02 نوفمبر 2024
الثورة في المؤشّر العربي
صدر المؤشر العربي الذي ينجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للعام الخامس، وهو استطلاع سنوي يروم رصد اتجاهات الرأي العام العربي، نحو مجموعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وشمل استطلاع سنة 2016 من 12 بلدا عربيا 18310 مستجوبين، أُجريت معهم مقابلات شخصية وجاهية، شارك في تأمينها 840 باحثا. وهو ما يجعل منه أضخم مشروع مسحي في العالم العربي. وكانت الثورة من بين أهمّ الموضوعات التي استجلى المؤشر مواقف العرب منها، ورصد تقويمهم لها على مستويين: الأوّل متّصل بتبيّن رأيهم في حدث الربيع العربي، والثاني متعلّق بالوعي بوجهات نظرهم تجاه مآلات الثورات العربية. ففي المستوى الأوّل، أخبر معظم المواطنين العرب المستطلعة آراؤهم أنّ حركات الاحتجاج الشعبي التي شهدتها المنطقة سنة 2011 إيجابية (51 %) فيما عدّها (41 %) سلبية. وذهب مؤيّدو اندلاع حدث الثورة إلى أنها لم تكن ظاهرة اعتباطية، أو فعلا عفويا عابرا، بل كانت عملا تغييريا وسلوكا احتجاجيّا واعيا ومعبّرا، دالاّ على ضيق الناس بواقعهم وتطلّعهم إلى غد أفضل، فقد أفاد 42% بأنّهم ثاروا سنة2011 ضدّ الاستبداد والظلم، ومن أجل الديمقراطية والمساواة، وقال 25% إنّهم ثاروا ضدّ الفساد، ما يعني أنّ الثورة لم تكن مجرّد هوجة عابرة، أو مجرّد انفجار فوضوي محدود، بل كانت تحوّلا إدراكيا نوعيّا في فهم الجموع العربية الواقع المحيط بها، ووعيها بخطورة القمع وفداحة الدكتاتورية ومساوئ استشراء الفساد والمحاباة والمحسوبية، ما دفعها إلى الاحتجاج على الأنظمة القائمة والمطالبة بتغييرها. وبذلك، كانت الثورة نتيجة حراك داخلي، ووليدة تراكم أخطاء الدولة الشمولية تجاه مواطنيها، ولم تكن مؤامرة أو خيارا مسقطا من الخارج، كما تدعيه بعض وسائل الإعلام والأقلام الميّالة إلى القدح في الثورة، والتشكيك في التأييد الشعبي العارم الذي واكب اندلاعها.
أمّا المستوى الثاني من استحضار الثورة في المؤشر العربي فتعلّق باستجلاء مواقف المستجيبين من واقع الثورات العربية ومآلاتها، إذ انقسم الرأي العامّ في هذا الشأن ما بين متفائل ومتشائم؛ فأفاد ما نسبته 45% بأنّها تمرّ بمرحلة تعثّر، إلّا أنّها ستحقق أهدافها في نهاية المطاف، في مقابل 39% اعتبروا الربيع العربي قد انتهى، والأنظمة القديمة عادت إلى الحكم. ويُعدّ هذا تحوّلا لافتا للنظر، مقارنة باستطلاع 2014؛ إذ كان نحو ثلثَي الرأي العامّ العربي متفائلا بتحقيق الربيع العربي أهدافه. والواقع أنّ هذا التراجع في درجة التفاؤل مقابل ارتفاع منسوب الإحباط يفهم من منظور أنثروبولوجي بانعكاس صيرورة الثورات على مواقف المواطنين منها، فالثابت أنّ العرب كانوا يظنّون أنّ الربيع سيمتدّ في الزمان والمكان، وسيحدث نقلة جديدة في حياتهم نحو الحرّية والعدالة والكرامة والنزاهة والأمان والرفاه، لكنّ ما حصل عمليا لم يكن مستجيبا لأفق انتظارهم، بل جاء مخيّبا آمالهم ، فعلى الصعيد المعيشي ارتفعت الأسعار، وانحدر مستوى العملة المحلّية، وانتشرت البطالة، وتدهورت المقدرة الشرائية للمواطن، واستفحل الفساد بدل أن يتراجع، وتعثّر مسار العدالة الانتقالية، فساء حال المظلومين، وأفلت معظم الظالمين من العقاب، أو تمّت تبرئتهم لاحقا. وزاد الأمر قتامةً الانقلاب على الثورة في مصر بقوّة العسكر، وتحويلها إلى صراع دموي على السلطة في اليمن وليبيا، والعمل على تصفيتها في سورية عبر الاحتكام إلى البنادق والاستقواء بالأجنبي. فيما مازالت الثورة التونسية، على الرغم مما حققته من منجزات حقوقية/ سياسية مهمّة تكابد من أجل الخروج من الضائقة الاقتصادية. ومن ثمّة، بعثت هذه السيرورة المرتبكة للربيع العربي في النفوس إحساسا بشيء من الإحباط لا محالة . لكنّ ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أنّ الحراك الاحتجاجي قد حقّق مكاسب، أهمّها سقوط جدار الخوف، ونهاية أسطورة الحاكم الأبدي المعصوم، واتساع مجال الحرّيات، وعودة المواطن إلى الفعل في الشأن العامّ. وفي ظلّ عدم تقديم الدولة القامعة التي استولت على الثورة بدائل ناجعة تحسّن معاش الناس وأمنهم وتضمن حقوقهم، يبقى من غير المستبعد أن تستعيد الثورة عنفوانها، وتستفيد من عثراتها السابقة. ومن المهمّ، هنا، أن تمارس القوى الثورية الحيّة تجربة النقد الذاتي الموضوعي، وتنتقل من الارتجال والانفعالية إلى توخي الواقعية والعقلانية في فهم الراهن واستشراف المستقبل.
