08 نوفمبر 2024
الجزائر.. سقوطُ جدار الخوف
تمثّل الجزائر حالةً تكاد تكون فريدة في خريطة الحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة العربية قبل ثمانية أعوام، فحسابات العدوى الديمقراطية كانت تضعها في صدارة البلدان التي ستصل إليها، بسرعة، ارتدادات الثورة التونسية بحكم الجوار الجغرافي، لكنها ظلت ضمن البلدان القليلة التي لم تتطور فيها الاحتجاجات إلى حراك شعبي واسع ومنظم، كما في حالات عربية أخرى. ولا حاجة للتذكير بالسبب الرئيسي الذي حال دون انتقال هذه الاحتجاجات إلى طوْر أكثر نضجاً وتنظيماً، فقد كان التأثير النفسي الذي أحدثته أعمال العنف والقتل التي شهدتها البلاد طوال التسعينات عميقاً؛ ففضلاً عن كلفتها البشرية الباهظة (حوالي 150 ألف قتيل)، أحدثت شرخاً مجتمعياً لا تزال آثاره باديةً على أكثر من صعيد، وهو الشرخ الذي حولته العسكرتارية الجزائرية الحاكمة، على امتداد العقدين المنصرمين، إلى عائد سياسي تعيد إنتاجه وتستثمره، عبْرَ خطاب سياسي وأمني يُحيل، بشكل غير مباشر، إلى هذه العشرية السوداء، باعتبارها فزّاعةً كبرى على الجزائريين تذكرها وهم يستحضرون قضايا الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة والعدالة الاجتماعية. وتجدر الإشارة إلى أن فرادة الحالة الجزائرية، في هذا الخصوص، تتأتّى كذلك من أنها البلد العربي الذي كان على وشك أن يدشّن موجةَ دمقرطةٍ مبكرةٍ مع مطلع التسعينات، ربما كانت ستغير مسار المنطقة العربية، لولا عدم نضج الفاعلين وافتقادهم الخبرة اللازمة لإدارة المخاض العسير للتحول الديمقراطي.
اليوم، يستحضر الجزائريون ذلك التاريخ القريب، في ضوء ما تعرفه المنطقة من متغيرات، وبات واضحاً أن جدار الخوف الذي شيدته النخبة الحاكمة على وقع أحداث التسعينات بدأ يتداعى أمام إصرارهم على رفض استغبائها لهم، ووقوفها ضد إرادتهم في التغيير الديمقراطي السلمي الذي ينهي عقوداً من الحكم الشمولي. وبدأت معادلة الاستقرار في ظل الاستبداد تستنفد مبرّرات استمرارها، لا سيما بعد أحداث الربيع العربي التي نقلت السياسة إلى الشارع، وأعلنت إفلاس مؤسّسات التأطير والوساطة التقليدية. ولا مجازفة في الزعم بأن تقديم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعاني من جلطة دماغية منذ 2013، ترشيحه لولاية خامسة كان النقطة التي أفاضت الكأس، لما انطوى عليه ذلك من استخفافٍ دال بعقول الجزائريين، وتسفيهٍ لتطلعاتهم المشروعة نحو الحرية والديمقراطية، خصوصاً مع التحول الدالّ الذي تعرفه المعادلة السياسية الجزائرية، التي صارت أكثر ارتهاناً لتحالفٍ مشبوه بين السلطة والمال، مع ما يدل عليه ذلك من استشراء الفساد وتغلغله داخل مختلف مفاصل الدولة.
عوامل كثيرة أسهمت في هذا التحول، أهمها بروز جيل جديد من الشباب، لم يعايش مآسي الحرب الأهلية، ويتطلع إلى تجاوز حالة الإفلاس الاقتصادي والاجتماعي والسياسي التي تشهدها البلاد، من خلال تغيير سياسي حقيقي، هذا من دون أن نغفل الأزمة العميقة التي يواجهها النموذج العسكرتاري في المنطقة العربية، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري المعلوم في مصر.
لا تريد النخبة الحاكمة في الجزائر أن تعرف أن العالم تغير، وأن الشرعيات السياسية التي تتكئ على الموروث الوطني ومناهضة الاستعمار وصلت إلى سقفها، وبالتالي فإصرار هذه النخبة على الربط العضوي بين منصب الرئاسة والشرعية التاريخية المرتبطة بحرب التحرير، ليس إلا تغطية مكشوفة لشبكة المصالح المالية والاقتصادية الكبرى التي تتحكم بها.
