06 نوفمبر 2024
الجزائر.. انتصار أم تحايل؟
جاء القرار المفاجئ للرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، المنتهية ولايته، بالتخلّي عن ترشحه لولاية خامسة، مثل انتصار مدوٍّ لمطالب الشعب الجزائري الذي تظاهر مئات الآلاف منه طوال الأسابيع الماضية، مطالبين رئيسهم المريض بعدم الترشّح مرة أخرى. ولذلك خرج الآلاف إلى شوارع المدن الجزائرية فرحين بالنصر الذي تحقّق، لكنه في الحقيقة مجرّد نصف انتصار، لأن القرارات التي جاءت مصاحبةً لقرار تخلي الرئيس عن ترشّحه لولاية خامسة، أفرغت هذا المطلب الشعبي من محتواه، وهو ما يدفع إلى طرح أسئلةٍ مشروعةٍ حول ما إذا كان القرار مجرد التفافٍ على مطالب المحتجين، من أجل ربح الوقت إلى حين تهدئة الشارع.
فالرسالة المنسوبة إلى الرئيس بوتفليقة، والتي حملت قرار تخليه عن الترشّح مرة أخرى، تضمنت قرارات أخرى، تفضح نية السلطة الحقيقية التي تسعى فقط إلى المراوغة وربح الوقت. أول هذه القرارات تأجيل الانتخابات، وبغض النظر عن النقاش الدستوري حول ما إذا كان يحق للرئيس أن يؤجل الانتخابات التي لا ينص الدستور الجزائري، صراحةً، على تأجيلها إلا في حالة حرب، فإن الغاية من هذا التأجيل تجعله باطلا، لأنه سيمدّد للرئيس الذي تنتهي ولايته الشرعية بتمام شهر أبريل/ نيسان المقبل. وفي هذا القرار تحايل واضح على مطالب الشارع الجزائري الذي رفض أولا ترشح الرئيس لولاية خامسة، ورفض اقتراحه بإجراء انتخاباتٍ يتولى فيها الرئاسة سنة قبل أن يتنازل عن السلطة. وبعدما قوبل مطلب التجديد بمظاهراتٍ غير مسبوقة في الجزائر، يريد فريق الرئيس التمديد له، لأن المهم بالنسبة لهم هو
بقاء الرئيس الحالي، بالتجديد أو التمديد، وفي هذا احتقارٌ صارخٌ لذكاء المتظاهرين.
القرار الثاني الذي يُبين أن لا شيء تغير تعيين وزير الداخلية في الحكومة المقالة رئيسا لوزراء الحكومة التي ستشرف على المرحلة الانتقالية طوال فترة التمديد التي لم تحدّد مدتها. والمفارقة أن رئيس الوزراء المعين هو الذي كان يشرف على وزارة الداخلية التي كانت تعد للانتخابات التي كان سيترشح فيها بوتفليقة لولاية خامسة. وهي الوزارة نفسها التي تتهمها أحزاب المعارضة الجزائرية بأنها زورت الانتخابات السابقة التي ترشّح فيها بوتفليقة لولاية رابعة، وهي الوزارة نفسها التي كانت تمنع التظاهر في الشارع، وتقيد حرية الصحافة والحريات العامة. بل وتنسب المعارضة الجزائرية إلى وزير الداخلية في الحكومة المنحلة، ورئيس الوزراء المعيّن، بأنه هو مهندس القانون الانتخابي الذي يسمح بتزوير الانتخابات بطرقٍ "قانونية".
أما القرار الثالث الذي تضمنته رسالة بوتفليقة، وينمّ عن وجود "سوء نية مسبق" لدى السلطة المتحكّمة في القرار في الجزائر، فهو وضع صلاحية تأسيس "اللجنة الانتخابية المستقلة للانتخابات"، وتحديد مهامها ومدة انتدابها وطريقة عملها، بيد الرئيس، من خلال نصّ تشريعي خاص، الرئيس هو الذي سيضعه. ومعلومٌ، أنه في الدول غير الديمقراطية، فإن الانتخابات غالبا ما تسخّر لتكريس الاستبداد، والدليل عدد "الدكتاتوريات المنتخبة" في العالم. فالانتخابات التي هي مجرّد آلية من آليات الديمقراطية، قد تتحوّل إلى آلةٍ لإعادة إنتاج النظام نفسه الذي خرج الشارع يطالب بإسقاطه.
ما حدث في الجزائر هو تكرار للسيناريو الذي شهدته عدة دول في فترة الربيع العربي، والمقارنة مع ما حدث في مصر تبدو قريبة، فإعلان تراجع بوتفليقة عن الترشح يكاد يشبه إعلان تنحّي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن الحكم عام 2011. وفي كلتا الدولتين فإن زمام الحكم الحقيقي بيد الجيش. وطوال الأسابيع الأربعة من تظاهرات الجزائريين، تأكد أن الرجل القوي في الجزائر هو الجنرال أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، الذي هدّد المحتجين، في بداية الحراك الجزائري، بالعودة بالبلاد إلى سنوات العشرية السوداء، قبل أن يعود إلى الحديث إن للشعب والجيش رؤية واحدة، وهو ما تم تفسيره بأنه تراجع للجيش عن تهديداته، وتم تأكيد ذلك في إعلان تخلي بوتفليقة عن التمسّك بالترشح لولاية جديدة.
