08 نوفمبر 2024
الجزائر.. فوز الدولة العميقة
قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن حسمٍ قريبٍ في معركة كسر العظام بين الحراك الشعبي والنظام في الجزائر، على الرغم من أن الأخير نجح في فتح ثغرة في الحراك، من خلال الانتخابات الرئاسية التي فاز بها عبد المجيد تبّون.
وعلى صحة الرقم الذي أوردته الهيئة المستقلة للانتخابات بشأن نسبة المشاركة التي لم تتجاوز 40%، تظل فئاتٌ واسعةٌ خارج هذه المعادلة في ظل مقاطعتها هذه الانتخابات، وتمسّكها برحيل كل أركان النظام، ورفضها مختلف التدابير التي اتخذها بهدف امتصاص غضب الشارع. وقد كانت دالةً دعوةُ الرئيس المنتخب الحراك إلى الحوار، فيما يبدو، من ناحية، اعترافا بسلطة هذا الحراك واستمراره رقما أساسيا في المشهد الجزائري. ومن ناحية أخرى، تطلعا إلى إحداث اختراقاتٍ أخرى داخل مكوّناته تفضي، مع مرور الوقت، إلى تفكيكه من دون تكاليف كبيرة.
أدرك النظام الحاكم في الجزائر، منذ الأسابيع الأولى لانطلاق الحراك، أن مواجهة المتظاهرين باستعمال العنف ستكون مكلفة جدا لأسبابٍ كثيرة، أبرزها عدم استعداده لتكرار سيناريو العشرية السوداء التي لا زالت تبعاتها النفسية والاجتماعية حاضرةً في الجزائر على غير صعيد. ولكن في الوقت نفسه، بدا هذا النظام متوجّسا من المطالب الراديكالية التي رفعها المتظاهرون في مختلف مدن الجزائر، وبالأخص فيما يتعلق بإنهاء وصاية الجيش على الحياة السياسية، بعد عقود من هيمنته المطلقة على مختلف مفاصل الدولة.
اعتقد النظام، في البداية، أن تنحية عبد العزيز بوتفليقـة، وإزاحة بعض مساعديه من مواقع المسؤولية، وتقديم بعض وجوه النظام المعروفة للمحاكمة في قضايا فساد، أمور سترضي الحراك، وتجعله يحدّ من راديكالية مطالبه. ولكن المشكلة كانت أكبر من مجرد ''أكباش فداء'' تتم التضحية بهم، من دون وجود رغبة حقيقية في إنجاز إصلاح سياسي واجتماعي شامل، يقطع مع الاستبداد والفساد، ويفتح الباب أمام جمهوريةٍ ثانيةٍ تخضع فيها مختلف مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، لسلطة القانون.
لم يكن ممكنا أن يذهب النظام أبعد من ذلك، بسبب طبيعته السلطوية وشبكة المصالح المتشعبة التي يُديرها ويشرف عليها منذ عقود، فقبول مطلب الحراك، تفكيك المؤسسات القائمة، والانخراطِ في مسار انتقالي يفضي إلى تحول ديمقراطي يفرز مشهدا سياسيا مغايرا، كان من سابع المستحيلات بالنسبة لهذا النظام. ولذلك راهن على عامل الوقت لإنهاك المحتجين والنّيل من صمودهم. وبموازاة ذلك، سعى إلى استثمار مكامن الضعف في الحراك، خصوصا فيما يتعلق بافتقاده قيادة منسجمة قادرة على صياغة مطالب المحتجين في برنامج سياسي واضح، يمكّن من تحسين موقعهم التفاوضي في مواجهة تعنت قائد أركان الجيش، أحمد قايد صالح.
وعلى الرغم من أن النظام كان يتطلع في هذه الانتخابات إلى نسبة مشاركة مرتفعة تسحب البساط من تحت أقدام المحتجين، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إنه نجح في تشكيل كتلة ثالثة شكلت، إلى حد كبير، نسبة الذين شاركوا في هذه الانتخابات. وربما لا مبالغة في القول إن النظام حرص على ضمان قدر كبير من الشفافية في هذه الانتخابات، حتى يتمكّن من إعادة بناء صورة متكاملةٍ للتجاذبات الموجودة داخل الشارع الجزائري، بما يتيح له إعادة النظر في علاقته بالحراك على المدى البعيد.
