الجزائر والحضور العربي: كسلٌ متبادل

17 يونيو 2018
(من فناء "قصر الثقافة مفدي زكرياء" في الجزائر العاصمة)
+ الخط -

يبدو حضور الثقافة الجزائرية بمختلف أوجهها، على المستوى العربي، متعثراً ودون الحجم والتراكم المتوقّع منها، فما يتم التعريف به عن الثقافة الجزائرية أو ما يعرفه العرب عنها لا يحقق المرجو من تفاعل وتبادل وتواصل، وإن توفّرت تغطيات إعلامية هنا وهناك ضمن فعاليات ثقافية عديدة، أو تأكيدات رسمية عن الشراكة والتعاون والتبادل الثقافي مع أكثر من بلد عربي، غير أن كل ذلك لا يمنع من القول إن الحضور الثقافي للجزائر في العالم العربي لا يزال باهتاً.

يكاد يقتصر الحضور الثقافي الجزائري في بقية البلاد العربية في عدد من المناسبات الرسمية التي تنظّمها السفارات أو في أحسن الأحوال يكون هذا الحضور ضمن معارض الكتب، فمثلاً كانت الجزائر منذ أسابيع ضيف شرف "معرض تونس الدولي للكتاب"، لكن هل يمكننا الحديث عن إشعاع تحقّق من هذا الحضور؟

وتحضر الجزائر أيضاً في المهرجانات السينمائية والمسرحية المتعددة على كامل الخارطة العربية، دون أن ننسى الدعوات الخاصة التي يتلقاها بعض المثقفين والكتّاب والشعراء للمشاركة في أنشطة وملتقيات فكرية وأدبية، وإن كان من المفيد التنويه إلى أن تردّد البعض على هكذا تظاهرات لا يعني أنهم يقدمون الجديد، كل ما في الأمر أنهم متّنوا علاقاتهم الشخصية بوسط إداري أو ثقافي لبلد بعينه.

ومما يمكن ملاحظته أيضاً، هو قلة حضور الثقافة الجزائرية في وسائل الإعلام العربية، وهو حضور إذا تمّ مرهون بمجهودات فردية يقوم بها من حين لآخر كتّاب وإعلاميون تربطهم بوسائل الإعلام العربية علاقات صداقة وتفاعل. ولعلّ هذه الصورة المنقوصة عن واقع الثقافة أسهمت في إحجام الكثير من القرّاء والمتابعين خارج الجزائر عن معرفة ما يعتمل داخلها. وقد نتساءل، هل يجد هذا المتابع العربي إضاءات كافية حول ما يصدر من كتب في مختلف المجالات في الجزائر، أو ما يحدث في مجالات متنوعة مثل المسرح والسينما والفنون التشكيلية؟

ضمن هذا المشهد العام، تأتي بعض النجاحات الجزائرية التي تسجل حضورها أساساً عن طريق الجوائز في مجالات الأدب والدراسات الفكرية والأكاديمية أو في السينما والمسرح، وهي على أهمّيتها تكرّس أسماء بعينها، فيما تُدخل بقية المشهد في مزيد من التهميش. كما يلفتنا ذلك إلى مسألة أخرى تتعلّق بأن هذه النجاحات فرديةٌ أكثر منها جماعية، وغالباً ما لا يكون ثمة أي دعم رسمي خلف ما يحقّقه الجزائريون من إشعاع خارج وطنهم.

هذا الواقع يدعو إلى البحث عن استراتيجيات تواصل مختلفة مع المجال العربي الذي يحيط بالجزائر، بعيداً عن الارتجال الذي يحكم معظم السياسات الثقافية، ففي النهاية تتحمّل الجزائر مسؤولية "كسل" مثقفيها في الترويج لنفسها، وقد نشير هنا إلى أن المسألة لها مقابل في بقية البلاد العربية والتي تبدو كل واحدة منها مكتفية بما عندها، وتنسى كل هذه البلدان أنها أجزاء من ثقافة كبيرة لا يكتمل مشهدها إلا بتفاعل كل الأجزاء مع بعضها.


* ناشطة ثقافية جزائرية

المساهمون