إعلانُ شخصيات سياسية بارزة دعمها الحراك الحالي، وانسحابُ بعض المرشحين من سباق الانتخابات الرئاسية، والتصدّعُ البادي داخل بعض مواقع النظام بعد تعهّد بوتفليقة، في حال انتخابه رئيساً، بتنظيم انتخابات مبكرة والقيامِ بإصلاحاتٍ مؤسساتية ودستورية واقتصادية، ومطالبةُ قوى المعارضة بعزل بوتفليقة، وإعلانِ شغور منصب رئيس الجمهورية وتأجيل الاقتراع الرئاسي إلى إشعار آخر، ذلك كله من شأنه أن يربك حسابات النظام، ويزيد من عزلته، من دون أن ننسى الظرف الإقليمي الذي لا يبدو في صالحه، في ضوء مؤشراتٍ معظمها يصب في الأزمة التي يواجهها محور الثورة المضادة في المنطقة.
مؤكّد أن الكرة، الآن، في ملعب حكام الجزائر، فهم يدركون أن أي مناورةٍ ستكون مكلفة على الصعد كافة، فالبلاد باتت، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة لإصلاح سياسي واجتماعي شامل، لا يبدو أنهم قادرون على الانخراط فيه بكل مسؤولية، والاستجابة، بالتالي، لمطالب المحتجّين وتطلعاتهم.
اليوم، يستحضر الجزائريون ذلك التاريخ القريب، في ضوء ما تعرفه المنطقة من متغيرات، وبات واضحاً أن جدار الخوف الذي شيدته النخبة الحاكمة على وقع أحداث التسعينات بدأ يتداعى أمام إصرارهم على رفض استغبائها لهم، ووقوفها ضد إرادتهم في التغيير الديمقراطي السلمي الذي ينهي عقوداً من الحكم الشمولي. وبدأت معادلة الاستقرار في ظل الاستبداد تستنفد مبرّرات استمرارها، لا سيما بعد أحداث الربيع العربي التي نقلت السياسة إلى الشارع، وأعلنت إفلاس مؤسّسات التأطير والوساطة التقليدية. ولا مجازفة في الزعم بأن تقديم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعاني من جلطة دماغية منذ 2013، ترشيحه لولاية خامسة كان النقطة التي أفاضت الكأس، لما انطوى عليه ذلك من استخفافٍ دال بعقول الجزائريين، وتسفيهٍ لتطلعاتهم المشروعة نحو الحرية والديمقراطية، خصوصاً مع التحول الدالّ الذي تعرفه المعادلة السياسية الجزائرية، التي صارت أكثر ارتهاناً لتحالفٍ مشبوه بين السلطة والمال، مع ما يدل عليه ذلك من استشراء الفساد وتغلغله داخل مختلف مفاصل الدولة.
عوامل كثيرة أسهمت في هذا التحول، أهمها بروز جيل جديد من الشباب، لم يعايش مآسي الحرب الأهلية، ويتطلع إلى تجاوز حالة الإفلاس الاقتصادي والاجتماعي والسياسي التي تشهدها البلاد، من خلال تغيير سياسي حقيقي، هذا من دون أن نغفل الأزمة العميقة التي يواجهها النموذج العسكرتاري في المنطقة العربية، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري المعلوم في مصر.
لا تريد النخبة الحاكمة في الجزائر أن تعرف أن العالم تغير، وأن الشرعيات السياسية التي تتكئ على الموروث الوطني ومناهضة الاستعمار وصلت إلى سقفها، وبالتالي فإصرار هذه النخبة على الربط العضوي بين منصب الرئاسة والشرعية التاريخية المرتبطة بحرب التحرير، ليس إلا تغطية مكشوفة لشبكة المصالح المالية والاقتصادية الكبرى التي تتحكم بها.
إعلانُ شخصيات سياسية بارزة دعمها الحراك الحالي، وانسحابُ بعض المرشحين من سباق الانتخابات الرئاسية، والتصدّعُ البادي داخل بعض مواقع النظام بعد تعهّد بوتفليقة، في حال انتخابه رئيساً، بتنظيم انتخابات مبكرة والقيامِ بإصلاحاتٍ مؤسساتية ودستورية واقتصادية، ومطالبةُ قوى المعارضة بعزل بوتفليقة، وإعلانِ شغور منصب رئيس الجمهورية وتأجيل الاقتراع الرئاسي إلى إشعار آخر، ذلك كله من شأنه أن يربك حسابات النظام، ويزيد من عزلته، من دون أن ننسى الظرف الإقليمي الذي لا يبدو في صالحه، في ضوء مؤشراتٍ معظمها يصب في الأزمة التي يواجهها محور الثورة المضادة في المنطقة.
مؤكّد أن الكرة، الآن، في ملعب حكام الجزائر، فهم يدركون أن أي مناورةٍ ستكون مكلفة على الصعد كافة، فالبلاد باتت، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة لإصلاح سياسي واجتماعي شامل، لا يبدو أنهم قادرون على الانخراط فيه بكل مسؤولية، والاستجابة، بالتالي، لمطالب المحتجّين وتطلعاتهم.