عاد المتظاهرون الجزائريون أمس، في جمعة تاسعة من الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 فبراير/ شباط الماضي. جمعة طالبت برحيل نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، برموزه الحاكمة حالياً، من رئيس الدولة عبد القادر بن صالح إلى حكومة نور الدين بدوي، وذلك في ظل احتياطات أمنية كبيرة، بدأت يوم الخميس الماضي، وامتدت إلى مداخل العاصمة الجزائرية. في المقابل، سعى بن صالح لتكريس أولوية إجراء الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو/ تموز المقبل، مع إعلانه ندوة تشاورية، يوم الإثنين المقبل، إلا أن العديد من الشخصيات والقوى رفضت المشاركة فيها.
في العاصمة، تجمّع الآلاف قبل صلاة الجمعة في ساحة البريد المركزي، لمواصلة الضغط على السلطة ورموز الفساد والدفع إلى استقالة الرئيس بن صالح وبدوي، ورفض ندوة المشاورات السياسية. ورفع المحتجون شعارات "الشعب والجيش خاوة خاوة". كما تجمّع العشرات من منتسبي الجيش المتقاعدين أمام ساحة البريد المركزي، محاولين حمل السلطات المعنية للالتفات لمطالبهم والتضامن مع الحراك الشعبي.
وبخلاف ذلك عبّر عدد من المتظاهرين، وفقاً لشعارات تم رفعها، عن استيائهم من مواقف قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي يرفض حسم الموقف أو السماح للحراك الشعبي بتحقيق مطالبه السياسية، وترحيل من يوصفون بـ"عصابة بوتفليقة". وتمّ رفع شعار "قايد صالح خدع الشعب"، في إشارة إلى تمسك المسؤول العسكري بالحل الدستوري الذي يُبقي على رموز نظام بوتفليقة، ويمنحهم مزيداً من الوقت. وبين الهتافات واللافتات، ردد المتظاهرون "العدالة ربي يرحمها" و"بركات بركات من هذا النظام" و"الشعب يريد يتنحى وقاع" (ذهابهم كلهم) و"فنيش.. بلعيز.. كيف.. كيف". ويشير المتظاهرون بذلك إلى القاضي كامل فنيش، الذي عُيّن رئيساً جديداً للمجلس الدستوري خلفاً لبلعيز، ويعتبره المحتجون قريباً من النظام الذي يريدون التخلص منه.
وبشكل أكبر، كثّفت السلطات نشر الحواجز الأمنية على المدخل الشرقي، الذي يربط العاصمة الجزائرية بولايات منطقة القبائل، للحدّ من وصول المتظاهرين إلى العاصمة، وخصوصاً أن حراك الجمعة التاسعة تزامن مع ذكرى الربيع الأمازيغي في 20 إبريل/ نيسان 1980، بالإضافة إلى دعوات بتكثيف التظاهر في العاصمة، بعد بروز مؤشرات مقاومة سياسية أبداها رموز نظام بوتفليقة.
ولم يقتصر التظاهر على العاصمة الجزائرية، إذ شهدت الساحات في كبرى المدن والولايات مثل وهران وسيدي بلعباس غربي البلاد، وباتنة وعنابة وقسنطينة وسطيف شرقي الجزائر، وتمنراست وأدرار جنوبي البلاد، تجمّعات للناشطين والمتظاهرين، للمطالبة بتنحي بن صالح وبدوي ورئيس البرلمان معاذ بوشارب، الموالين لبوتفليقة، وهم أبرز الوجوه التي تمثل نظامه السياسي، بعد استقالة رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، وكذلك محاسبة رموز الفساد من رجالات الكارتل المالي.
في سياق مشاورات يوم الإثنين المقبل، عززت أحزاب سياسية أمس، مواقفها في رفض المشاركة بندوة الحوار والتشاور السياسي، التي دعا إليها بن صالح، لمناقشة آليات حلّ الأزمة السياسية في البلاد، وتشكيل الهيئة المستقلة التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو المقبل. ووجّهت الرئاسة الجزائرية مساء الخميس، دعوات للأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات المدنية، ونحو 100 شخصية وطنية وخبراء وشخصيات مختصة في القانون الدستوري، للمشاركة في ندوة سياسية تشاورية مقرر عقدها يوم الإثنين المقبل. وقبل ذلك كان بن صالح قد أجرى مشاورات مع رئيس البرلمان السابق عبد العزيز زياري والناشط الحقوقي ميلود براهيمي، ورئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، بصفتهم شخصيات وطنية.
وأكد الأمين العام الأول لجبهة العدالة والتنمية حجيرة خليفة في بيان، أن "المشاورات خادعة فالسلطة السياسية الفاقدة للشرعية تستمرّ في طرح السؤال الخطأ، حين تصر على الإجابة عن سؤال: (ماذا يريد الشعب منا؟ وماذا يجب علينا فعله؟)، ولا يريدون أن يطرحوا على أنفسهم السؤال الصحيح الواجب الإجابة عنه الذي يفرضه الشعب، وهو (متى تذهبون وكيف تذهبون؟)". واعتبر أن "دعوة رئيس الدولة المرفوض مرفوضة، فالشعب ينتظر الاستجابة لطلبه المتمثل في الذهاب الفوري لبقية العصابة، لا القفز على ذلك بفتح سلسلة مشاورات ومفاوضات تركنا شرفها لمن يتقن فن التفاوض على حساب الشعب، ويجد راحة في الجلوس إلى طاولة العصابة".
وكانت حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) قد أعلنت رفضها المشاركة في الندوة، واعتبرتها "اعتداءً على الإرادة الشعبية وزيادة في تأزيم الأوضاع، ومحاولة من النظام السياسي لفرض سياسة الأمر الواقع التي أوصلت البلد إلى ما نحن عليه. فضلاً عن الاستمرار في التعنت في عدم الاستجابة للشعب الجزائري، الذي طالب بإبعاد رموز النظام في إدارة المرحلة الانتقالية، والشروع في انتقال ديمقراطي حقيقي عبر الحوار والتوافق الوطني. كل ذلك ستكون عواقبه خطيرة على الجزائر والجزائريين، ويتحمّل أصحاب القرار الفعليون مسؤوليته".
بدوره، أعلن حزب التجديد والتنمية عدم المشاركة في ندوة الإثنين، وأكد رئيسه أسير طيبي في بيان أمس، أنه تلقى دعوة للمشاركة في ندوة المشاورات السياسية، لكنه قرر تجاهلها وعدم المشاركة فيها "لكونها مخالفة للإرادة الشعبية التي تلحّ على الذهاب إلى مرحلة انتقالية من دون رموز النظام السابق". وأضاف أن "الحراك الشعبي هو وحده ما سيكرّس الشرعية في الدولة ومؤسساتها"، داعياً حزبه إلى مواصلة الحراك الشعبي حتى تحقيق كافة المطالب الشعبية. وتهدف هذه المواقف إلى عزل بن صالح، الذي يستهدف عبر ندوة التشاور الإثنين المقبل، افتكاك اعتراف سياسي لشخصه ولصفته رئيساً للدولة، فيما ترفض قوى وشخصيات سياسية ورموز الحراك الشعبي الاعتراف به.