فشلت ندوة المشاورات السياسية لحل الأزمة الراهنة في الجزائر اليوم الاثنين، بعد مقاطعة شبه شاملة لها من قبل الأحزاب السياسية، فيما غاب رئيس الدولة نفسه عبد القادر بن صالح عن الندوة، تزامنا مع بدء الحديث عن تقديمه استقالته، لتسهيل مهمة الجيش في تقديم مقترحات حل سياسي ينهي الأزمة.
قاعة قصر الأمم، التي احتضنت كبرى الأحداث السياسية والتاريخية في الجزائر، كانت الاثنين على موعد مع إخفاق سياسي لبن صالح، في جلسة هزيلة غاب عنها هو نفسه وغاب فيها كبار الفاعلين في المشهد السياسي في الجزائر، بسبب المقاطعة الشاملة التي أعلنها مجموع الأحزاب والشخصيات السياسية المستقلة والنشطاء.
أربعة أحزاب فقط حضرت اللقاء، هي "حركة الإصلاح" وحزب "التجديد" و"التحالف الجمهوري"، و"جبهة المستقبل"، التي اختار ممثلها، عبد العزيز بلعيد، الانسحاب مباشرة بعد الافتتاح بسبب غياب بن صالح ومنع الإعلاميين من حضور الندوة.
وبرغم الفشل الذريع للندوة التي كان بن صالح يراهن عليها للحصول على توافقات سياسية ونيل اعتراف لشخصه، فإن المجموعة الموالية لنظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، والتي ما زالت تمسك بمؤسسة الرئاسة، تبدو في حالة غيبوبة وتجاهل تام إزاء الواقع السياسي الذي يرفض كل هذا المسار.
وتقود المجموعة خطوات الرمق الأخير للتصدي لأي محاولة لتغيير الخطة السياسية المؤدية إلى انتخابات رئاسية مقررة في الرابع يوليو/تموز المقبل، والتي ترفض كل الأحزاب والشخصيات المهمة الترشح أو المشاركة فيها.
كما ترفض البلديات المكلفة بالتنظيم المشاركة في تنظيمها، ورفض القضاة الإشراف عليها. وفي هذا الصدد، قال أمين عام الرئاسة الجزائرية، حبة العقبي، في تصريح للصحافيين إن "الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها المحدد في الرابع من يوليو (تموز) المقبل".
لكن أكثر ما أثار الفاعلين السياسيين والمراقبين للمشهد السياسي في الجزائر، ليس تصريح العقبي، الذي يجانب تطورات الواقع السياسي ويتجاهل كل المعطيات التي تشير إلى ضرورة إرجاء الانتخابات الرئاسية المقبلة عن موعدها المقرر، بل ظهوره السياسي، الذي اعتبرته القوى السياسية والنشطاء استفزازا سياسيا صارخا.
وبالنسبة لهؤلاء فالعقبي هو المدبر الرئيس للقرارات الرئاسية في عهد بوتفليقة، وأمين سره حيث يشغل منصب أمين عام الرئاسة منذ سنوات، وكان أبرز مهندسي ترشح الرئيس المستقيل لولاية رئاسية خامسة، إضافة إلى كونه عوض الهيئة القيادية لحزب "جبهة التحرير الوطني"، الذي يطالب الحراك الشعبي بحله وتحييده عن المشهد السياسي.
وقال رئيس حزب "التجديد والتنمية" أسير طيبي لـ"العربي الجديد" إن "غياب رئيس الدولة عن الندوة السياسية، وترؤس حبة العقبي، وهو يشغل منصب موظف وليس منصبا سياسيا، هو إهانة واستفزاز للشعب والطبقة السياسية ، مضيفاً أن "استمرار وجود شخصيات مثل حبة العقبي وبن صالح في الرئاسة ونور الدين بدوي في الحكومة، يؤكد أن النظام البوتفليقي ما زال مستمرا، وأن رجاله برغم رحيل بوتفليقة ما زالوا يقاومون محاولات التغيير". وتابع قائلا: "يمكن الآن أن نفهم لماذا يصر الحراك الشعبي على رحيل رموز نظام بوتفليقة".
وفي السياق قال المحلل السياسي مروان لوناس لـ"العربي الجديد" إن "ظهور حبة العقبي بكل ما يمثله هذا الشخص من عمق ونفوذ وكونه مهندس العديد من الخيارات السياسية وولائه الكبير للرئيس بوتفليقة، وتصريحه أن الانتخابات ستجري في وقتها، لا يمكن إلا أن يفهم أن رجالات نظام بوتفليقة ما زالت تقاوم وتحاول أن تضع بصمتها السياسية في خطوات المرحلة المقبلة".
بدوره، اعتبر المحلل السياسي زهير بوعمامة أن "مآلات الفشل التي انتهت إليها الندوة السياسية التي دعا إليها بن صالح، والمشهد المهين بغيابه عنها وترؤس حبة العقبي لها، يفترض أن يكون آخر محطة وفرصة للمجموعة المحسوبة على الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة للتنحي وفسح المجال أمام الحل السياسي" الذي يطالب به الحراك الشعبي والقوى السياسية المعارضة منذ بدء الثورة السلمية في 22 فبراير/ شباط الماضي.
إلى ذلك، قد يحسب إخفاق بن صالح في ندوته السياسية ضده، ما قد يدفعه إلى التنحي عن منصبه ومنح الفرصة للجيش للانتقال إلى مرحلة حل سياسي مرضٍ ومقبول، خاصة أن قيادة الجيش التي كانت تتمسك بالحل الدستوري قبل الثلاثاء الماضي، وتصف مطالب الشعب بالتعجيزية، عادت عن ذلك الثلاثاء الماضي. وكان قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، قد أعلن عن القبول بإمكانية اللجوء إلى حل سياسي يتقارب مع الحل الدستوري، إذ قال الأسبوع الماضي إن "كل الآفاق مفتوحة أمام كل الحلول الممكنة".
وفي السياق، يجري الحديث عن إمكانية أن يلجأ الجيش بعد استقالة بن صالح إلى عقد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن للإعلان عن مقترح تشكيل مجلس رئاسي يعين حكومة انتقالية لفترة محدودة، خاصة أن الجيش يسعى إلى إنهاء سريع للأزمة السياسية. وتطرح بعض التقارير أسماء وزير الخارجية السابق أحمد الإبراهيمي ورئيس الحكومة السابق مولود حمروش لقيادة المجلس الرئاسي، فيما يتولى رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور قيادة حكومة انتقالية.
وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن الإبراهيمي أبلغ مقربين ناقشوا معه مدى إمكانية مساهمته في إدارة مرحلة انتقالية، أنه مقتنع بالحل السياسي وأنه لا يعرض نفسه ليكون في أي منصب، لكنه لا يمانع في المساهمة في حالة أي توافق سياسي.
وقبل أسبوع نشر حمروش مساهمة سياسية مكتوبة لمّح فيها إلى إمكانية قبوله عرضا للعب دور سياسي في المرحلة المقبلة، مشترطا أن يكون ذلك صادرا من الجيش وبموافقة منه.
ويتطلع الجزائريون ككل أسبوع إلى الخطاب الذي سيلقيه الثلاثاء قائد أركان الجيش في منطقة البليدة، 60 كيلومترا جنوبي العاصمة الجزائرية، لدى زيارته وحدات عسكرية.
ويتوقع بناء على التطورات السياسية التي شهدتها الجزائر منذ الثلاثاء الماضي، أن يعلن الجيش عن خطوات وقرارات سياسية تحسم الموقف.