الجزائر: التيار الديمقراطي يغيب عن حراك رئاسيات 2019

08 اغسطس 2018
فقد هذا التيار أبرز رموزه مثل حسين آيت أحمد(Getty)
+ الخط -
مع تصدّر الأحزاب الإسلامية وأحزاب التيار الوطني المحافظ المشهد السياسي في الجزائر، وصناعة الأولى الحدث بقيادتها لحراك ومبادرات توافقية ذات صلة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وتنسيق الثانية مواقفها استعداداً لإعلان ترشيحها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، تغيب قوى التيار الديمقراطي عن المشهد، وتنكفئ باتجاه مواقف لا تضعها في خارطة الفاعلين في الرئاسيات المقبلة.

فلم تعلن قيادة "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، أبرز القوى الديمقراطية في الجزائر، عن موقفها بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن البيانات الأخيرة التي أصدرها الحزب حول اتهام السلطة بإغلاق اللعبة السياسية والتوجّه بالبلاد نحو الكارثة والانهيار، تعطي مؤشرات عن رفض "التجمّع" المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد آخر مشاركة له في انتخابات 2004، على الرغم من وجود دوافع لدى قيادات من الصف الثاني ترغب في أن يخوض رئيس الحزب الشاب محسن بلعباس، غمار الانتخابات الرئاسية، على الأقل بهدف الدفع بالحزب إلى قلب المشهد السياسي.

كذلك يقترب موقف "جبهة القوى الاشتراكية" من المقاطعة، إذ أعلن السكرتير الأول للحزب محمد حاج جيلاني، أن الجبهة، التي تُعدّ أقدم أحزاب المعارضة الجزائرية، غير معنية في الوقت الحالي بالانتخابات الرئاسية، وأن ما يعنيها هو محاولة دفع السلطة والقوى السياسية إلى تبنّي مبادرة الإجماع الوطني التي تطرحها الجبهة، والتي تتضمن إعادة تأسيس الدولة عبر تشكيل مجلس تأسيسي يعيد صياغة دستور توافقي. غير أن الجبهة التي تعاني من مشاكل تنظيمية داخلية بسبب خلافات بين القيادات دفعتها في مايو/أيار الماضي إلى عقد مؤتمر استثنائي، لا تملك مرشحاً قادراً على المنافسة في الرئاسيات.

وباستثناء "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية"، اختارت قوى ديمقراطية أخرى الانضمام إلى تكتلات سياسية متباينة في مواقفها، اذ أعلن حزب "جيل جديد" بقيادة جيلالي سفيان الانضمام إلى تكتل "مواطنة" الذي يضم 14 حزباً وشخصية مستقلة، ويدعو إلى قطع الطريق على ترشح الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. ويعتبر هذا التكتل الانتخابات بشكلها الحالي مسرحية سياسية لن يشارك فيها. فيما انضمت "الحركة الشعبية الجزائرية" بقيادة عمارة بن يونس، إلى تحالف يدعم ترشيح بوتفليقة مجدداً في 2019.

وفي ظل هذه المواقف، يطرح الكاتب والمحلل السياسي أحسن إخلاص، سؤالاً عميقاً عما إذا كان التيار الديمقراطي سيكون الغائب الأكبر عن الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة ربيع العام 2019. ويرى إخلاص أن "لا أحد من فعاليات التيار الديمقراطي أعطى في الوقت الحالي مؤشراً بشأن موقف واضح من المشاركة أو المقاطعة"، معتبراً أن "الانتخابات لا تزال في خانة اللاحدث بالنسبة للديمقراطيين، فالتجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية لا يزال يترقب تطورات الوضع، لا سيما موقف بوتفليقة من الترشح لولاية جديدة، بينما لا تزال جبهة القوى الاشتراكية منزوية في مقترح الإجماع الوطني وتبحث له عن قبول في المجتمع المدني من دون أن تخوض في موضوع الانتخابات الرئاسية أو المبادرة بأي مشاورات مع أطراف سياسية أخرى في هذا الشأن".

من جهته، يؤكد الكاتب السياسي محمد أيوانوغان، أن من الصعب في الظروف الحالية وقبل أقل من ستة أشهر، تحضير مرشح رئاسي، قائلاً إن "المعارضة الديمقراطية من دون مرشحين للرئاسة، والوقت متأخر لتحضير مرشح لانتخابات 2019 لأن ذلك كان يتطلب وقتاً أطول".
هذه المؤشرات تدفع إلى الاعتقاد أن التيار الديمقراطي في الجزائر لم يعد قادراً على المنافسة السياسية، في ظل غياب مرشحيه منذ انتخابات الرئاسة عام 2004 وضعف حضوره السياسي.


