً بحثياً ودراسياً مستقلّاً، متطرّقاً إلى أهمّ مجالاته، ومباحثه، ومناهجه، وتوجُّهاته النقدية المعاصرة، وصِلته بالاستشراق.

هذه الصلة تستند عند الباحث إلى أنّ فهم الاستشراق ودوره في الدراسات الإسلامية الغربية يمكّن من تفكيك الجذور الاستعمارية للدراسات الفقهية من جهة، ويقف على مدى تأثير مركزية العقل الأوربي وفلسفة التنوير في مقارباتها ومناهجها الأكاديمية من جهة أُخرى.


نقد الاستشراق

وتوجّه حسن الرميحي من كلّية الشريعة والدراسات الإسلامية بـ"جامعة قطر" بدراسة تحليلية نقدية إلى المقاربات النقدية للاستشراق عند وائل حلاق، متتبعاً المقاربات النقدية لأحد أهمّ حقول الدراسات الاستشراقية، والمتمثّل في الدراسات حول الإسلام وتاريخ الشريعة، مقدّماً تحليلاً لنقد وائل حلّاق للمستشرقين المهتمّين بتاريخ الشريعة، والذين شكّلوا محطّات مهمّة في الدراسات الغربية حول الإسلام؛ مثل إغناتس غولدتسير، وجوزيف شاخت، والباحث الألماني في الدراسات الإسلامية والتاريخ الإسلامي المبكر هارالد موتسكي (1948 - 2019).

وتناول الرميحي ثلاثة نماذج رئيسية للمجالات التي اشتبك فيها حلاق مع السردية الاستشراقية؛ وهي مسألة جمود الشريعة في زمن ما بعد الإمام الشافعي، وقصور الشريعة عن مواكبة التحوّلات الاجتماعية (الشخصية المعنوية نموذجاً)، والاستمداد الإسلامي من الثقافات المجاورة في زمن التكوين، مقدّماً تاريخ الشريعة بوصفه مجالاً بحثياً يتقاطع مع أنثروبولوجيا المعرفة بوصفه أحد أهم المجالات التي يمكن للفقيه الاستفادة منها.
 

المساهمون