ربما كانت السلطات تدرك أن الترخيص لتجمّع قدماء "الأيياس" (اختصار لاسم الجيش الاسلامي للإنقاذ)، في منطقة تاسوست، في ولاية جيجل، شرقي الجزائر، سيثير الكثير من المخاوف لدى الطبقة السياسية من التيار الديمقراطي، ولدى الناشطين الحقوقيين ووسائل الإعلام.
وبدأت الأسئلة تُطرح عن خلفيات هذا النشاط، وما إذا كان مقدمة لتهيئة الأجواء للسماح بعودة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة بحكم قضائي، إلى النشاط السياسي، للمرة الأولى منذ شهر مارس/ آذار 1992، خصوصاً أن عدداً كبيراً من المسلحين السابقين، الذين يُعرفون في الجزائر بـ"التائبين"، ظهروا في التسجيل المصوّر للتجمّع.
وانتقدت الصحف الجزائرية، المحسوبة على التيار العلماني، ما اعتبرته "تساهل السلطة مع المسلّحين السابقين"، والسماح لهم بالنشاط السياسي. وتساءلت صحيفة "لوسوار دالجيري"، (مساء الجزائر)، عن خلفيات هذا التحرّك، وما إذا كان ذلك مقدّمة للسماح بإنشاء حزب سياسي يجمع قدماء "الجبهة الإسلامية للانقاذ" مع المسلّحين السابقين للذراع العسكري المسلّح المنحلّ.
وانتقد سياسيون عدة التجمّع أيضاً، ومنهم السكرتير السابق لـ"جبهة القوى الاشتراكية"، كريم طابو، الذي اعتبر أن "المخيّب ترخيص السلطة للمسلحين السابقين الذين رفعوا السلاح في وجه الدولة، وتمنع السياسيين المعارضين السلميين من حق تأسيس أحزاب سياسية"، في إشارة منه إلى عرقلة السلطات له ولرؤساء حكومات سابقين في تأسيس أحزابهم.
وإذا كانت الاعتراضات كبيرة، غير أن موقف "الجيش الإسلامي للانقاذ" كان عادياً، وكشف عبر قائده، مدني مزراق، "اعتيادهم على الالتقاء في الأعراس والمناسبات. نحن جزائريون، ولنا مثل كل الجزائريين حق النشاط السياسي وحق التجمع، ما دمنا نحترم القوانين".
وعلى الرغم من رفض وزارة الداخلية تقديم أي تصريح صحافي أو توضيحات في هذا الشأن، إلا أن مرزاق أكد أن "السلطات الجزائرية السياسية والادارية والأمنية، كانت كلها على علم بالتجمّع، خصوصاً أن ذلك تمّ في اطار احترام القانون".
لم يوضح مزراق طبيعة وكيفية الحصول على ترخيص لعقد الاجتماع، لكنه لفت إلى أن "الأمر لا يستدعي كل هذه التساؤلات". ومن الطبيعي أن يقول ذلك، في ظلّ إدراج السلطات قيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" في المشاورات السياسية حول مشروع مسودة الدستور، الذي يسعى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى تعديله. ففي يونيو/ حزيران الماضي، التقى مرزاق رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، وسلّمه مقترحاته حول الدستور المقبل.
وعلى الرغم من الشكوك السائدة في الوسطين السياسي والإعلامي في الجزائر، في شأن وجود صفقة سياسية بين السلطة وقيادة "الانقاذ"، تقضي بالترخيص تدريجياً بإنشاء إطار سياسي وفقاً لمطالبات سابقة، لكن مراقبين يؤكدون أن "السلطات تستدرج قيادة جيش الإنقاذ لإشراكها في مشاريع سياسية، كبديل عن القيادة السياسية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، بالتالي سيكون من الصعب على قدماء جيش الانقاذ التفكير أو الحصول على حق إنشاء حزب سياسي".
واستند المراقبون إلى المادة 47 من قانون "المصالحة الوطنية" الذي استُفتي فيه الشعب في سبتمبر/ أيلول 2005، والتي لا تسمح لكل مَن تورّط في حمل السلاح أو شارك في أحداث المأساة الوطنية، بالعمل السياسي. وهي المادة التي اعتمدتها السلطات في كل قراراتها السابقة في شأن منع قيادات "الجبهة الاسلامية للانقاذ" من النشاط السياسي.
يُذكر أن "الجيش الإسلامي للإنقاذ" أُنشئ عقب إعلان الجيش الجزائري وقف المسار الانتخابي والغاء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية في 11 يناير/ كانون الثاني 1992. وضمّ "جيش الإنقاذ" الآلاف من مناضلي الجبهة والفارين من ملاحقات الأمن والدرك والمعتقلين السابقين، كما ضمّ عناصر مجموعة مسلحة ظهرت في الجزائر في الثمانينات.
وقاتل "الجيش الاسلامي للانقاذ" ضد قوات الجيش والأمن، قبل أن تبدأ قيادات في جهاز الاستخبارات، يتقدمهم الراحل إسماعيل العماري، سلسلة مفاوضات مع قياداته لوقف القتال والبحث عن حلّ سياسي يعود بموجبه المسلحون الى بيوتهم، مع ضمانات كافية من قبل السلطات باستعادة كافة حقوقهم المادية والسياسية حقناً للدم في عام 1997، على أن يناقش الحل السياسي المتعلق بعودة "الجبهة الإسلامية للانقاذ" المحظور في وقت لاحق، ريثما تستقرّ الأوضاع.
وعليه، أوقف "الجيش الاسلامي للانقاذ" عملياته العسكرية بدءاً من عام 1998، وسمحت السلطات بإقامة مخيمات محددة ومعروفة لتجميع مسلحيه، تمهيداً لتسليم سلاحهم وعودتهم إلى عائلاتهم، وهو ما تم مباشرة بعد انتخاب بوتفليقة رئيساً في ابريل/ نيسان 1999، واقرار قانون "الوئام المدني" في سبتمبر من العام عينه.