إذا كان الحراك الشعبي في الجزائر قد نجح في الحفاظ على سلمية التعبئة طوال الأشهر المنصرمة، فإن الدولة العميقة نجحت، على الأقل الآن، في تدوير النظام القائم، بعد أن تخلصت من الوجوه التي كانت تثير غضب فئات واسعة من الشارع، غير أنها ستكون مطالبة، أيضا، بالعمل على بقاء هذه الكتلة الثالثة على الحياد، وتفادي عودتها إلى الالتحام بالشارع، وذلك بالاستجابة لبعض مطالب الحراك، سيما فيما يتعلق بتقليص نسب الفقر والبطالة، ومأسسة مكافحة الفساد، وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة المختلفة. وهو أمر يبدو صعبا، ليس فقط بسبب البنية السلطوية للنظام، ولكن لأن ذلك قد يخفف الضغط على الفئات الوسطى، سيما الحضرية منها، ويمنحها زخما جديدا يدفعها نحو تجديد مطالبها برفع يد الجيش عن الدولة وإقامة دولة مدنية.
أدرك النظام الحاكم في الجزائر، منذ الأسابيع الأولى لانطلاق الحراك، أن مواجهة المتظاهرين باستعمال العنف ستكون مكلفة جدا لأسبابٍ كثيرة، أبرزها عدم استعداده لتكرار سيناريو العشرية السوداء التي لا زالت تبعاتها النفسية والاجتماعية حاضرةً في الجزائر على غير صعيد. ولكن في الوقت نفسه، بدا هذا النظام متوجّسا من المطالب الراديكالية التي رفعها المتظاهرون في مختلف مدن الجزائر، وبالأخص فيما يتعلق بإنهاء وصاية الجيش على الحياة السياسية، بعد عقود من هيمنته المطلقة على مختلف مفاصل الدولة.
اعتقد النظام، في البداية، أن تنحية عبد العزيز بوتفليقـة، وإزاحة بعض مساعديه من مواقع المسؤولية، وتقديم بعض وجوه النظام المعروفة للمحاكمة في قضايا فساد، أمور سترضي الحراك، وتجعله يحدّ من راديكالية مطالبه. ولكن المشكلة كانت أكبر من مجرد ''أكباش فداء'' تتم التضحية بهم، من دون وجود رغبة حقيقية في إنجاز إصلاح سياسي واجتماعي شامل، يقطع مع الاستبداد والفساد، ويفتح الباب أمام جمهوريةٍ ثانيةٍ تخضع فيها مختلف مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، لسلطة القانون.
لم يكن ممكنا أن يذهب النظام أبعد من ذلك، بسبب طبيعته السلطوية وشبكة المصالح المتشعبة التي يُديرها ويشرف عليها منذ عقود، فقبول مطلب الحراك، تفكيك المؤسسات القائمة، والانخراطِ في مسار انتقالي يفضي إلى تحول ديمقراطي يفرز مشهدا سياسيا مغايرا، كان من سابع المستحيلات بالنسبة لهذا النظام. ولذلك راهن على عامل الوقت لإنهاك المحتجين والنّيل من صمودهم. وبموازاة ذلك، سعى إلى استثمار مكامن الضعف في الحراك، خصوصا فيما يتعلق بافتقاده قيادة منسجمة قادرة على صياغة مطالب المحتجين في برنامج سياسي واضح، يمكّن من تحسين موقعهم التفاوضي في مواجهة تعنت قائد أركان الجيش، أحمد قايد صالح.
وعلى الرغم من أن النظام كان يتطلع في هذه الانتخابات إلى نسبة مشاركة مرتفعة تسحب البساط من تحت أقدام المحتجين، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إنه نجح في تشكيل كتلة ثالثة شكلت، إلى حد كبير، نسبة الذين شاركوا في هذه الانتخابات. وربما لا مبالغة في القول إن النظام حرص على ضمان قدر كبير من الشفافية في هذه الانتخابات، حتى يتمكّن من إعادة بناء صورة متكاملةٍ للتجاذبات الموجودة داخل الشارع الجزائري، بما يتيح له إعادة النظر في علاقته بالحراك على المدى البعيد.
إذا كان الحراك الشعبي في الجزائر قد نجح في الحفاظ على سلمية التعبئة طوال الأشهر المنصرمة، فإن الدولة العميقة نجحت، على الأقل الآن، في تدوير النظام القائم، بعد أن تخلصت من الوجوه التي كانت تثير غضب فئات واسعة من الشارع، غير أنها ستكون مطالبة، أيضا، بالعمل على بقاء هذه الكتلة الثالثة على الحياد، وتفادي عودتها إلى الالتحام بالشارع، وذلك بالاستجابة لبعض مطالب الحراك، سيما فيما يتعلق بتقليص نسب الفقر والبطالة، ومأسسة مكافحة الفساد، وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة المختلفة. وهو أمر يبدو صعبا، ليس فقط بسبب البنية السلطوية للنظام، ولكن لأن ذلك قد يخفف الضغط على الفئات الوسطى، سيما الحضرية منها، ويمنحها زخما جديدا يدفعها نحو تجديد مطالبها برفع يد الجيش عن الدولة وإقامة دولة مدنية.