13 نوفمبر 2024
الجنسية السوريّة جنسيتنا
يقترب عدد السوريين من ملايين ثلاثة في تركيا؛ وقد فتح حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أخيراً، عن تجنيس السوريين، نقاشاً إشكالياً بين السوريين. صمت الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عن الأمر، وهناك من نقل عن نائبة رئيسه أنها شكرت الرجل على كرمه "الطائي"، وقد سبق ذلك أن حاز سياسيون معارضون على الجنسية تلك؛ طبعاً من غير الوطنية بمكان أن يتجنّس سياسيٌّ بجنسية دولة أخرى، ولا سيما حينما يكون جزءاً من المعارضة السياسية أو في مرحلة الثورة؛ فإن كان كذلك سيتبعه السؤال التالي: أية سلطة تبتغي إقامتها في بلادك، وأنت تقبل جنسية بلدٍ آخر؟ هذا الموضوع مرفوض قطعاً من دول كثيرة، وهناك دولٌ ترفض وجود جنسيتين، للزعماء السياسيين خصوصاً. قد نتفهم أوضاع سوريين أُغلقت كل منافذ الحياة أمامهم، هؤلاء من الممكن أن يأخذوا جنسية دولةٍ أخرى، أما السياسيون فيفترض فيهم رفض الفكرة جملة وتفصيلاً، وإصدار بياناتٍ توضح ذلك. عدم القيام بذلك يفيد بهامشية دور السياسيين والفساد والانتهازية، وكل الصفات التي تؤهلهم ليكونوا من التابعين لدول أخرى.
أصبح المهجّرون من سورية مأساة العصر، وهناك اتفاقيات بين تركيا والاتحاد الأوروبي لمنع وصول السوريين إليه، وتمكينهم من البقاء في تركيا، ولا يتوقف الحديث عن المنطقة الآمنة "للتخلص" منهم. والدول العربية، باستثناء الأردن ولبنان، فإن وضع السوريين فيها تعرّض لمضايقاتٍ أخرجتهم منها ولا سيما مصر. دول أخرى بالكاد استقبلت المئات؛ ليس موضوع السوريين بسيطاً أبداً، وهناك أكثر من اثني عشر مليوناً هُجّروا داخل سورية وخارجها. بخصوص الموجودين في الخارج، ولا سيما في تركيا، فإن الخيار الوحيد الصحيح اعتبارهم لاجئين، ولهم حقوق اللاجئين وفقاً لشرعة الأمم المتحدة، وبالتالي، منع الاستثمار السياسي فيهم، فهناك نقاش في تركيا حول ذلك؛ وبالتالي، يفترض بالمؤسسات السياسية التي تدّعي تمثيل السوريين التأكيد على إعطاء السوريين حق اللجوء، وفقاً للاعتبارات الأممية، وينتهي الأمر.
تركيا بلد يحتل أراضي سورية، وفي حال تعثّر الوصول إلى حلٍّ سياسي بعد المصالحات التركية الروسية الإسرائيلية، ففي وسع تركيا أن تصنع جميلاً، وأن توطّن السوريين في المناطق التي تعد أراضي سورية (!). ومن دون شك، الفكرة مستحيلة. ولكن، على السوريين اعتبارها الفكرة الوحيدة الصحيحة، في حال تعذر اعتبارهم لاجئين، ولهم حقوق تضمنها الأمم المتحدة.
التصحيح المتلاحق من رئيس الوزراء التركي، بنعلي يلدريم، وأردوغان نفسه حسم الموضوع، وأن المقصود بالتجنيس فقط الفئات التي تساهم في تطوير تركيا، أي الأكثر تعليماً وثقافةً ومالاً، وهذه الفئات بالتحديد أصبحت موضوع استقطاب بين الاتحاد الأوروبي وتركيا؛ أي أنهم يسرقون العقول السورية المتبقية وثرواتها، والتي ستساهم في النهوض بسورية حالما تتوقف الحرب.