ويذهب متابعون إلى أن التيار الديمقراطي انتهى وجوده السياسي كفاعل رئيس في الساحة الجزائرية. لكن المحلل السياسي والناشط السابق في التيار الديمقراطي، إيدير دحماني، لا يوافق على القول بانتهاء التيار الديمقراطي، ويعتبر في المقابل أن ثمة ظروفاً "دفعت التيار الديمقراطي إلى حالة من التراجع في الوهج السياسي، مقارنة مع وضعه في العقود السابقة". ويفسر دحماني ذلك بعوامل وأسباب عدة، "أبرزها تمكّن البوتفليقية من التهام عدد من الأحزاب التي كان من الممكن أن تشكّل إضافة للمشهد السياسي، مثل حزب التجديد الجزائري الذي ترأسه نور الدين بوكروح، والتحالف الوطني الجمهوري الذي أسسه وترأسه الراحل رضا مالك، وتعويم الساحة السياسية بعشرات الأحزاب شبه الديمقراطية والتي لا قاعدة لها أصلاً ولا تملك مناضلين". ويضيف دحماني إلى ذلك ما يصفه "بعدم احترام الأحزاب التي تدّعي الديمقراطية لهذه القواعد داخل أحزابها، مثل حزب العمال الذي لم يغيّر رئيسه منذ تسعينيات القرن الماضي وهذا أمر خطير ومنافٍ للديمقراطية، وهو ما أدى إلى تراجع الخطاب والقاعدة الشعبية لبعض الأحزاب، مثل التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة القوى الاشتراكية".

ومنذ دخول الجزائر عهد التعددية السياسية في فبراير/شباط 1989، ظهر أن الساحة السياسية تتقاسمها ثلاث أسر سياسية، وطنية وإسلامية وديمقراطية، وشهدت فترة التسعينيات وحتى منتصف العام 2004، صراعاً حاداً بين هذه التيارات. وبالعودة إلى تشكّل التيار الديمقراطي في الجزائر منذ بداية التسعينيات، يعتبر الكاتب في الشأن السياسي، أحسن إخلاص، أن "التيار الديمقراطي في الجزائر نشأ تجميعاً لنخبة يسارية علمانية في الغالب، تضاف إليها النخبة التي ناضلت من أجل القضية الأمازيغية وفي مجال حقوق الإنسان خلال الثمانينيات من القرن الماضي، وانضمت إليهاً عَرَضاً نخب أخرى كانت ضمن النظام الحاكم من دون أن تشاطره كل توجّهاته الإيديولوجية"، مضيفاً أن هذا التيار "برز بعد فترة من الاحتكاك الصدامي بالتيار الأصولي من جهة، والإيديولوجية المحافظة لنظام الحزب الواحد وأجهزته القمعية من جهة أخرى".

أما الكاتب المتخصص في الشأن السياسي محمد أيوانوغان، فيطرح فكرة أخرى عن طبيعة التيار الديمقراطي "فقياساً بقواعده التقليدية، لم يتشكّل فعلياً في الجزائر حتى يمكن الحديث عن غياب الديمقراطيين، لأن الموجود فعلياً والذي كان يشغل الحيز الديمقراطي في الساحة السياسية هو التيار الأمازيغي الذي يدافع عن الديمقراطية، ولذلك كان سهلاً على السلطة عزله من خلال تسليط أشباه الديمقراطيين عليه باسم الوطنية، إضافة إلى التيار الإسلامي"، مشيراً إلى أن "تبنّي التيار الأمازيغي للديمقراطية هو الذي ساعده في الخروج من منطقة القبائل التي كانت السلطة تحصره فيها". ويذهب أيوانوغان إلى القول إن التقسيم الذي كان معمولاً به في الساحة السياسية في العقدين الماضيين، إلى ثلاثة تيارات، وطني محافظ وإسلامي وديمقراطي، انتهى مفعوله، مشيراً إلى أن تطور التجربة التعددية في الجزائر، "يفرض زوال هذا التقسيم ليفسح المجال لمنافسة سياسية على أساس برامج، لكن لا بد من ضمانات أن القواعد الديمقراطية ستُحترم من الجميع".

وخاض التيار الديمقراطي استحقاقات رئاسية ثلاث مرات، ففي انتخابات عام 1995 تقدّم زعيم "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية" سعيد سعدي لخوض غمار الانتخابات حينها وحل ثالثاً، وفي انتخابات عام 1999 قدّمت "جبهة القوى الاشتراكية" رئيسها حسين آيت أحمد في الانتخابات الرئاسية، والتي انسحب منها ستة مرشحين في يوم الانتخابات بداعي استغلال الإدارة والسلطة لوسائل الدولة لصالح المرشح حينها عبدالعزيز بوتفليقة. وفي انتخابات عام 2004، عاد زعيم "التجمّع" سعيد سعدي مجدداً للترشح، وكانت تلك الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي يقدّم فيها التيار الديمقراطي مرشحاً عنه للرئاسة.

والواضح اليوم أن التيار الديمقراطي الذي فَقَد أبرز رموزه السياسية في العقد الأخير، سواء بالرحيل مثل زعيم ومؤسس "جبهة القوى الاشتراكية" حسين آيت أحمد، أو التنحي لصالح الجيل الجديد كمؤسس "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية" سعيد سعدي، لم يتجاوز مشاكله داخل الأحزاب المشكّلة لهذا التيار، ولم يستطع إعادة إنتاج مواقف ورموز سياسية مؤثرة وقادرة على المنافسة في الرئاسة، وزادت الانقسامات الداخلية في إبعاد هذا التيار عن عمق المشهد السياسي، وعن استحقاقات مهمة كانتخابات الرئاسة.