الجزائر ومحنة الثنائيات

18 مارس 2015
منى حاطوم / فلسطين
+ الخط -

عاد الخطاب العنصري في الجزائر إلى البروز بشكل مقلق، إثر رفض بعض المطربين الأمازيغيين مثل لونيس أيت منغلات وإيدير، المشاركة في تظاهرات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية التي ستنطلق في الشهر القادم.

ما يلفت الانتباه ليست المقاطعة في حد ذاتها وإنما التعليقات التي تبعتها واستندت إلى فكرة التضاد بين العربي والأمازيغي، كأن اختيار مكون واحد هو بالضرورة إقصاء للآخر، عملاً بمقولة "لا يوضع سيفان في غمد واحد".

لقد استفحل داء الثنائيات الإقصائية (عربي أم أمازيغي، معرّب أم مفرنس، مسلم أم كافر، إلخ) وأوجد هويات منغلقة على نفسها. وبات من الصعب الإفلات من هذه الفتن والحماقات.

أذكر أنني عندما كنت صغيراً كنت أمقت ذلك السؤال الذي يطرح على جميع الأطفال: "من تحب أكثر والدتك أم والدك؟"، كنت أجيب بمكر: "أحب أمي وأبي وجدتي وجدي وخالتي وخالي و..". كان جوابي لا يلقى الاستحسان لدى السائلين لأن السؤال قطعي ولا مفر من الاختيار بين إما هذا أو ذاك.

لقد عشت هويتي الجزائرية بصعوبة وطاردتني ثنائية "إما عربي أو أمازيغي" طوال حياتي. فقد ولدت وترعرعت في الجزائر العاصمة في كنف أسرة أمازيغية جاءت من الريف القبائلي بعد الاستقلال مباشرة.

أول لغة تعلّمتها هي الأمازيغية، ووالدتي، أطال الله عمرها، لا تتحدث غيرها. ثم تعلّمت العربية في الشارع والمدرسة، وبعد ذلك لم أجد حرجاً في اختيارها وسيلة لكتابة الرواية. وعندما هاجرت إلى روما في منتصف التسعينيات، عشقت اللغة الإيطالية وقررت الكتابة بها.

أنا سعيد بالانتماء إلى كل هذه اللغات والهويات ولا أرى أي نشاز بينها، بل كل هوية تكمّل الأخرى.

لقد ولدت الهوية الجزائرية في خضم معركتها مع الاستعمار الفرنسي، وسعت الدولة بعد الاستقلال إلى التخلص أو الحد من الإرث الاستعماري عن طريق التعريب. ولم تخل هذه السياسة من تجاوزات وأخطاء طالت المكون الآخر للهوية الجزائرية أي الأمازيغية. مثلاً، لم يكن مسموحاً تسمية الأبناء بأسماء أسلافهم، مثل ماسينيسا ويوغورتا وكاهنة.

لكن هل يمكن تأسيس هوية وطنية قوية عن طريق إقصاء إحدى مكوناتها الرئيسية؟ أليست الهوية المفتوحة لغوياً وإثنياً ودينياً أفضل من الهوية المغلقة؟ إن تنوّع مكونات الهوية في البلد الواحد عنصر قوة إذا أُحسن التعامل معه. أما عقلية الثنائيات الإقصائية، فإنها لا تأتي إلا بالتطرف والجهل والعنصرية.

دلالات
المساهمون