على وقع أوجاع كانت تغرف منها حتى لحظة صحوها، استفاقت أسرة عبد الغني الحوراني فجأة، تبحث بهلع إلى يد تمتد إليها، بعد أن داهمت السيول الجارفة فجأة أبواب ونوافذ المنزل الذي تقطنه، في منطقة تقع على الطرف الشرقي من العاصمة الأردنية عمان. لم تكن الصدمة بجديدة على أسرة أنهكتها الأوجاع والديون، فقد تعرض أفرادها إلى نكبات مماثلة خلال السنوات الأربع التي قضوها تحت مظلة اللجوء، وانطوت أحزانها ضمن سجل ما تعانيه أكثر من خمسين ألف أسرة سورية لاجئة خارج مخيمي الزعتري والأزرق، والتي تعيش أوضاعاً إنسانية صعبة، تفتقر فيها أبسط مقومات الحياة. إذ يأتي هذا الشتاء، مثقلاً بانخفاض حجم المساعدات الإنسانية المقدمة للأسر اللاجئة إلى الأردن هرباً من القتل في بلادهم، ما يرفع من حدة فقرهم، ومحو قدراتهم الشرائية، وزيادة معاناتهم مع تراجع فرص العمل وآليات تأمين قوت عائلاتهم.
شح المساعدات
قصة الأسرة كما يقول الحوراني لـ "العربي الجديد": "تجسد معاناة نحو 80% من اللاجئين السوريين خارج المخيمات في الأردن، يعيشون اليوم خارج اهتمام الدول المانحة والمنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين". يضيف: "لم تكن سيول أمطار الشتاء التي داهمتنا قبل أسبوعين هي الفاجعة الوحيدة، فعلاوة على غضب الطبيعة أوقفت الحكومة الأردنية العلاج الصحي المجاني لنا، منذ منتصف عام 2014". ويتابع الحوراني: "إضافة إلى ذلك، أوقفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مساعداتها، وربط برنامج الأغذية العالمي صرف مساعداته المالية وفق نظام القسائم الإلكترونية، بتحسن واقع المنح التي يتلقاها، بعد أن أوقفها منذ فترة طويلة".
لم يكن الحوراني، الذي هرب مع أسرته المؤلفة من زوجة وأربعة أولاد أكبرهم في الخامسة عشرة من عمره خوفاً من الموت المجاني الشائع في بلده سورية، يحلم وهو يجتاز الحدود الأردنية بأكثر من مسكن آمن وفرصة عمل تجنبه الحاجة إلى الآخرين. لكن حلمه تبدد منذ أن تجرع وأفراد أسرته مرارة اللجوء قبل أن يتذوقوا حلاوة الحياة، وأدرك أن تعاطي الآخر مع قضيته كان يفتقر إلى العدالة في معظم الأحيان.
خارج خيم وكرفانات الزعتري والأزرق، أكبر مخيمين للاجئين السوريين في الأردن، يتوزع أكثر من 300 ألف لاجئ سوري. في حين تقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأن 229 ألف لاجئ منهم انقطعت عنهم المساعدات المالية، فيما لم يتلق الباقون منهم أية مساعدة.
ظروف حياة مفجعة
ويصف الناشط في مجال الإغاثة والدعم الإنساني مازن العودات أوضاع الغالبية من اللاجئين بالكارثية، "إذ يفتقرون لأي مصدر دخل ثابت، باستثناء ما يرد بعضهم من عائدات محدودة نتيجة أنشطة خدمية متقطعة في سوق العمل غير النظامي". ويضيف في حديث مع "العربي الجديد": "ظلمت هذه الشريحة لأنها لم تدخل المخيمات، وأوضاعها تزداد تدهوراً مع دخول كل موسم شتاء، لأنها تواجه عوامل الطقس القاسية عارية من أي دعم أو مساعدة، أو سيولة مالية تساعد على تحسين ظروف الحياة ولو بالوصول إلى الحد الأدنى من المتطلبات الحياتية العادية".
وطبقا لأرقام وزارة الداخلية الأردنية يشكل من هم دون سن الثامنة عشرة 52% من عدد اللاجئين السوريين في البلاد، بينما تبلغ نسبة الإناث 51%. وبحسب الخبير الاقتصادي أحمد السعدات فإن هذه النسب تشكل عبئاً ليس من السهل مواجهته. إذ من المفترض ألا ينظر إلى اللاجئين كمشروع مساعدة غذائية فقط، فالطعام كما أعتقد هو آخر ما يفكرون به في الوقت الراهن، إنهم بحاجة إلى عمل يتيح لهم مصدر دخل ينفقون منه على احتياجاتهم الأساسية. ولذلك يضيف لـ "العربي الجديد" أنه: "لا بد من دعم المجتمعات المضيفة بمشروعات إنتاجية تستوعب قدر الإمكان هذه الطاقات المشلولة وتأهيلها على المستويين المعرفي والعملي حرصاً على مستقبلها وتحصيناً لها وللمجتمعات التي تستضيفها".
