الجنرال يكتسح نفسه

25 يونيو 2014

ولد عبد العزيز ينتخب نفسه في نواكشوط (يونيو/2014/فرانس برس)

+ الخط -

بجسارةٍ فريدةٍ، كسر الشعب الموريتاني إرادة محمد ولد عبد العزيز، فتحدى الترهيب وقاوم الترغيب. تعاملت البلاد، بحضرها وريفها، بلا مبالاة نادرة مع الانتخابات الرئاسية، فكانت الرسالة: الشعب ليس قطيعاً، تسوقه السلطة لشرعنة الفساد والحيف والاستبداد.
هدد الجنرال، ثم توعد وشدد على أن نسبة المشاركة ستبلغ المائة في المائة، وأن الانتخابات لن يقاطعها سوى عشرة رجال. لكن مكاتب التصويت ظلت خالية إلا من رجال أمن، استبدّ بهم الفراغ فاستسلموا للنوم. لم تكن هناك طوابير تنظمها الشرطة ولا مشكلات تستدعي تدخلها، لأنه ببساطة لم يكن هناك أحد.
فاز الجنرال بنسبة كبيرة، لكنه لم يكتسح إلا نفسه، لأن الرهان كان على المشاركة، وليس على فوز رئيسٍ يملك المال والنفوذ، ويترشح لانتخاباتٍ، ينافسه فيها مرشحون صوريون، وتراقبها فرق من الجامعة والبرلمان العربيين فقط.
الفوز في انتخابات بهذه المواصفات ليس أمراً عسيراً من الناحية الرسمية. لكنها ستظل لاغية من المنظور السياسي والشرعي.
سيقول رهط الجنرال إن نسبة المشاركة في حدود 60%، لكن هذا ليس سوى سقوط آخر، لأن مراسلي الإذاعات والصحف لمّا سئلوا عن حجم المشاركة في المدن الداخلية، عند منتصف النهار، قالوا إنهم ينتظرون وصول الناخبين إلى مكاتب الاقتراع!
حاول الرئيس الموريتاني أن يستغل، على عجل، الوضع العربي المحرض على الديمقراطية، وقرر أن يُجري انتخاباتٍ على مقاسه، معولاً على نفوذ السلطة وزعماء العشائر. لكن الشعب رفض العودة إلى الخلف، فهناك إنجازات تحققت منذ تسعينيات القرن الماضي لا يمكن إلغاؤها، لأن دولاً خليجية تآمرت على أحلام الشعوب العربية، فدعمت انقلاباً في مصر، وحرّضت من أجل آخر في ليبيا.
الصدمة كانت كبيرة في موريتانيا بالأمس، فالمناطق، التي طالما وصمت بتبعيتها للسلطة، كانت المشاركة فيها ضعيفة، بل هزيلة جدا.
ولم يأت المدد طبعاً من الخارج، فحتى الجاليات، المقيمة في عواصم خليجية، وتدعم ولد عبد العزيز، وتعول على اندفاعه في وأد الحلم الديمقراطي، كان صوت المقاطعة بينها مدوياً ومزعجاً.
تلك محطة انتصر فيها الشعب الموريتاني خلف معارضةٍ، اهتدت، أخيراً، إلى الوحدة فيما بينها، بعد أن شتتها تضارب المصالح والأهواء ردحاً من الزمن.
سيحاول العسكري المتمدن العبث بهذا الإنجاز، بالدعوة لحوار جديد مع المعارضة، يمكنه من كسب الشرعية، في نظر الدول الغربية التي يهمه موقفها قبل كل شيء.
وعند هذه النقطة، ينبغي على المعارضة أن تواصل ممانعتها، ورفض رؤى السفيرين الأميركي والفرنسي في نواكشوط، والتي غالباً ما تهدف إلى تحصين شرعية النظام من الداخل، لتفادي إحراج باريس وواشنطن.
سيخرج الجنرال ولد عبد العزيز من هذه الانتخابات بإرادة منكسرة، ومن الوارد أن ترغمه المعارضة على تنازلات كبيرةٍ، تخدم تطور المسار السياسي في البلد، وتحد من استشراء الفساد وتكريس الغبن.
وسواء، أصرّت المعارضة على إلغاء هذه المهزلة، أم سلمت بها، في مقابل تحقيق مطالب جدية، فإن المعركة لم تحن بعد. التحدي الكبير، الذي يحتم الإبقاء على الوحدة والحشد، يتعلق بتعديل الدستور، بعد أربع سنوات.
عندما تتنهي الولاية الثانية للرئيس، سيعمل، من دون شك، على تعديل الدستور، ليسمح لنفسه بالترشح من جديد، اتباعاً لسنة معاوية ولد سيد أحمد الطايع، وتيمنا بالرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة الذي سبق منافسيه على كرسي متحرك.
حينها، يكون الإنجاز المهم هو منع الرئيس من الترشح لولاية ثالثة، ومنع العسكر، في الوقت نفسه، من تنفيذ انقلابٍ، بحجة تأمين البلد من تداعيات الاحتقان السياسي. وعند كسب هذا الرهان، يبدأ التداول السلمي للسلطة، وتكون موريتانيا قد وجهت صفعة قوية للاستبداد.

 

3A079F1C-9309-4BB9-A8BE-51AA85370482
سيد أحمد الخضر

كاتب وصحفي موريتاني