يصعب تفسير بقاء الجينز موضة معاصرة لغاية يومنا هذا، على الرغم من قدم تاريخها. وفي الأساس، لم ينتج الجينز ليكون ضمن عروض الأزياء أو موضة بين الشباب يتباهون بها، بل حيكت تلك الملابس في القرن الثامن عشر حين اتّسع نطاق التجارة واستعباد العمّال والسخرة، وازدادت زراعة القطن، وازدهرت عمليات التنقيب في المناجم واحتياج العمال إلى ملابس متينة يصعب تقطيعها.
في عام 1853، لم يدرك رجل الأعمال الألماني الأميركي، ليوب ستراوس، الذي قرّر البدء بصناعة الجينز، أنّه سيصبح من مشاهير العالم ويرتبط اسمه لمئات السنين بذلك القماش. ستراوس غادر منزله في نيويورك متجهاً إلى سان فرانسيسكو في محاولة لترويج منتجه الجديد، وخصوصاً مع موجة اكتشاف الذهب في كاليفورنيا عام 1848 وازدياد عدد العمّال والحاجة إلى ملابس لا تهترئ بسهولة.
لم تمض فترة وجيزة على رواج بضاعة ستراوس حتى قرّر تبديل اسمه الأول من ليوب إلى ليفي "Levi"، ليتحول الاسم بعد ذلك إلى أحد أشهر ماركات الجينز في الأسواق. وتتعارض الآراء حول أصل كلمة جينز، إلا أن الغالبية ترجّح أنّ تسميتها جاءت تيمناً ببحارة من مدينة جنوة في إيطاليا، كانوا يرتدون ملابس مصنوعة من هذا القماش.
كان اكتشاف الجينز بمثابة حل لمشكلة العمّال الذين عانوا من تمزّق ملابسهم بسرعة، بيد أنّهم اشتكوا من مسألة تقطّع الجيوب. مشكلة وجد لها خياط آخر يدعى ديفيس جايكوب حلاً. جايكوب جاء بفكرة جديدة تعتمد على استخدام المسامير لإمساك الجيوب بالجينز بصلابة تمنعها من التقطّع. بيد أنّه عجز عن تنفيذ فكرته كونه افتقر إلى المال الكافي لتسجيل براءة اختراعه في عام 1872. فكتب إلى ليفي ستراوس عارضاً عليه الصفقة للحصول على البراءة مقابل المال، وافق الأخير ومنذ ذلك الوقت بدأ يصنع مسامير من مادة النحاس ويضعها على ملابس الجينز.
تمتّع ستراوس بالطموح والأفكار المبتكرة وعمل على الترويج لمتانة الجينز، عن طريق خياطة قطعة جلد صغيرة أو ملصق وضعه على الجينز في عام 1886، يعرض صورة قطعتين من الجينز يسحبهما حصانان في اتجاهين مختلفين، وذلك في محاولة منه لإظهار قوّة جينز ليفي التي تعجز الأحصنة عن تقطيعها.
مع انطلاق الصناعة السينمائية، دعمت هوليوود شعبية الجينز، وخصوصاً في الأفلام التي أنتجت في عام 1930، حين ظهر فيها رعاة البقر مرتدين الجينز في معظم الأوقات. كما أنّ الكثير من الأميركيين الذين كانوا يقيمون في الولايات الشرقية عادوا من إجازاتهم في الولايات الغربية حاملين معهم الجينز إلى مناطقهم.
خبت صناعة الجينز في عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية، بيد أنّ الفضل في تعريفه إلى العالم، يعود إلى الجنود الأميركيين الذين كانوا يرتدونه خارج أوقات الخدمة. وما إن انتهت الحرب حتى بدأ ليفي "Levi" في بيع بضاعته خارج غرب أميركا، وقامت في وجهه شركات منافسة مثل "Wrangler" و"Lee" وانتشرت بضاعتهما في السوق.
ثم عاد الجينز إلى الرواج بين المراهقين في عام 1950، وبدا كعلامة على ثورة الشباب اليافع، خصوصاً ظهوره على برامج التلفزيون والأفلام. ولعب الهيبيز دوراً بارزاً في ازدهار الجينز بين طلّاب الجامعات والمدارس في عام 1960 وتنوّعت التصاميم بين الجينز المطرّز والمزين بالرسومات وغيرها.
إقرأ أيضاً: قصّة الجينز
وفي أواخر 1970، تراجعت الرقابة على التجارة العالمية، فازداد تصنيع الجينز في معامل تستغل العاملين فيها حيث يكدحون ساعات طويلة مقابل أجر زهيد، وبات الجينز بمتناول الجميع لانخفاض سعره. ثم انتقل القماش إلى كبار مصممي الأزياء في عام 1980، وذلك بعدما جذب إليه أنظار جميع المراحل العمرية ومختلف طبقات المجتمع لغاية يومنا هذا.
ويبقى لغز عشق العالم بغالبيته للجينز ذلك القماش الأزرق أمراً يفسّره كل شخص على طريقته الخاصّة. ويعتبر البعض أنّ سرّ شعبيته تكمن في أنّه في متناول الأثرياء والفقراء والشباب والأطفال والمسنين.