الجزائر في مفترق طرق

17 يونيو 2015

مشهد في قسنطينة

+ الخط -
سألت صحافية فرنسية، بخبث، الرئيس فرانسوا هولاند، قبيل لقائه مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الاثنين الماضي: هل ستقنع الرئيس المريض في الجزائر بالتنحي عن الحكم، لأنه لم يعد قادراً على إدارة البلد؟ لم يجب هولاند عن السؤال المفخخ، قفز للحديث عن مستقبل العلاقة بين باريس والجزائر والروابط التاريخية، وما إلى ذلك من كلام يُختار بعناية للمناسبة، لكن سؤال الصحافية الفرنسية كانت له أصداء أخرى في الجزائر، حيث الحرج من وجود رئيس لا يخرج من قصره، ولا يسافر في بلاده، ولا يركب طائرة، صوته يكاد لا يسمع، وصورته فوق كرسي متحرك تثير الشفقة. قال علي بن فليس، المعارض الأول لبوتفليقة لـ "لوموند": "مرت على الجزائر سنة بيضاء، نظمنا الانتخابات لنعالج المشكلات. لكن، بعد سنة على تجديد الولاية الرابعة للرئيس، لم نحل أي أزمة. البلاد واقفة، وتتجه إلى الباب المسدود، وإلى نفق سياسي واقتصادي واجتماعي مظلم". 
الرئيس المعزول عما يجري في بلاده، وفي العالم، لم يعقد إلا خمس اجتماعات للمجلس الوزاري الذي يرأسه، وهذا معناه أن آلة التشريع والتنفيذ واقفة، في سنة 2014 كلها، لم تقدم الحكومة الجزائرية سوى 27 مشروع قانون إلى البرلمان، وهي أضعف حصيلة تشريعية في العالم. يقول الوزير الجزائري السابق، عبد العزيز الرحابي: "المؤسسات مشلولة، والرئيس معزول، وليس له من واجهة إلا أخوه سعيد بوتفليقة.
الأسوأ هو الوضع الاقتصادي، برميل البترول الذي كان قبل عام يباع بـ 125 دولاراً هبط إلى أقل من 60 دولاراً، أي أن الجزائر التي تعتمد في 60% من ميزانيتها على عائدات الغاز والبترول خسرت عشرات المليارات من الدولارات في سنة واحدة. وتستورد الجزائر كل شيء تقريباً، وتدفع فاتورة ثقيلة لهذا الاستيراد غير المحدود، وصلت سنة 2014 إلى حوالي 60 مليار دولار.
واعتقد صناع القرار في الجزائر أن أزمة أسعار البترول لن تدوم طويلاً، وأنها سحابة صيف، لهذا عمدوا إلى صندوق احتياطاتهم، وبدأوا يغرفون منه، لتغطية عجز الميزانية في بلاد تخصص ربع ناتجها الخام لدعم المواد الأساسية من أجل شراء السلم الاجتماعي، لكن أموال صناديق الاحتياط تذوب مثل قطعة السكر في الماء الساخن، فأثمنة البترول لم تصعد والعجز يكبر، وكتلة أجور القطاع العام تضخمت بشكل مهول، بعد أن عمدت الدولة إلى توظيف عشرات الآلاف من الشباب العاطل، قبل أربع سنوات، خشية أن يصنعوا ربيعهم الخاص. ولسد العجز، عمدت الحكومة إلى تجميد الاستثمارات في البنيات التحتية، والتقليل من الاستيراد، لكن هذا كله حبة أسبرين تسكن الألم، ولا تعالج المرض. والحكومة الجزائرية عاجزة عن رفع الدعم الكبير عن المواد الأساسية، لأنها تخشى على السلم الاجتماعي، ولأن شرعية السلطة هناك لا تحتمل هذه المغامرة.
اشترى بوتفليقة السلم الاجتماعي بعملتين أساسيتين: عائدات النفط والغاز، وهي في نزول. وتذكير الجزائريين المستمر بفظاعات العشرية السوداء. ولهذا، تعاني الجزائر اليوم في صمت، وحتى احتجاجاتها الاجتماعية، ليس لها نفس سياسي، لأن الناس تخاف من العودة إلى أهوال الحرب الأهلية التي قضى فيها أكثر من 150 ألف ضحية، عدا الجرحى والمعتقلين والمنفيين.
البلاد محاصرة بين فكّي كماشة، لا يعرف أحد متى تفتح. رهينةٌ بين الحالة الصحية للرئيس وثمن البترول في السوق الدولي، ومرض الرئيس وعمره بيد الله تعالى، وثمن برميل النفط في يد القوى الكبرى ولعبة الحرب والسلم في العالم.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.