ويتوزع وفق معلومات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين نحو 80% من اللاجئين السوريين ممن هم خارج المخيمات، على أربع مدن رئيسة هي عمان والمفرق وأربد والزرقا، ويوجد بينهم 12 ألف أسرة على قوائم الانتظار، هي بحاجة ماسة للمساعدات النقدية العاجلة، بهدف تأمين مصروفات حياتها اليومية. فيما تكشف معلومات المصدر ذاته عن وجود 69% من العائلات السورية تعيش تحت خط الفقر، و90% منها عمدت إلى تقليص وجباتها الغذائية اليومية بسبب عدم وجود المال الكافي، وهو الأمر الذي دفع بأطفالها إلى سوق العمل.
مستقبل مجهول للأسر
ويعتقد الخبير الاقتصادي سعيد الزعبي أن "انتزاع الأطفال من مقاعد الدراسة ودفعهم إلى سوق العمل تحت ضغط الحاجة، من شأنه أن يمهد لمستقبل كارثي، قد لا يمكّن إعادة توجيهه وفق ما نريد"، ويضيف لـ "العربي الجديد": "إن وقف المساعدات عن ربع مليون لاجئ سوري، في وقت ندرك فيه تماماً بأن القانون الأردني لا يسمح للسوريين بالعمل إلا ضمن مهن مشروطة، يدفعنا للتساؤل بكل صراحة: كيف سيعيش هؤلاء؟ ومن أين سينفقون؟ ومن يتحمل مسؤوليتهم؟".
يضيف لـ "العربي الجديد": "هناك مشكلات عديدة يتعرض لها اللاجئون خارج المخيمات بسبب أوضاعهم المعيشية الصعبة وأوضاعهم المالية المتدهورة، وليس من الإنصاف أن يتركهم المجتمع الدولي يواجهون تداعيات الظروف المأساوية التي تمر بها بلادهم بمعزل عن المساعدة. إحدى هذه المشكلات على سبيل المثال، التسرب من التعليم إلى سوق العمل، وعلاوة على محاذير هذا الانخراط، فإن سوق العمل يدمر طفولتهم وينتقص حقوقهم، وغالباً ما يدفعهم خارج مسار العملية التعليمية والتربوية بشكل نهائي. الحكومة الأردنية بذلت ما بوسعها لاستيعاب جميع الطلبة السوريين في مدارسها، لكنها تعاني اليوم من فجوة مالية تقدر بحوالي 27 مليون دولار لتغطية الأكلاف الأساسية لاستيعابهم".
وطبقا لإحصاءات وزارة الداخلية الأردنية، هناك نحو 1,3 مليون لاجئ سوري دخلوا الأردن خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهم يشكلون 93% من السوريين المقيمين. وحسب مصدر في وزارة التخطيط والتعاون الدولي في حديث لـ "العربي الجديد": "إن مجموع ما تلقاه الأردن من الدعم الدولي لأزمة اللجوء لم يتجاوز نسبة 30% من كلفتها الفعلية".
أقرأ أيضاً:جيوب الفقر:مناطق أردنية تعاني الإقصاء التنموي والخدمي
شح المساعدات
قصة الأسرة كما يقول الحوراني لـ "العربي الجديد": "تجسد معاناة نحو 80% من اللاجئين السوريين خارج المخيمات في الأردن، يعيشون اليوم خارج اهتمام الدول المانحة والمنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين". يضيف: "لم تكن سيول أمطار الشتاء التي داهمتنا قبل أسبوعين هي الفاجعة الوحيدة، فعلاوة على غضب الطبيعة أوقفت الحكومة الأردنية العلاج الصحي المجاني لنا، منذ منتصف عام 2014". ويتابع الحوراني: "إضافة إلى ذلك، أوقفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مساعداتها، وربط برنامج الأغذية العالمي صرف مساعداته المالية وفق نظام القسائم الإلكترونية، بتحسن واقع المنح التي يتلقاها، بعد أن أوقفها منذ فترة طويلة".
لم يكن الحوراني، الذي هرب مع أسرته المؤلفة من زوجة وأربعة أولاد أكبرهم في الخامسة عشرة من عمره خوفاً من الموت المجاني الشائع في بلده سورية، يحلم وهو يجتاز الحدود الأردنية بأكثر من مسكن آمن وفرصة عمل تجنبه الحاجة إلى الآخرين. لكن حلمه تبدد منذ أن تجرع وأفراد أسرته مرارة اللجوء قبل أن يتذوقوا حلاوة الحياة، وأدرك أن تعاطي الآخر مع قضيته كان يفتقر إلى العدالة في معظم الأحيان.
خارج خيم وكرفانات الزعتري والأزرق، أكبر مخيمين للاجئين السوريين في الأردن، يتوزع أكثر من 300 ألف لاجئ سوري. في حين تقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأن 229 ألف لاجئ منهم انقطعت عنهم المساعدات المالية، فيما لم يتلق الباقون منهم أية مساعدة.