لكن، هل فعلا تراجع الجيش عن لعب دور رئيسي في الحكم داخل الجزائر؟ كان لافتا للنظر
أن من بين الصور التي بثتها وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية للرئيس بوتفليقة، الذي ظل مختفيا عن الأنظار عدة أسابيع، مقاطع فيديو له وهو يستقبل قائد الجيش، قايد صالح، الذي كان الوحيد من بين من استقبلهم بوتفليقة، وقد بدأ يتلو عليه تقريراً مكتوباً، قالت وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية إنه تقرير أمني عن الأوضاع في الجزائر خلال الأسبوعين الماضيين اللذين كان فيهما الرئيس في رحلة علاجه في سويسرا.
الفترة المقبلة، وخصوصا بعد غد، يوم الجمعة الذي تعوّد الجزائريون النزول فيه إلى الشارع للتظاهر، سيكون حاسما لمعرفة رد فعل المحتجين الذين كانوا يطالبون بإسقاط النظام، على القرارات التي أعلن عنها بوتفليقة بهدف تهدئة الشارع، فالمتظاهرون كسبوا الجولة الأولى فقط في نزالهم مع السلطة، فإلى أي حد سيمنحهم نصرهم الحالي القوة على مواصلة المعركة التي تبدو أشواطها طويلة؟ أم أن السلطة العميقة في الجزائر، وعلى غرار دول الربيع العربي التي التفّت على مطالب شعوبها، ستنجح، هي الأخرى، في سرقة ثورة شعبها؟
لم يسقط النظام القديم في الجزائر، فهو ما زال قائما على الرغم من اهتزازه، وهو ما يدفع إلى التساؤل إن كان على الجزائريين إيقاف مظاهراتهم، أو الاستمرار في الضغط من أجل تغيير حقيقي.
القرار الثاني الذي يُبين أن لا شيء تغير تعيين وزير الداخلية في الحكومة المقالة رئيسا لوزراء الحكومة التي ستشرف على المرحلة الانتقالية طوال فترة التمديد التي لم تحدّد مدتها. والمفارقة أن رئيس الوزراء المعين هو الذي كان يشرف على وزارة الداخلية التي كانت تعد للانتخابات التي كان سيترشح فيها بوتفليقة لولاية خامسة. وهي الوزارة نفسها التي تتهمها أحزاب المعارضة الجزائرية بأنها زورت الانتخابات السابقة التي ترشّح فيها بوتفليقة لولاية رابعة، وهي الوزارة نفسها التي كانت تمنع التظاهر في الشارع، وتقيد حرية الصحافة والحريات العامة. بل وتنسب المعارضة الجزائرية إلى وزير الداخلية في الحكومة المنحلة، ورئيس الوزراء المعيّن، بأنه هو مهندس القانون الانتخابي الذي يسمح بتزوير الانتخابات بطرقٍ "قانونية".
أما القرار الثالث الذي تضمنته رسالة بوتفليقة، وينمّ عن وجود "سوء نية مسبق" لدى السلطة المتحكّمة في القرار في الجزائر، فهو وضع صلاحية تأسيس "اللجنة الانتخابية المستقلة للانتخابات"، وتحديد مهامها ومدة انتدابها وطريقة عملها، بيد الرئيس، من خلال نصّ تشريعي خاص، الرئيس هو الذي سيضعه. ومعلومٌ، أنه في الدول غير الديمقراطية، فإن الانتخابات غالبا ما تسخّر لتكريس الاستبداد، والدليل عدد "الدكتاتوريات المنتخبة" في العالم. فالانتخابات التي هي مجرّد آلية من آليات الديمقراطية، قد تتحوّل إلى آلةٍ لإعادة إنتاج النظام نفسه الذي خرج الشارع يطالب بإسقاطه.
ما حدث في الجزائر هو تكرار للسيناريو الذي شهدته عدة دول في فترة الربيع العربي، والمقارنة مع ما حدث في مصر تبدو قريبة، فإعلان تراجع بوتفليقة عن الترشح يكاد يشبه إعلان تنحّي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن الحكم عام 2011. وفي كلتا الدولتين فإن زمام الحكم الحقيقي بيد الجيش. وطوال الأسابيع الأربعة من تظاهرات الجزائريين، تأكد أن الرجل القوي في الجزائر هو الجنرال أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، الذي هدّد المحتجين، في بداية الحراك الجزائري، بالعودة بالبلاد إلى سنوات العشرية السوداء، قبل أن يعود إلى الحديث إن للشعب والجيش رؤية واحدة، وهو ما تم تفسيره بأنه تراجع للجيش عن تهديداته، وتم تأكيد ذلك في إعلان تخلي بوتفليقة عن التمسّك بالترشح لولاية جديدة.
لكن، هل فعلا تراجع الجيش عن لعب دور رئيسي في الحكم داخل الجزائر؟ كان لافتا للنظر
الفترة المقبلة، وخصوصا بعد غد، يوم الجمعة الذي تعوّد الجزائريون النزول فيه إلى الشارع للتظاهر، سيكون حاسما لمعرفة رد فعل المحتجين الذين كانوا يطالبون بإسقاط النظام، على القرارات التي أعلن عنها بوتفليقة بهدف تهدئة الشارع، فالمتظاهرون كسبوا الجولة الأولى فقط في نزالهم مع السلطة، فإلى أي حد سيمنحهم نصرهم الحالي القوة على مواصلة المعركة التي تبدو أشواطها طويلة؟ أم أن السلطة العميقة في الجزائر، وعلى غرار دول الربيع العربي التي التفّت على مطالب شعوبها، ستنجح، هي الأخرى، في سرقة ثورة شعبها؟
لم يسقط النظام القديم في الجزائر، فهو ما زال قائما على الرغم من اهتزازه، وهو ما يدفع إلى التساؤل إن كان على الجزائريين إيقاف مظاهراتهم، أو الاستمرار في الضغط من أجل تغيير حقيقي.