10 فبراير 2024
الجزيرة... هذا الصباح
يتابع كثيرون برنامج هذا الصباح على شاشة الجزيرة، وشروق الشمس من المسلمات، وقد يغالي البعض في تقدير تلك الثوابت؛ ففي يوم قادم ستشرق الشمس من مغربها، أليس كذلك؟!
الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وقد فرض خبر طارئ نفسه على الرأي العام العربي والعالمي؛ ومن تبعات ذلك أن (هذا الصباح) لم يظهر صباح أمس، والتقيت أحد الزملاء فسألت مداعبًا: ما رأيك في حلقة اليوم؟ فشهق شهقة الملوخية وقال: تحكي جد! وين شفتها الحلقة؟
فبادرته: هب أن أحدهم اتصل بك يطري على محتوى حلقة اليوم الشائق الماتع؛ فقال: مستحيل! من يتصرف بهذه السذاجة الرخيصة؟ ويتملق لأجل ماذا؟ ورفع حاجبيه وهو يستدرك: لكن.. كل شيء ممكن..
وسألني: هل حدث معك شيء مثل هذا من قبل؟ قلت: على المستوى الشخصي لم يحدث ولكني قرأت عنه، فبادرني بفضول: هات ما عندك.
قلت: قرأت موقفين؛ الأول من البرلمان المصري، والآخر من موظف لمديره؛ فقال زميلي: لنبدأ بقصة البرلمان؛ ففي البدء كانت السياسة! ومنه تشعب حديثنا عن التملق والتطبيل والقول بغير علم. واستمع صديقي بإنصات لما دار في البرلمان، وفي المشهد يجلس حفني محمود في البرلمان وإلى جواره عبد الستار الباسل، يظهر لك من ملامحهما أنهما صديقان قديمان، وربما تعاهدا أن يجلسا في مقعد واحد من أيام الطفولة. وللبرلمان هيبته ولكن الأخلاق الطفولية البريئة تظهر في كل مكان، أو قل المعابثات الطريفة بين الأصدقاء، وإن كانت الحكمة تقول (كل رجلٍ في بيته صبي)، فإن البعض يجد نفسه صبيًا بين أصدقائه والمقربين منه، صبيانية تماثل صبيانيته في بيته أو تزيد، ويراها البعض مقالب وقفشات تفجر الضحك في أحلك المواقف.
المناقشات تحتدم في البرلمان، ويرتفع الصوت لدرجة أزعجت عبد الستار الباسل، وأيقظته من سبات عميق. وأراد أن يلم بطرفٍ مما جرى وأقلق نومته؛ فمال على حفني محمود وسأله: هي إيه الحكاية؟ وحفني لا بد أن يجيب، وأن يمرر لصاحبه المعلومة كما سمعها، هذا لو كان سمعها ولم يسرح في عالمه الخاص، فأجاب بثقة وتأثر: "بعض الأعضاء تقدموا باقتراح إلى المجلس يطلبون فيه تحريم ذبح الجمال"؛ فغضب النائب، وحق له أن يغضب، وكيف يتقدم الزملاء الأعضاء بطلبٍ كهذا وهو لا يأكل إلا لحم الجمال! لقد ألِفها عن أجداده في القبائل ولن يقبل بتحريمها، ثم طلب الكلمة من سعد زغلول، ووقف تنتفخ أوداجه ويوبخ الزملاء الموقرين لاقتراحهم غير المقبول.
أدرك سعد زغلول أن الباسل كان في قيلولته، وقد أيقظته الضوضاء من حوله، وأن تحريم ذبح الجمال مكيدة من حفني، وقد سقط الباسل في شراكها؛ فرد على الباسل: "نم يا عبد الستار؛ فإن الجمال ستبقى في خير".
أما الموقف الآخر فقد ساقه الأستاذ محمد المدني، وفيه أن الصحف كتبت عن استضافة الإذاعة لأحدهم، ويعمل مديرًا لبعض الجهات الرسمية، ويتمتع بأهمية تقارب أهمية خاشقجي اليوم، واحتشد الناس حول المذياع (الراديو)، منهم من يستمع ليتعلم ومنهم من يستمع ليصيد كلمة لهذا المسؤول يتملقه بها. وخرج عليهم صوت المذيع يتأسف عن اعتذار المسؤول لظرف طارئ، ويعد بالحديث معه لاحقًا ما أمكنت الفرصة، وعاد كل إلى ما يشغله. بعد يومين وصل للمسؤول خطاب من بعض مرؤوسيه، وقد سطر للمسؤول كلمات معسولة منمقة فيها: "لقد أجدت في حديثك إجادةً ما نحسب أن أحدًا وفِّقَ إلى مثلها، وقد كنا نستمع إليك في جمعٍ من أصحابنا، مزهوين بك، والقوم من حولنا في نشوة؛ فلما انتهى حديثك لم يبق أحد إلا حياك ودعا لك، وأخذوا يثنون عليك".
