الجزائر ... نصف حل ومنتصف المسافة

20 نوفمبر 2018
لم يطرح بوتفليقة مشروعاً مجتمعياً واضح الهوية(رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

على أعتاب ولاية رئاسية خامسة أو تكاد، وبعد 20 سنة من توليه السلطة، بات ممكناً وضع تقييم موضوعي وقراءة هادئة للمآلات السياسية والمخرجات الاقتصادية والاجتماعية، لأربع ولايات رئاسية من حكم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

لم يطرح بوتفليقة، منذ توليه الحكم في العام 1999، مشروعاً مجتمعياً واضح الهوية في بعده السياسي والاجتماعي، ولم يُوجد لنفسه رؤية اقتصادية محددة الأهداف والغايات وخطة مدروسة لإعادة تأهيل البلاد وإصلاح الأوضاع الصعبة التي ورثها، وتلافى حسم الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولذلك بدا أن بوتفليقة اختار، منذ ولايته الرئاسية الأولى، أنصاف الحلول ووقف في منتصف المسافة. ثمة صورة مشوشة عن الرئيس الجزائري، إذ لم يكن الأخير دكتاتورياً يعتمد سطوة القوة لكنه لم يكن ديمقراطياً أيضاً، ولم يكن ملكياً، فقد كان يترك دائماً هامشاً للمساهمة في نقاشات الشأن العام، لكنه لم يكن جمهورياً بالقدر الذي يكرس منظومة مؤسسات جمهورية، ولم يُركز حكماً فردياً لكنه لم يكرس دولة القانون والمؤسسات، ولم يكن محافظاً كما في مجال إصلاح التعليم وقوانين الأسرة.

أصدر بوتفليقة قانوناً يمنع سجن الصحافيين وكتاب الرأي الآخر، لكن البوليس في عهده يتحفز ضد كل صوت معارض وسلطة الرقابة تسحب من الرفوف كل كتاب منتقد وتحظر الإعلانات عن الصحف المعارضة. لم يكن بوتفليقة ليبرالياً ولم يكن اجتماعياً بدليل تمدد "الكارتل" المالي وتراجع القدرة المعيشية للجزائريين، ولم يكن الرئيس اشتراكياً في سياساته الاقتصادية، لكنه لم ينجز في المقابل اقتصاد سوق تنافسياً، والكثير من المستثمرين الأجانب لم يستطيعوا فهم مرتكزات الاقتصاد الجزائري.

في منتصف كل هذه المسافات وأنصاف الحلول، التي لم تكن حكمة بالضرورة، كانت الجزائر تتخبط في تناقضاتها الحادة، وتعجز عن تحويل كل المقدرات المالية، التي توفرت لها خلال الـ20 سنة الماضية، وحالة الاستقرار السياسي والأمني الداخلي إلى تعزيز رصيد البلاد من الديمقراطية وإقلاع اقتصادي حقيقي وتحسين الظروف الاجتماعية وخدمات الصحة والتعليم والعمران لصالح الإنسان الجزائري. قد تكون الكثير من الأرقام المتعلقة بعدد المدارس والجامعات والشقق السكنية والطرق والسكك الحديدية والمطارات، التي أنجزت في عهد بوتفليقة، تميل لصالح الإقرار بوجود منجز فعلي وتغيير عميق حصل في البلاد خلال الـ20 سنة الماضية، لكن طرح هذه المنجزات من كلفة المال والوقت يظهر أنه كان يمكن بخطة مدروسة، تتأسس على تدبير علمي متأنٍ، تحقيق أكثر وأفضل من ذلك بكثير، ناهيك عن أن ما أنجز لم يكن معجزة، وأنجزته البيروقراطية الإدارية التي كانت تضمن دائماً سير خدمات الدولة تحت كل الظروف، أكثر مما أنجز على ضوء مشروع تغيير متكامل.
المساهمون