الجزائر... معضلة التملّق والخراب

03 أكتوبر 2018
تحوّل التملّق مع مرور الوقت إلى معضلة(إريك فيفيربرغ/فرانس برس)
+ الخط -
كان الجزائريون يعجبون أيما عجب مما يحدث في مصر من تملّق الوزراء في مدح الرئيس عبدالفتاح السيسي على الرغم من الفشل الاقتصادي، وتسابُق السفراء في مدحه على الرغم من الإخفاقات السياسية، وتنافس الإعلاميين في التزلف للرئيس والجيش على الرغم من منتوج الخوف الذي تسلط على المصريين، وتفاوُت الأئمة والمشايخ في رسمه في رؤاهم وأقاصيصهم، حتى برز بين الجزائريين من تجاوزوا الحالة المصرية وتفوقوا في ذلك وأكثر.

وزير المجاهدين (قدماء المحاربين في ثورة التحرير) في الجزائر الطيب زيتوني، قال ما لم يسبقه إليه أحد، "الله أرسل النبي محمد رحمة للعالمين، وأرسل الرئيس بوتفليقة رحمة للجزائريين"، مع أن الحكام والرؤساء تختارهم شعوبهم أو يأتون على ظهر دبابة، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة انتقاه العسكر من بين ثلاث شخصيات كانت مطروحة أمام الجيش للترشح في إبريل/ نيسان 1999. وحين يدفع المنصب وزيراً في الحكومة إلى أن يساوي بين النبي ورئيس، ويقول مسؤول سياسي إن "الجزائريين كانوا يأكلون الأعشاب قبل مجيء الرئيس بوتفليقة "، فإن الجزائر بصدد أزمة أخلاق سياسية.

ثمة تحوّل لافت في سلوك الرجل السياسي الجزائري، ويمكن أن يكون هذا التحوّل إعلاناً لنهاية العنفوان الثوري الذي راكمته ثورة التحرير وكلفة الاستقلال داخل الإنسان الجزائري، لجهة تركيز الروح الجماعية واستبعاد كل مظاهر العبودية السياسية والقطع مع حب الفرد واستنكار الزعاماتية التي ألغتها الثورة ولم يسعَ إليها رؤساء الجزائر قبل 1999، بل إن الرئيس هواري بومدين نفسه الذي كان يُعرف عنه تشدده في الحكم، لم يفتح مجالاً لتمجيد الرئيس الفرد، وظل يردد دائماً أن البطل هو الشعب.

في الجزائر أضيف إلى القاموس السياسي الشعبي مصطلح "الشيتة"، وتعني التملّق والتزلف، مثل تصريحات وزير المجاهدين، لكن "الشيتة" كسلوك سياسي تحوّلت مع مرور الوقت واستجابة السلطة، إلى معضلة ستبرز آثارها الوخيمة على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي لاحقاً، ذلك أنه حين يكون التملّق بديلاً من الكفاءة معياراً للتعيين في المناصب، والولاء بديلاً لاستحقاق الوظائف، والتزلّف بدلاً من الجدارة في الحقوق، سيكون المآل الطبيعي أن يحدث كل هذا الخلل الراهن والعطب الكابح لكل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجزائر.

تبسيطاً للفكرة، في المشهد الإعلامي مثلاً، لا تحصل سوى الصحف التي تعدد منجزات بوتفليقة والحكومة على الإشهار، ولذلك انتهت الصحافة في الجزائر إلى واقع رديء. وفي الاقتصاد لا يحصل المستثمرون ورجال الأعمال الذين لديهم مواقف مخالفة، على الامتيازات حتى ولو كان القانون يقر لهم بها، وفي الجامعات لا يحصل الأساتذة الذين لديهم رؤية سياسية مغايرة لسياسات السلطة على إدارة الجامعات ولو كانت كفاءتهم تفرضهم، وينطبق ذلك على أكثر من مجال.

ساعدت منظومة الريع التي تَركّز عليها النظام السياسي في الجزائر، في استدراج الجميع إلى دائرة الفساد والاستفادة من الريع النفطي مقابل الولاء، وقضى ذلك على مبدأ الشفافية في تسيير الشأن العام وتكافؤ الفرص السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وخرَّب كل محاولة لبناء مشهد سياسي واقتصادي واجتماعي فاعل، فحيث الريع يكون التملّق، وحيث هما يكون الخراب.
المساهمون