الجيش الألماني: سياسة دفاعية مقيّدة بالتقشف رغم تزايد المهمات

09 ابريل 2018
يفتقر الجيش الألماني إلى مقوّمات عدة (كريستوف ستاشيه/فرانس برس)
+ الخط -




ما أن مدد البوندستاغ (البرلمان الألماني) أخيراً مهمات البعثات الخارجية للجيش الألماني في الخارج، بما فيها أفغانستان والعراق وزيادة عناصرها، حتى عاد وطفا إلى السطح الجدل حول الجدوى من المهمات الخارجية للجيش، خصوصاً أنه على مدى ربع قرن كانت سياسة الدفاع الألمانية مقيّدة بالتقشف، رغم المهمات الكثيرة الملقاة على عاتقه والمترافقة مع مشاكل عدة في غياب الخطوط الإصلاحية العريضة.

بدا واضحاً أن النقص في الأموال هو السبب الأساسي الذي اعترى السياسة الدفاعية للقوات المسلحة الألمانية، لكن المشكلة لم تقتصر على هذا الأمر بل تعدّته إلى تقصير في إدارة الأزمة وإيجاد الحلول المناسبة وبذل الجهود الإصلاحية على نحو سريع. وهو ما عبّرت عنه العديد من الأحزاب السياسية مبرزة أهمية "إصغاء وزارة الدفاع إلى المسؤولين الأمنيين"، على الرغم من تبريرات وزيرة الدفاع أورسولا فون ديرلاين لهذه المهمات، ومنها مكافحة التطرف والإرهاب، ومطالبتها بالمزيد من الأموال لـ"وجود هياكل وفجوات في الدفاع الوطني، إضافة إلى مهماته ومشاركاته في التحالف الدولي".

وطالبت فون ديرلاين التي سوّقت مع وزير الخارجية هايكو ماس لمهمة الجيش في العراق، بـ"التحلّي بالصبر"، نظراً للوضع الأمني المتوتر في تلك البؤرة من العالم. وحذّرا خلال المناقشات البرلمانية من "خروج متسرع من التدخل العسكري، لأن المطلوب المساهمة بمهمة تدريب الجيش في العراق، بعد سيطرة المليشيات المتطرفة منذ عام 2014 على ثلثي مساحة البلاد".

وقال ماس إن "المطلوب توسيع مهمة البعثات الأجنبية إذا كنا نريد إنقاذهم ومواصلة التزامنا"، علماً أنه "تمّ تمديد البعثة في العراق حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وإضافة إلى الدور الاستشاري والتدريب، سيُصار إلى توزيع المهمات على كافة الأراضي العراقية، بعد أن كانت المهمة مقتصرة على تدريب المقاتلين الأكراد في الشمال العراقي، وبالتالي دعم القوات المسلحة العراقية الخاضعة لسلطة الحكومة المركزية في بغداد".

وباتت مسألة جهوزية القوات تطرح من بابها العريض، خصوصاً أن لدى الجيش الكثير من المهام والقليل من المال رغم التعاون القائم مع الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي. وهناك رفض لما اعتُبر "الاستهلاك المكثف للجيش"، لا سيما أن التحالف المناهض لـ"داعش" هو مجرد ائتلاف فضفاض. إلا أن الوضع مختلف في مالي، حيث الممرّ الرئيسي للاجئين إلى أوروبا، علماً أنه قُتل أكثر من 100 من عناصر حفظ السلام من أصل ألف عنصر، من بينها قوات ألمانية. ويستدعي ذلك تمويلاً إضافياً للمهمة هناك، في ظلّ الحديث عن رفع عدد الجنود إلى 100 جندي.


في المقابل، رفض الكثير من الألمان الرأي القائل بضرورة البقاء في أفغانستان، وعلّل هؤلاء وجهة نظرهم بالقول إنه "ثبت مع مرور الوقت أن المهام الخطيرة التي قامت بها القوات هناك خلال السنوات الماضية لم تحقق الكثير". إذ إنه وبعد 16 عاماً على بداية المهمات أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أنها نفّذت وأدت إلى سقوط ضحايا من دون جدوى. وهناك قناعة سياسية بأن ألمانيا باتت بحاجة إلى إعادة التفكير في سحب جنودها بشكل كلي من تلك البؤرة المتوترة "ولا يمكن كسب أي شيء في هندكوش الأفغانية (حيث تتواجد قواتها)". ورغم ذلك تم رفع عديد القوات الألمانية من 980 إلى 1300 جندي، بهدف تحسين الحماية للمدربين والمستشارين الألمان. مع العلم أنه منذ عام 2012 شارك 130 ألف عنصر من 50 بلداً في بعثة "إيساف" (قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان).

وفي سياق متصل، لفت خبراء أمنيون إلى أنه "تبين وفقاً للتقارير العسكرية أن حالة الجيش صعبة، وبالتالي إن على ألمانيا أن تتحمّل مسؤولية أكبر في السياسة الدفاعية، فاللامبالاة ليست خياراً، ويجب أن يكون هناك إرادة لاستخدام الوزن العسكري على نطاق ضيّق، خصوصاً أن الجيش في حال من الانكماش، وليس المطلوب التدخل وتوسيع المهمات في أكثر الأزمات الناشئة حول العالم. وعليه يجب أن تكون هناك برامج ومشاريع للتسلّح وتعيين لجان فنية". وهذا الواقع عبّرت عنه تصويتاً داخل "البوندستاغ" أحزاب المعارضة كالخضر واليسار. وعزا هؤلاء السبب إلى الخشية من أن يلقى الجنود الألمان حتفهم في صراعات داخلية، كما حدث بين الحكومة العراقية والأكراد في الشمال العراقي.