ظروف حياة مفجعة
ويصف الناشط في مجال الإغاثة والدعم الإنساني مازن العودات أوضاع الغالبية من اللاجئين بالكارثية، "إذ يفتقرون لأي مصدر دخل ثابت، باستثناء ما يرد بعضهم من عائدات محدودة نتيجة أنشطة خدمية متقطعة في سوق العمل غير النظامي". ويضيف في حديث مع "العربي الجديد": "ظلمت هذه الشريحة لأنها لم تدخل المخيمات، وأوضاعها تزداد تدهوراً مع دخول كل موسم شتاء، لأنها تواجه عوامل الطقس القاسية عارية من أي دعم أو مساعدة، أو سيولة مالية تساعد على تحسين ظروف الحياة ولو بالوصول إلى الحد الأدنى من المتطلبات الحياتية العادية".
وطبقا لأرقام وزارة الداخلية الأردنية يشكل من هم دون سن الثامنة عشرة 52% من عدد اللاجئين السوريين في البلاد، بينما تبلغ نسبة الإناث 51%. وبحسب الخبير الاقتصادي أحمد السعدات فإن هذه النسب تشكل عبئاً ليس من السهل مواجهته. إذ من المفترض ألا ينظر إلى اللاجئين كمشروع مساعدة غذائية فقط، فالطعام كما أعتقد هو آخر ما يفكرون به في الوقت الراهن، إنهم بحاجة إلى عمل يتيح لهم مصدر دخل ينفقون منه على احتياجاتهم الأساسية. ولذلك يضيف لـ "العربي الجديد" أنه: "لا بد من دعم المجتمعات المضيفة بمشروعات إنتاجية تستوعب قدر الإمكان هذه الطاقات المشلولة وتأهيلها على المستويين المعرفي والعملي حرصاً على مستقبلها وتحصيناً لها وللمجتمعات التي تستضيفها".
ويتوزع وفق معلومات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين نحو 80% من اللاجئين السوريين ممن هم خارج المخيمات، على أربع مدن رئيسة هي عمان والمفرق وأربد والزرقا، ويوجد بينهم 12 ألف أسرة على قوائم الانتظار، هي بحاجة ماسة للمساعدات النقدية العاجلة، بهدف تأمين مصروفات حياتها اليومية. فيما تكشف معلومات المصدر ذاته عن وجود 69% من العائلات السورية تعيش تحت خط الفقر، و90% منها عمدت إلى تقليص وجباتها الغذائية اليومية بسبب عدم وجود المال الكافي، وهو الأمر الذي دفع بأطفالها إلى سوق العمل.
مستقبل مجهول للأسر
ويعتقد الخبير الاقتصادي سعيد الزعبي أن "انتزاع الأطفال من مقاعد الدراسة ودفعهم إلى سوق العمل تحت ضغط الحاجة، من شأنه أن يمهد لمستقبل كارثي، قد لا يمكّن إعادة توجيهه وفق ما نريد"، ويضيف لـ "العربي الجديد": "إن وقف المساعدات عن ربع مليون لاجئ سوري، في وقت ندرك فيه تماماً بأن القانون الأردني لا يسمح للسوريين بالعمل إلا ضمن مهن مشروطة، يدفعنا للتساؤل بكل صراحة: كيف سيعيش هؤلاء؟ ومن أين سينفقون؟ ومن يتحمل مسؤوليتهم؟".
يضيف لـ "العربي الجديد": "هناك مشكلات عديدة يتعرض لها اللاجئون خارج المخيمات بسبب أوضاعهم المعيشية الصعبة وأوضاعهم المالية المتدهورة، وليس من الإنصاف أن يتركهم المجتمع الدولي يواجهون تداعيات الظروف المأساوية التي تمر بها بلادهم بمعزل عن المساعدة. إحدى هذه المشكلات على سبيل المثال، التسرب من التعليم إلى سوق العمل، وعلاوة على محاذير هذا الانخراط، فإن سوق العمل يدمر طفولتهم وينتقص حقوقهم، وغالباً ما يدفعهم خارج مسار العملية التعليمية والتربوية بشكل نهائي. الحكومة الأردنية بذلت ما بوسعها لاستيعاب جميع الطلبة السوريين في مدارسها، لكنها تعاني اليوم من فجوة مالية تقدر بحوالي 27 مليون دولار لتغطية الأكلاف الأساسية لاستيعابهم".
وطبقا لإحصاءات وزارة الداخلية الأردنية، هناك نحو 1,3 مليون لاجئ سوري دخلوا الأردن خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهم يشكلون 93% من السوريين المقيمين. وحسب مصدر في وزارة التخطيط والتعاون الدولي في حديث لـ "العربي الجديد": "إن مجموع ما تلقاه الأردن من الدعم الدولي لأزمة اللجوء لم يتجاوز نسبة 30% من كلفتها الفعلية".
أقرأ أيضاً:جيوب الفقر:مناطق أردنية تعاني الإقصاء التنموي والخدمي