الثوب الفلسطيني المُطرّز: النساء حين يتّشحن بالحياة

09 يناير 2019
لكل مدينة فلسطينية ثوبها الخاص (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
ترتدي أم أحمد أبو مذكور ثوباً فلسطينياً مضى عليه أكثر من 33 عاماً. تحتفظ به منذ حفل زفافها آنذاك. ظهورٌ تريد من خلاله الإشارة إلى عملها في تطريز الأثواب الفلسطينية والذي شغلته منذ سنوات لجهة محاولة الحفاظ على تراث بلادها وتاريخها الممتد رغم محاولات الطمس الإسرائيلية.
في ركن خاص داخل منزلها غرب مدينة غزة، تستعرض أبو مذكور أعمالها المطرزة يدوياً وتقول إنها "جميعها تُجسد التراث الفلسطيني والهوية الوطنية التي لا تموت مهما تعاقبت الأجيال، فقيمتها تظل وتُورث من جيل إلى جيل، ومن يرتدي هذا الثوب يتباهى بهويته أمام العالم".
أبو مذكور تعمل في تطريز الأثواب الفلسطينية منذ أربع سنوات. وجدت من وقت فراغها فرصة لتتفرغ لهذه الأعمال التي باتت مع مرور الوقت مصدر دخل لها ولمجموعة من العاملات معها. لكن مشروعها تراجع في الفترة الأخيرة بفعل الأزمات الاقتصادية بقطاع غزة.
المطرزات التي تُحب أبو مذكور إنجازها وتفتخر بهويتها الفلسطينية، تصدعت بالأزمات الاقتصادية، فبعدما بدأت مشروعها في بداية الأمر وشغّلت نحو خمسين عاملة معها، وصل بها الحال للعمل وحيدةً وبشكل منفرد خلال هذه الفترة، وتُرجع ذلك إلى الوضع الاقتصادي وغزو المنتج الصيني الأسواق الغزّية.
ترى أبو مذكور أن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة لا يشجع سكانه على شراء الملابس التراثية المطرزة يدوياً، وربما يستبدل بعضهم ذلك بشراء الأثواب الفلسطينية المستوردة من الخارج، لأسعارها الرخيصة مقارنة بجودة وتكلفة تلك المطرزة يدوياً.



التطريز اليدوي تعتبره أبو مذكور مرهقاً إلى حد كبير ويتطلب منها الكثير من الجهد لإنجاز ثوب واحد؛ إذ يحتاج إنجازه إلى مدة لا تقل عن شهر، وكذلك يتطلب عناية وخبرة في العمل والتطريز، بحيث تكون النقلة بين الغرزة والأخرى متقاربة جداً، لتجهيزه بالشكل الذي يطلبه الزبون غالباً.
وحول ما يميز الثوب الفلسطيني، تقول لـ"العربي الجديد" إن التطريز الفلاحي واللون الأحمر غالباً ما يسيطران على هذه المطرزات، كذلك هناك أثواب تختلف في تفصيلها من مدينة فلسطينية إلى أخرى، وتتميز في نوعية القماش والحرير والتفصيل.
لا يقتصر عمل أبو مذكور على تطريز الأثواب الفلسطينية فقط، بل يتعداه إلى تطريز ما يلزم من أثاث وجدران وإكسسوارات وصولاً إلى ملابس تتعلق بفئات عمرية مختلفة، وجميعها تحمل الهدف نفسه، الحفاظ على التراث والهوية.
ولطالما كان الثوب الفلسطيني يُميز سكان البلاد المحتلة، منذ سنوات ما قبل النكبة عام 1948، حين اعتبر تطريزه حرفة تقليدية امتهنتها النساء في ذلك الوقت، ومع مرور السنوات بدأن يطوّرن نوعية التطريز ويواكبون اختلاف ثقافات المدن الفلسطينية وعادات السكان فيها.
الحاجة أم نبيل تحفظ شيئاً مما يميز الأثواب الفلسطينية عن بعضها، وتقول إن هناك توسعاً في شكل التصاميم لهذه المطرزات والتي تختلف من بلدٍ لآخر، وعن أنواعه تقول إن هناك الثوب المجدلاوي الذي يكون مقلماً ومصنوعاً من قماش الحرير المخطط طولياً وهناك السبعاوي الذي يخص سكان بئر السبع والذي يغلب عليه اللون الأحمر.
وعن ثوب سكان غزة، تقول أم نبيل لـ"العربي الجديد" إن ما يميزه هو نقوشه الهندسية وشكل التطريز فيه والمصنوع غالباً من القطن والكتان والحرير، وهو تصميم معروف باسم "ثوب الجنة والنار". بينما هناك أثواب وتصاميم عديدة تختلف وفقاً للعادات والجغرافية، حتى إن الفلسطينيين قد عرفوا أثواباً تميز العروس عن الأرملة، على سبيل المثال.
وسعى الفلسطينيون على مدار تاريخهم لإظهار تنوعهم الثقافي، وجسّدوا ذلك في مطرزاتهم اليدوية، فاختلاف الشكل والتصميم واللون ليس من فراغ، بل هو توثيق لحالة التجذر الفلسطيني ووجود الشعب على أرضه وإن كان الاحتلال قد سلب معظمها.
وشهدت الأيام الأخيرة حملة واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تجسدت في تغريد مئات النساء والفتيات الفلسطينيات بصورهن مرتديات الثوب التراثي دعماً للأميركية الفلسطينية رشيدة طليب والتي أدت القسم في الكونغرس الأميركي بالزي الفلسطيني، في إشارة منها إلى العالم عن هويتها الوطنية والتراثية.
المشهد الحاصل أخيراً، يؤكد أن الثوب الفلسطيني كواحد من أشكال الحفاظ على الهوية الثقافية، ما زال حاضراً كشاهدٍ على تجذر الشعب بأرضه واحتفاظه بعاداته وتقاليده التي حاول وما زال الاحتلال طمسها ومحوها بكل السبل المتاحة في سبيل إنكار الحق لأصحابه.

وقامت إسرائيل في العقود الأخيرة بتسجيل أثواب فلسطينية باسمها مثل ثوب عروس بيت لحم المعروف باسم "ثوب الملك" وهو من أجمل الأثواب الفلسطينية وعليه قطع فضية وذهبية ومرصع بالمرجان، كما سرقت الكوفية، حتى أن شركة الطيران الإسرائيلية (العال) قد سرقت الثوب الفلاحي الفلسطيني وألبسته لموظفات الشركة كثوبٍ تزعم فيه أنه إسرائيلي الهوية، وفقاً لموسوعة "ويكيبيديا".
دلالات
المساهمون