وبحسب التقارير الإعلامية الألمانية، وما أعلنه مفوض الدفاع في "البوندستاغ" هانز بيتر بارتلز أخيراً، تبيّن أن قوات الجيش "الألماني في حالة سيئة، وهذا ما يُشكّل إدانة لوزارة الدفاع بسبب نقص التجهيزات في القطعات العسكرية ما بين فرق المشاة وسلاح الجو إلى النقص في العتاد"، وذلك مع إجراء المقارنة مع تحديث وتطوير الجيش الروسي على مدى العقود الماضية، واعتبار "ضرورة أخذ تهديداته في شرق أوروبا بعين الاعتبار وأن على ألمانيا أن يكون لها حلفاء وشركاء مع تجهيز أفضل للجيش الألماني".



وفي التفاصيل التقنية، فإن هنالك 6 من أصل 15غواصة تابعة للبحرية، وبسبب مشاكل تقنية كانت حتى نهاية العام خارج الخدمة، فيما وضع المروحيات كارثي مع استخدام الطيارين مروحيات مدنية، وهناك نقص في ساعات التدريب لطواقم الطيران. كما أن الجنود الذين يحتاجون إلى الطيران للخارج أو العودة إلى البلاد، ينتظرون أياماً قبل أن يتم نقلهم في رحلات. وكل ذلك عدا عن النقص في السترات الواقية والأحذية، إلى الحديث عن أن هناك انتظارا لسنوات قبل الحصول على قطع الغيار بسبب مشاكل في العقود مع شركات السلاح أو لأن شراء القطع والمواد والاستعداد التشغيلي لأنظمة السلامة منخفض بشكل كبير.

وبيّنت التقارير أنه "بات معروفاً أن القوة العاملة ضمن الأطلسي في شرق أوروبا لمواجهة التهديد الروسي، ستفتقر في عام 2019 ليس إلى الدبابات فحسب، بل إلى السترات الواقية والملابس والخيم حتى". ويفترض التقرير "ألا تبقى القيادة العسكرية كما وزارة الدفاع بمنآى عن المشورة". مع العلم أن المستشارة أنجيلا ميركل، ذكرت في عام 2014، أن "(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يعيش على كوكب آخر، حيث يسود القانون الأقوى واحتلال الارض وعدم وجود قانون دولي صالح".

أمام كل ذلك بات هناك مطالبة من قبل خبراء في الشؤون الاستراتيجية في ألمانيا بـ"الإعلان عن خطوات جدية للجيش، انطلاقاً من أن الاستعداد العملاني للقوات الألمانية في السنوات الأخيرة أصبح مثيراً للقلق وأسوأ من ذي قبل". مع العلم، أنه حسبما ذكرت "بيلد" أخيراً، فإنه "يبدو أن هناك توجهاً لتنفيذ بعض الإصلاحات بينها اعتماد تقاليد جديدة للقتال ضد المليشيات الإرهابية، التي تستخدم العنف والتهديد، إلى المساهمة في تحسين قدرات القوات المسلحة في إدارة الأزمات الدولية والاندماج في هياكل ومنظمات حلف الأطلسي"، الذي وصفه خبير الدفاع في حزب الخضر توبياس ليندنر بـ"الجيد وذي المغزى". لكنه أضاف أنه "لا يمكن أن تغيّر الفهم التقليدي للجيش على الورق فقط، وسيكون من المهم جداً كيف سيتم العمل على تنفيذ هذه البنود".

من جهة ثانية، رأى بعض المحللين أنه "مع هذا الائتلاف الحكومي الجديد، يجب على ميركل أن تصنع السياسة الخارجية مع الوزير ماس، وكلاهما سياسيان معتادان على العمل الدؤوب وصنع اتفاقات مع العديد من اللاعبين على المسرح العالمي، في ظلّ التهديدات الروسية وعمليات القرصنة للبنية التحتية الرقمية والتجسس على ألمانيا".

تجدر الإشارة إلى أن الجيش الألماني يشارك في مهمات دولية عدة، ينخرط أكثر من 3600 جندي. ففي أفغانستان يشارك ضمن قوات حفظ السلام ويساهم في تأهيل الأجهزة الأمنية، وفي سورية يشارك ضمن قوات التحالف الدولي عبر سلاح الجو، الذي يقوم بمهمات الاستطلاع عبر طائرات التورنادو التي تنطلق من الأردن. أما في العراق فيدعم القوات الكردية ويدربها في الشمال ويساعد الجيش العراقي. ويتواجد الجيش الألماني في السودان أيضاً ضمن بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أما في جنوب السودان فيهدف للتدريب وضمان وصول المساعدات الإنسانية. كما ينتشر ألف عنصر له في مالي. وفي لبنان يشارك ضمن "قوات الطوارئ الدولية" (اليونيفيل) البحرية لمراقبة وتأمين الحماية للمياه الإقليمية، كما يشارك الجيش الألماني في مهمة الأطلسي لمراقبة البحر الأبيض المتوسط، على أن يستمر في ذلك حتى مارس/آذار 2019.



المساهمون