المؤشر العربي استطلاع راهني، متجدّد، دقيق، يواكب حركة الاجتماع العربي باستجلاء آراء عيّنة واسعة من المستجيبين، ما يجعله يقدّم رؤية كاشفة للرأي الجمعي العربي، مفيدة للباحثين والثائرين وأصحاب القرار على السواء.
أمّا المستوى الثاني من استحضار الثورة في المؤشر العربي فتعلّق باستجلاء مواقف المستجيبين من واقع الثورات العربية ومآلاتها، إذ انقسم الرأي العامّ في هذا الشأن ما بين متفائل ومتشائم؛ فأفاد ما نسبته 45% بأنّها تمرّ بمرحلة تعثّر، إلّا أنّها ستحقق أهدافها في نهاية المطاف، في مقابل 39% اعتبروا الربيع العربي قد انتهى، والأنظمة القديمة عادت إلى الحكم. ويُعدّ هذا تحوّلا لافتا للنظر، مقارنة باستطلاع 2014؛ إذ كان نحو ثلثَي الرأي العامّ العربي متفائلا بتحقيق الربيع العربي أهدافه. والواقع أنّ هذا التراجع في درجة التفاؤل مقابل ارتفاع منسوب الإحباط يفهم من منظور أنثروبولوجي بانعكاس صيرورة الثورات على مواقف المواطنين منها، فالثابت أنّ العرب كانوا يظنّون أنّ الربيع سيمتدّ في الزمان والمكان، وسيحدث نقلة جديدة في حياتهم نحو الحرّية والعدالة والكرامة والنزاهة والأمان والرفاه، لكنّ ما حصل عمليا لم يكن مستجيبا لأفق انتظارهم، بل جاء مخيّبا آمالهم ، فعلى الصعيد المعيشي ارتفعت الأسعار، وانحدر مستوى العملة المحلّية، وانتشرت البطالة، وتدهورت المقدرة الشرائية للمواطن، واستفحل الفساد بدل أن يتراجع، وتعثّر مسار العدالة الانتقالية، فساء حال المظلومين، وأفلت معظم الظالمين من العقاب، أو تمّت تبرئتهم لاحقا. وزاد الأمر قتامةً الانقلاب على الثورة في مصر بقوّة العسكر، وتحويلها إلى صراع دموي على السلطة في اليمن وليبيا، والعمل على تصفيتها في سورية عبر الاحتكام إلى البنادق والاستقواء بالأجنبي. فيما مازالت الثورة التونسية، على الرغم مما حققته من منجزات حقوقية/ سياسية مهمّة تكابد من أجل الخروج من الضائقة الاقتصادية. ومن ثمّة، بعثت هذه السيرورة المرتبكة للربيع العربي في النفوس إحساسا بشيء من الإحباط لا محالة . لكنّ ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أنّ الحراك الاحتجاجي قد حقّق مكاسب، أهمّها سقوط جدار الخوف، ونهاية أسطورة الحاكم الأبدي المعصوم، واتساع مجال الحرّيات، وعودة المواطن إلى الفعل في الشأن العامّ. وفي ظلّ عدم تقديم الدولة القامعة التي استولت على الثورة بدائل ناجعة تحسّن معاش الناس وأمنهم وتضمن حقوقهم، يبقى من غير المستبعد أن تستعيد الثورة عنفوانها، وتستفيد من عثراتها السابقة. ومن المهمّ، هنا، أن تمارس القوى الثورية الحيّة تجربة النقد الذاتي الموضوعي، وتنتقل من الارتجال والانفعالية إلى توخي الواقعية والعقلانية في فهم الراهن واستشراف المستقبل.
المؤشر العربي استطلاع راهني، متجدّد، دقيق، يواكب حركة الاجتماع العربي باستجلاء آراء عيّنة واسعة من المستجيبين، ما يجعله يقدّم رؤية كاشفة للرأي الجمعي العربي، مفيدة للباحثين والثائرين وأصحاب القرار على السواء.