الجنوب التونسي المريض

04 مارس 2018
دعا محتجون في تطاوين للاعتصام مجدداً (خالد الهوش/فرانس برس)
+ الخط -
عاد التوتر إلى الجنوب التونسي، وبلغ درجة عالية، تنذر بأن الأيام المقبلة ستكون ساخنة جداً، وسط مخاوف من الوصول إلى طريق مسدود، يعود بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أشهر. ودعت مجموعة من المحتجين في محافظة تطاوين إلى الاعتصام من جديد، تحت شعار "الكامور 2". وهددت بالعودة إلى نفس النقطة السابقة للمفاوضات الطويلة، أي إيقاف ضخّ البترول من جديد، داعية إلى نصب خيمة أمام مقر المحافظة. كل هذا بسبب ما قال المحتجون إنه تنكر الحكومة وعدم التزامها بتطبيق الاتفاقات السابقة.

وفي الجنوب الغربي أيضاً، تصاعد الاحتقان وفشلت المفاوضات مع المحتجين في الحوض المنجمي. وقررت الحكومة تعليق كل المقترحات المتعلقة بالتشغيل في مواقع إنتاج الفسفاط المعطلة، وتجميد كل برامج الانتداب والتشغيل التي أعدتها شركة فسفاط قفصة، أو التي تعتزم القيام بها، وتعليق نتائج المناظرات حتى استئناف الإنتاج ونقله بوتيرته العادية. وقرر مجلس الوزراء، الذي ترأسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، تكليف الجهات المختصة بتحديد المسؤوليات، وتكليف وزير العدل بمتابعة قضائية فورية ضد كل من يخرق القانون ويعمد إلى تعطيل الإنتاج ونقله، وهو ما يعني أن الحكومة قررت مواجهة المحتجين أو الضغط عليهم، ما اعتبره كثر بمثابة صب الزيت على النار والانتقال إلى مرحلة جديدة من التعامل مع المحتجين، لا أحد يتوقع نتائجها.

كل هذا سيزيد من تأزيم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة أصلاً، ما يطرح سؤالاً حول علاقتنا بالأهالي في الجنوب وبالمحتجين المطالبين بحقوقهم عموماً، في مقابل حقوق وطنية أيضاً لا ترهن إنتاج الثروات ومقدرات البلاد بيد هذا أو ذاك. لكن الصورة في النهاية أننا فشلنا في التعاطي مع قضايا ليست جديدة، ومع أوضاع لم نكتشف مدى ترديها اليوم، وإنما هي واقع أغمضنا أعيننا عليه لسنوات طويلة وأدرنا ظهورنا إلى معاناته لعقود حتى نفد صبر الناس بعدما استنزفوا كل سنوات العمر في انتظار مسؤول قد يفهم. لكن المشكلة اليوم أننا وصلنا إلى قاع البئر ولم يعد ينفع ترقيع أو تسكين وسط ذهول كامل من المجموعة الوطنية في انتظار ما سيحدث، لكن الحقيقة أن الجنوب التونسي مريض وأننا فشلنا في إيجاد علاج فعّال ينهي معاناته، لكن المواجهة قد لا تكون حلاً أبداً لإنهاء الآلام.
المساهمون