الجزائر: إجراءات حكومية تجعل الحصول على سيارة قديمة "حلماً"

17 أكتوبر 2016
ارتفاع الدولار يتسبب في زيادة أسعار السيارات (Getty)
+ الخط -


دفعت الإجراءات الحكومية، التي اتخذتها الجزائر لتنظيم سوق السيارات، الأسعار نحو ارتفاع غير مسبوق، بشكل جعل من سعر السيارة القديمة حاليا يضاهي سعر الجديدة قبل عامين فقط، في حين علق البعض على هذا الواقع الجديد بالقول إن الحصول على سيارة قديمة صار حلماً.

وطرحت وزارة الصناعة الجزائرية، إجراءات لتنظيم سوق السيارات المستوردة، تضمّنت جملة من الشروط للحد من دخول المركبات في إطار محاولة للسيطرة على احتياطي النقد الأجنبي، في ظل تراجع الإيرادات بالانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ منتصف عام 2014.

وبلغت واردات الجزائر من السيارات في 2013، نحو 650 ألف مركبة، وهي ثاني سوق للسيارات في القارة الأفريقية بعد جنوب أفريقيا، في حين تراجعت الواردات إلى 53 ألف سيارة فقط، خلال الـ7 أشهر الأولى من 2016، بعد عامين من شروع الحكومة في إعادة تنظيم السوق.

وفاقت فاتورة استيراد السيارات في الجزائر في 2013، قيمة 6.5 مليارات دولار، في حين تراجعت بعد إقرار الإجراءات التنظيمية للسوق إلى 768 مليون دولار، خلال الـ7 أشهر الأولى من السنة الجارية، حسب أرقام ديوان الإحصائيات التابع للجمارك.

وبلغ إجمالي السيارات في الجزائر بنهاية 2015، نحو 5.6 ملايين سيارة، حسب آخر حصيلة لمركز الإحصائيات للجمارك نشرت في 9 سبتمبر/أيلول 2016، بزيادة قدرت بنحو 5% عن الفترة نفسها من 2014.

وسبق لوزير الصناعة الجزائري، عبد السلام بوشوارب، أن صرح في محافظة باتنة شرقي البلاد، شهر يونيو/حزيران الماضي، خلال تدشين وحدة لتركيب شاحنات "هيونداي" (علامة كورية جنوبية)، أنه على الجزائريين أن يفهموا أن زمن استيراد 650 ألف سيارة قد ولّى، وأن الحكومة مصممة على التوجه نحو التصنيع والتركيب المحلي للسيارات.

وتضاعفت هذه الظاهرة خلال الأشهر الماضية، فمن جهة المعروض من السيارات الجديدة صار شحيحا، ومن جهة أخرى بدأت أسعار النفط في هذه الفترة في الانهيار، ما أدى إلى سقوط حر لقيمة الدينار الجزائري مقابل الدولار (1 دولار أميركي يعادل 109 دنانير جزائرية) حاليا بعد أن كان أقل من 90 دينارا قبل عامين.

كما يعادل اليورو حاليا 121 دينارا، بعد أن كان في حدود 100 دينار قبل عامين، ما أثر بشكل مباشر على الأسعار والقدرة الشرائية بشكل عام.

وشهدت الجزائر، في الفترة الأخيرة، نقاشا كبيرا بسبب تصريحات متضاربة لوزيرين في الحكومة بخصوص العودة إلى استيراد السيارات المستعملة، التي لم يتعد تاريخ بداية سيرها ثلاث سنوات (أقل من 3 سنوات)، بشكل أعاد التفاؤل حول إمكانية انخفاض الأسعار، خاصة بالنسبة للسيارات القديمة لتوفر المعروض.

وصرح وزير التجارة، بختي بلعايب، في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، بأن الحكومة قررت العودة إلى استيراد السيارات المستعملة أقل من 3 سنوات، مشيرا إلى أن العملية ستتم وفق شروط واضحة تركز على سلامة هذه المركبات.

وأعادت تصريحات وزير التجارة، الأمل للجزائريين بانخفاض وشيك في أسعار السيارات القديمة، والتهبت مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة بعد الإعلان عن نية الحكومة السماح باستيرادها، خصوصا أن هذا الإجراء سيزيد من المعروض ويساهم في تراجع الأسعار.

ولم تمض إلا إيام قليلة حتى أدلى وزير الصناعة، عبد السلام بوشوارب، بتصريحات أبقت على الغموض بشأن هذا الملف، حيث قال، على هامش انعقاد المنتدى الدولي للطاقة في الجزائر، في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، إن "استيراد السيارات أقل من 3 سنوات سيكون حصريا للمتعاملين (الوكلاء الخاصين باستيراد السيارات)".