يفتح استسهال النقاش حول موضوع الجنسية، المجال واسعاً لانهيار فكري وسياسي مخيف،
وهو ما فعلته المعارضة تحت حجج مساعدة الخارج "لنا" لتنتصر الثورة. وهذا ما قاد سورية لتصبح دولةً تتحكّم بها الصراعات الإقليمية والدولية. بكل الأحوال، لا يمكن لبلد في العالم أن يجنّس ثلاثة ملايين شخص دفعة واحدة؛ المعارضة السورية معنية برفض التجنيس وإيجاد كل السبل لتمكين السوريين في كل دول العالم من اللجوء، ريثما يعودون إلى بلدهم الأم: سورية.
هناك حجج تطرح من زاوية العولمة والعالم المتداخل، ومن الطبيعي أن يحوز كل شخص أكثر من جنسية! الثورة السورية لم تطرح قضية الجنسية، ولم تستسغ كثيراً المعارضة نفسها، ولطالما أسقطتها، وإن وافقت على تمثيلها في بعض الأوقات، لكن هذا لا يعني بأي حال الموافقة على تدخل تركيا، أو غيرها، في شؤون السوريين والتخطيط لمستقبلهم. وبخصوص أوروبا أو أميركا أو سواها، فربما يعد تجنيس السياسيين بمثابة جريمةٍ يحاسب عليها القانون. نقصد أن العولمة لم تكن "منّاً وسلوى" على البشرية، بل وفي سنواتها الأربعين، والتي تكرّست مفهوماً منذ نهائية السبعينيات، ازداد العالم فقراً وحروباً وطائفيةً، وبرزت الظاهرة الجهادية، وكأنه حدث عولمي بامتياز.
أطماع تركيا بحلب، وليس فقط بلواء اسكندورن، ربما هي الأساس في "الثرثرة" عن الجنسية. وبالتالي، أن تكون حلب وربما إدلب مُلحقة بتركيا، وأن يكون للأخيرة الدور المركزي في إعادة إعمارها. ويتحمل السوريون مسؤولية الصمت عن هذه المواقف، وإذا استثنينا المحتاجين لأسباب شتى، فإن الموقف السليم يبقى البحث عن كل السبل، لإيقاف الحرب والانتقال السياسي والعودة.
سيكون للمصالحات التي تتسارع بين تركيا وروسيا وإسرائيل تأثير كبير على الحل السياسي؛ موضوع الجنسية هامشي؛ المعارضون معنيون باستثمار المصالحات هذه، من أجل انتقال سياسي، وهذا وحده ما سينقذ المعارضة وسورية من مصير يسوء يومياً، ويقترب كثيراً من حاضر العراق، حيث لا مستقبل آمناً لأحد، والإفقار يتعالى والتبعية لإيران والطائفية والجهادية تتعمق أكثر فأكثر.
جنسيتنا الوحيدة كسياسيين هي السوريّة، التيار السياسي الذي لا يُساهم في تطوير وطنيته، والاعتزاز بجنسيته، يصعب أن يمثل مصالح بلاده، أكانت بلاده في حالةٍ ثورةٍ، كحالتنا الراهنة، أو في حالة استقرار؛ وتسقط كل الحجج التي تبرّر القبول بجنسيات بلادٍ أخرى؛ وفي الوقت نفسه، فإن من يَحرم المواطنين من حقوقهم هو المسؤول الأول عن مآسي المواطنين، وعن دفعهم إلى قبول جنسياتٍ أخرى. سورية بحالة ثورة وحرب وخراب، وهناك احتمالات مخيفة تتعلق بمستقبلها، ولم يترك المتشائمون حجراً على حجر في سورية، و" كل شيء انتهى". وبالتالي، يقع على المعارضة أن تمثل مشروع الثورة والوطنية، وترفض كل الدعوات إلى حل مشكلات السوريين من دون الحل السياسي وعودتهم إلى بلادهم.
تركيا بلد يحتل أراضي سورية، وفي حال تعثّر الوصول إلى حلٍّ سياسي بعد المصالحات التركية الروسية الإسرائيلية، ففي وسع تركيا أن تصنع جميلاً، وأن توطّن السوريين في المناطق التي تعد أراضي سورية (!). ومن دون شك، الفكرة مستحيلة. ولكن، على السوريين اعتبارها الفكرة الوحيدة الصحيحة، في حال تعذر اعتبارهم لاجئين، ولهم حقوق تضمنها الأمم المتحدة.