تمتم صديقي: التملق يضع صاحبه في مأزق، وكان له في الصدق متسع، ونسأل الله السلامة.
الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وقد فرض خبر طارئ نفسه على الرأي العام العربي والعالمي؛ ومن تبعات ذلك أن (هذا الصباح) لم يظهر صباح أمس، والتقيت أحد الزملاء فسألت مداعبًا: ما رأيك في حلقة اليوم؟ فشهق شهقة الملوخية وقال: تحكي جد! وين شفتها الحلقة؟
فبادرته: هب أن أحدهم اتصل بك يطري على محتوى حلقة اليوم الشائق الماتع؛ فقال: مستحيل! من يتصرف بهذه السذاجة الرخيصة؟ ويتملق لأجل ماذا؟ ورفع حاجبيه وهو يستدرك: لكن.. كل شيء ممكن..
وسألني: هل حدث معك شيء مثل هذا من قبل؟ قلت: على المستوى الشخصي لم يحدث ولكني قرأت عنه، فبادرني بفضول: هات ما عندك.
قلت: قرأت موقفين؛ الأول من البرلمان المصري، والآخر من موظف لمديره؛ فقال زميلي: لنبدأ بقصة البرلمان؛ ففي البدء كانت السياسة! ومنه تشعب حديثنا عن التملق والتطبيل والقول بغير علم. واستمع صديقي بإنصات لما دار في البرلمان، وفي المشهد يجلس حفني محمود في البرلمان وإلى جواره عبد الستار الباسل، يظهر لك من ملامحهما أنهما صديقان قديمان، وربما تعاهدا أن يجلسا في مقعد واحد من أيام الطفولة. وللبرلمان هيبته ولكن الأخلاق الطفولية البريئة تظهر في كل مكان، أو قل المعابثات الطريفة بين الأصدقاء، وإن كانت الحكمة تقول (كل رجلٍ في بيته صبي)، فإن البعض يجد نفسه صبيًا بين أصدقائه والمقربين منه، صبيانية تماثل صبيانيته في بيته أو تزيد، ويراها البعض مقالب وقفشات تفجر الضحك في أحلك المواقف.
المناقشات تحتدم في البرلمان، ويرتفع الصوت لدرجة أزعجت عبد الستار الباسل، وأيقظته من سبات عميق. وأراد أن يلم بطرفٍ مما جرى وأقلق نومته؛ فمال على حفني محمود وسأله: هي إيه الحكاية؟ وحفني لا بد أن يجيب، وأن يمرر لصاحبه المعلومة كما سمعها، هذا لو كان سمعها ولم يسرح في عالمه الخاص، فأجاب بثقة وتأثر: "بعض الأعضاء تقدموا باقتراح إلى المجلس يطلبون فيه تحريم ذبح الجمال"؛ فغضب النائب، وحق له أن يغضب، وكيف يتقدم الزملاء الأعضاء بطلبٍ كهذا وهو لا يأكل إلا لحم الجمال! لقد ألِفها عن أجداده في القبائل ولن يقبل بتحريمها، ثم طلب الكلمة من سعد زغلول، ووقف تنتفخ أوداجه ويوبخ الزملاء الموقرين لاقتراحهم غير المقبول.
أدرك سعد زغلول أن الباسل كان في قيلولته، وقد أيقظته الضوضاء من حوله، وأن تحريم ذبح الجمال مكيدة من حفني، وقد سقط الباسل في شراكها؛ فرد على الباسل: "نم يا عبد الستار؛ فإن الجمال ستبقى في خير".
أما الموقف الآخر فقد ساقه الأستاذ محمد المدني، وفيه أن الصحف كتبت عن استضافة الإذاعة لأحدهم، ويعمل مديرًا لبعض الجهات الرسمية، ويتمتع بأهمية تقارب أهمية خاشقجي اليوم، واحتشد الناس حول المذياع (الراديو)، منهم من يستمع ليتعلم ومنهم من يستمع ليصيد كلمة لهذا المسؤول يتملقه بها. وخرج عليهم صوت المذيع يتأسف عن اعتذار المسؤول لظرف طارئ، ويعد بالحديث معه لاحقًا ما أمكنت الفرصة، وعاد كل إلى ما يشغله. بعد يومين وصل للمسؤول خطاب من بعض مرؤوسيه، وقد سطر للمسؤول كلمات معسولة منمقة فيها: "لقد أجدت في حديثك إجادةً ما نحسب أن أحدًا وفِّقَ إلى مثلها، وقد كنا نستمع إليك في جمعٍ من أصحابنا، مزهوين بك، والقوم من حولنا في نشوة؛ فلما انتهى حديثك لم يبق أحد إلا حياك ودعا لك، وأخذوا يثنون عليك".
تمتم صديقي: التملق يضع صاحبه في مأزق، وكان له في الصدق متسع، ونسأل الله السلامة.