وعاد بوشوارب، بعدها بأسبوع، لينفي قطعيا عودة الحكومة لاستيراد السيارات المستعملة أقل من 3 سنوات؛ حيث قال خلال معرض دولي حول إعادة تدوير النفايات، في 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إنه "لن يكون هناك ترخيص لاستيراد هذا النوع من السيارات".

ويقول الوزير الجزائري السابق للاستشراف، بشير مصيطفى، إن أصل هذه الوضعية يرجع إلى مسعى السلطات لكبح نزيف البلاد من النقد الأجنبي، جراء تراجع أسعار النفط، بعد أن صارت مداخيل البلاد من العملة الصعبة لا تغطى الاستيراد.

وأعرب مصيطفى، الذي تولى وزارة الاستشراف في حكومة عبد المالك سلال في 2013، عن اعتقاده بأن الدولة نجحت في كبح نزيف النقد الأجنبي في استيراد المركبات، لكن الوكلاء (بائعي السيارات الجديدة) والزبائن هم بالمقابل من تكبد الخسائر، فالعديد من الوكلاء سرحوا العمال وتوقفوا عن النشاط، والمواطنون دفعوا سعر السيارة أغلى بـ30% على الأقل عما كان عليه.

وأشار إلى أن الإجراءات المتخذة من جانب الحكومة، أدت إلى ارتفاع أسعار السيارات الجديدة، وهذا الارتفاع أدى إلى تصاعد الطلب على السيارات القديمة، ما أسفر عن زيادة أسعارها بنحو 30% على الأقل، وصار سعر السيارة القديمة حالياً هو نفسه سعر الجديدة في 2013 وبداية 2014.

وتوقع أن تتدخل الحكومة مجددا لمراقبة سوق السيارات القديمة، وأن تفرض رسوما ضريبية وجبائية.

ومن جانبه، قال سفيان حسناوي، رئيس جمعية وكلاء السيارات (غير حكومية)، في تصريحات صحافية، يوم الثلاثاء الماضي، إن أسعار المركبات الجديدة سترتفع بنحو 20% خلال 2017، وأرجع ذلك إلى انخفاض محتمل لقيمة الدينار وارتفاع الأسعار أيضا لدى المصنّعين العالميين.

أما الصحافي حميد عباسن، المتخصص في سوق السيارات، فرأى أن سوق السيارات في الجزائر تحكمه قاعدة العرض والطلب، لافتا إلى أن ارتفاع أسعار المركبات القديمة جاء نتيجة عدم توفر سيارات جديدة لدى الوكلاء، الذين وجدوا أنفسهم ممنوعين من الاستيراد أو بحصص محددة، وهي أصلا لا تكفي طلبات الجزائريين.

ومن المنتظر أن تستمر الوضعية على حالها، كما قال عباسن لـ"الأناضول"، خصوصا إذا استمر نظام الحصص ورخص الاستيراد على حاله، وبالنظر كذلك إلى حداثة صناعة تجميع وتصنيع السيارات محلياً.

وأطلقت الجزائر مشاريع صناعية لتجميع عدة علامات من السيارات محليا، لكن كل المشاريع ما تزال في بداياتها الأولى، على غرار مصنع سيارة "رينو" الفرنسي في وهران (غرب)، و"فولكسفاغن" الألمانية في غيلزان (غرب)، والمنتظر إنجازه عام 2017، كما تجرى الحكومة مفاوضات مع مصنعين آخرين للاستثمار في البلاد.

وقال حسين زيموس، لـ"الأناضول"، وهو شاب يبلغ من العمر 33 سنة يعمل بناءً ومزخرفا للبلاط، من محافظة جيجل الساحلية شرق الجزائر، إنه بقي أكثر من 8 أشهر من دون سيارة، بعد أن باع مركبته مطلع العام الجاري، حيث لم يستطع شراء أخرى بسبب الأسعار التي تضاعفت.

وأشار حسين إلى أنه اضطر إلى العمل والكد طيلة 8 أشهر والتنقل عبر المواصلات العامة (الحافلات) لتوفير سعر سيارة "أكسنت هيونداي" قديمة تعود لسنة 2008 في أغسطس/آب الماضي، حيث وصل سعرها إلى مليون دينار (قرابة 9100 دولار)، في حين أن هذا المبلغ كان يكفي لاقتناء سيارة جديدة عامي 2013 و2014.

(الأناضول)

المساهمون