التصحيح المتلاحق من رئيس الوزراء التركي، بنعلي يلدريم، وأردوغان نفسه حسم الموضوع، وأن المقصود بالتجنيس فقط الفئات التي تساهم في تطوير تركيا، أي الأكثر تعليماً وثقافةً ومالاً، وهذه الفئات بالتحديد أصبحت موضوع استقطاب بين الاتحاد الأوروبي وتركيا؛ أي أنهم يسرقون العقول السورية المتبقية وثرواتها، والتي ستساهم في النهوض بسورية حالما تتوقف الحرب.
يفتح استسهال النقاش حول موضوع الجنسية، المجال واسعاً لانهيار فكري وسياسي مخيف،
هناك حجج تطرح من زاوية العولمة والعالم المتداخل، ومن الطبيعي أن يحوز كل شخص أكثر من جنسية! الثورة السورية لم تطرح قضية الجنسية، ولم تستسغ كثيراً المعارضة نفسها، ولطالما أسقطتها، وإن وافقت على تمثيلها في بعض الأوقات، لكن هذا لا يعني بأي حال الموافقة على تدخل تركيا، أو غيرها، في شؤون السوريين والتخطيط لمستقبلهم. وبخصوص أوروبا أو أميركا أو سواها، فربما يعد تجنيس السياسيين بمثابة جريمةٍ يحاسب عليها القانون. نقصد أن العولمة لم تكن "منّاً وسلوى" على البشرية، بل وفي سنواتها الأربعين، والتي تكرّست مفهوماً منذ نهائية السبعينيات، ازداد العالم فقراً وحروباً وطائفيةً، وبرزت الظاهرة الجهادية، وكأنه حدث عولمي بامتياز.
أطماع تركيا بحلب، وليس فقط بلواء اسكندورن، ربما هي الأساس في "الثرثرة" عن الجنسية. وبالتالي، أن تكون حلب وربما إدلب مُلحقة بتركيا، وأن يكون للأخيرة الدور المركزي في إعادة إعمارها. ويتحمل السوريون مسؤولية الصمت عن هذه المواقف، وإذا استثنينا المحتاجين لأسباب شتى، فإن الموقف السليم يبقى البحث عن كل السبل، لإيقاف الحرب والانتقال السياسي والعودة.
سيكون للمصالحات التي تتسارع بين تركيا وروسيا وإسرائيل تأثير كبير على الحل السياسي؛ موضوع الجنسية هامشي؛ المعارضون معنيون باستثمار المصالحات هذه، من أجل انتقال سياسي، وهذا وحده ما سينقذ المعارضة وسورية من مصير يسوء يومياً، ويقترب كثيراً من حاضر العراق، حيث لا مستقبل آمناً لأحد، والإفقار يتعالى والتبعية لإيران والطائفية والجهادية تتعمق أكثر فأكثر.
جنسيتنا الوحيدة كسياسيين هي السوريّة، التيار السياسي الذي لا يُساهم في تطوير وطنيته، والاعتزاز بجنسيته، يصعب أن يمثل مصالح بلاده، أكانت بلاده في حالةٍ ثورةٍ، كحالتنا الراهنة، أو في حالة استقرار؛ وتسقط كل الحجج التي تبرّر القبول بجنسيات بلادٍ أخرى؛ وفي الوقت نفسه، فإن من يَحرم المواطنين من حقوقهم هو المسؤول الأول عن مآسي المواطنين، وعن دفعهم إلى قبول جنسياتٍ أخرى. سورية بحالة ثورة وحرب وخراب، وهناك احتمالات مخيفة تتعلق بمستقبلها، ولم يترك المتشائمون حجراً على حجر في سورية، و" كل شيء انتهى". وبالتالي، يقع على المعارضة أن تمثل مشروع الثورة والوطنية، وترفض كل الدعوات إلى حل مشكلات السوريين من دون الحل السياسي وعودتهم إلى بلادهم.