انتهت المسيرات والاحتجاجات، التي شارك فيها 18 مليون شخص، وفقاً لناشطين، في الجمعة الرابعة من الحراك الشعبي، والتي وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ الجزائر المستقلة، خاصة في العاصمة الجزائرية التي شهدت مسيرات حاشدة وغير مسبوقة.
بعد يوم حافل وحاشد من "جمعة الرحيل"، دوّت فيه أصوات المتظاهرين بشعارات سياسية مناوئة لاستمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، عاد الجزائريون إلى منازلهم. الكثيرون فضلوا العودة مشيًا على الأقدام في العاصمة الجزائرية، بسبب توقف قطارات وقطارات الأنفاق والزحمة الشديدة.
وتوقفت المسيرات في العاصمة الجزائرية ومختلف الولايات في وقت صلاة المغرب، ليبدأ دور الشباب في تنظيف الشوارع ورسم مشهد إيجابي أبان عن عمل احتجاجي بنّاء، وتطلع نحو مستقبل أفضل. و قال ياسين متيش، الناشط في جمعية خيرية في حي بلكور بقلب العاصمة الجزائرية: "الجزائر نحملها في القلب. ونحن نريد إيصال رسالة واحدة طيبة عن الشعب الجزائري". وتداعى ياسين، رفقة عشرات من أبناء حيه العريق وأبناء الجزائر الوسطى من أحياء بلكور وحسيبة بن بوعلي، إلى تنظيف الأماكن والساحات وإعادة الصورة الجميلة التي "صنعت فرحة اللحمة الجزائرية الواحدة"، كما يقول.
وبدأت الشرطة في المساء محاولات ودية مع المتظاهرين لإخلاء الساحات الكبرى في العاصمة الجزائرية والتجمعات، وشهدت المناطق الحساسة في العاصمة الجزائرية تعزيز الحراسة الأمنية، فيما تفادت قوات حفظ الأمن منع المتظاهرين خلال المسيرات. ومنعت الشرطة الجزائرية المحتجين من الاقتراب من شارع كريم بلقاسم، نحو قصر الرئاسة، بمنطقة المرادية في أعالي العاصمة الجزائرية. وفي خضم الاحتجاجات، جرت صدامات خفيفة بين المحتجين والشرطة، إذ منعت الأخيرة الشباب الغاضب من الوصول إلى قصر الرئاسة، لتتعالى أصوات تؤكد على أن الشعب يريدها سلمية.
رغم ذلك، احتفلت عناصر من الشرطة الجزائرية، عقب المظاهرات، في مشهد لافت تناقلته بعض وسائل الإعلام المحلية، أظهر عناصر شرطة من قوات مكافحة الشغب وآخرين بزي مدني، وهم يجوبون شارع "ديدوش مراد" وسط العاصمة، ويحتفلون مع طلقات للرصاص المطاطي في السماء، مرددين هتافات من قبيل: "جيش شعب خاوة خاوة (إخوة)"، و"وان تو ثري فيفا لالجيري (1 2 3.. تحيا الجزائر"، وسط تصفيق مواطنين أحاطوا بهم، في حادثة غير مسبوقة بالبلاد، وفق ما أوردته "الأناضول".
وجاءت هذه الحادثة مع تفرق مظاهرات غير مسبوقة في شوارع العاصمة، في هدوء ودون تسجيل حوادث كبيرة، بعد أن خرجت بعد صلاة الجمعة حشود بشرية للمطالبة برحيل بوتفليقة ونظامه.
وفي ولايتي بجاية وسطيف (شرق)، تناقلت وسائل إعلام محلية وشبكات التواصل الاجتماعي، صوراً لشرطيين اثنين انضما إلى المتظاهرين، وهما يرددان شعار "جيش شعب خاوة خاوة (إخوة)".
وتعدّدت الشعارات التي حملها المحتجون، إلا أن الثابت منها كان "لا لتمديد العهدة الرئاسية" للرئيس بوتفليقة، الذي تنتهي ولايته الرابعة يوم 28 إبريل/نيسان المقبل، وشعار "جزائر حرة ديمقراطية"، آملين في أن تستمع السلطة لصوتهم واحتجاجاتهم التي أخذت طريق "سلمية سلمية"، فيما هتف بعض الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم العشرين سنة: "نريد التغيير ولا نريد الهروب إلى ما وراء البحار".
وبعد أن كسب الجزائريون سياسيًا معركة "لا للعهدة الخامسة"، عقب انسحاب الرئيس بوتفليقة من الترشح، تبقَّى رهان تغيير الوجوه، الذين يعتبرهم الناشط مروان الوناس "رموز الفساد"، قائلًا لـ"العربي الجديد" إن الشعب يقول للنظام "ارحلوا وترحلوا جميعكم"، في إشارة إلى ضرورة تغيير الحكومة، مضيفًا أن "الشعب أصبح أكثر وعيًا وتحضرًا وتنظيمًا".
وعرفت مسيرات اليوم تنظيمًا محكمًا وترتيبات من طرف الشباب والطلبة، إضافة إلى مشاركة قوية من مختلف الأطياف والأعمار قدموا من مختلف المناطق المجاورة للعاصمة الجزائرية.
كما شهدت مختلف الولايات الجزائرية، مثل عنابة وقسنطينة ووهران وتبسة والمسيلة وسوق اهراس وبجاية وتيزي وزو وادرار وميلة وجيجل، مسيرات مماثلة، وجابت مختلف الشوارع في مقرات الولايات، مطالبة بالتغيير الجذري.
كما تميزت الاحتجاجات في هذا اليوم، بالمشاركة اللافتة للنساء والأطفال والرجال والكهول وخروج العائلات، فيما بادرت بعض الأسر لتقديم وجبات غذائية لجموع المتظاهرين، وتوزيع التمر والمياه، في مشاهد توحي بالتضامن بين أفراد الشعب الواحد، وصور توحُّد الجزائريين على كلمة واحدة.
انتهت الجمعة الرابعة لمسيرات الجزائريين، وسجلت مشاركة بتعداد هائل، بعد ثلاث جمعات تميزت بالتنظيم والسلمية والتعبئة الجماهيرية، واستخدم فيها الناشطون وسائل التواصل الاجتماعي، وأثمرت انضمام مجموعات فئوية من مختلف القطاعات من طلبة ومحامين وقضاة وأساتذة وأطباء وعمال إلى الحراك الشعبي.