04 ديسمبر 2017
الثمن العربي للجاري في السعودية
ناصر ناصر
كاتب فلسطيني أسير، ماجستير دراسات إقليمية، جامعة القدس أبو ديس وماجستير دراسات الديموقراطية من الجامعة الإسرائيلية المفتوحة.
على الرغم من العلاقة التاريخية والقوية بين السعودية وأميركا، والقائمة على النفط ومحاربة الإرهاب، إلا أن تطورات الساحة الداخلية السعودية أخيرا تفرض سؤالا مهما ومشروعا: ما هو الثمن الذي دفعته السعودية، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، في مقابل الدعم الأميركي الواضح، والمتمثل باتصالات متعدّدة من الرئيس دونالد ترامب، للحملة الأمنية غير المسبوقة ضد من تعاونوا أمس مع نظرائهم في الإدارات والمؤسسات الأميركية، باعتبارهم ممثلين للسياسة السعودية، من أمراء ووزراء وشخصيات كبيرة من العائلة الحاكمة ومن خارجها، ويُعتقد أنهم يعارضون تولي محمد بن سلمان العرش بعد والده، وتم اعتقالهم بذرائع الفساد.
ولأن السياسة الدولية لا تعرف "الوجبات المجانية" كما يقال، ولأن ترامب رجل أعمال وصفقات، لا بد من افتراض أن الثمن الذي دفعه رجل السعودية الأقوى حاليا، محمد بن سلمان، يتعلق بتحقيق مطالب السياسة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، من خلال تحقيق حد أعلى وأكبر من ذي قبل، من مصالحها وأهدافها، والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة أمور: مواجهة "الخطر الإيراني" المتزايد، وتحديدا في الساحتين السورية واللبنانية، في مرحلة ما بعد "داعش"، وفشل السياسة السعودية الخارجية في المنطقة. تقديم مزيد من التنازلات في عملية سلام الشرق الأوسط، خصوصا فيما يتعلق بالمبادرة العربية للسلام. طلب ترامب من السعودية، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، استصدار سندات بقيمة مائة مليار دولار تقريبا في بورصة نيويورك، وهي أكبر عملية إصدار في العالم، وتبيع من خلالها السعودية قرابة 5% من شركة أرامكو.
ولأنها بهذا الحجم والنوعية، ولأنها في دولة محورية كالسعودية، فإن خبراء ومختصين يقولون إن الحملة الأمنية الجارية لا يمكن أن تتم إلا بتنسيق مسبق مع إدارة ترامب وأذرعها الأمنية،
ما يعني أن الأمر كان مبيّتا، وأن الأثمان سابقة الذكر قد دفعت من الناحية النظرية، فهل ما يجري من تطورات، خصوصا التصعيد الخطير في خطاب السعودية تجاه حزب الله وإيران، واعتبار لبنان وحزب الله عدوين للمملكة، بعد رفع الغطاء السعودي عن لبنان، من خلال ما يعتبره كثيرون إجبارا لرئيس الحكومة، سعد الدين الحريري، على الاستقالة، فهل يعتبر هذا مقدمةً ضروريةً لما يفترض أنه صفقة سعودية وأميركية إسرائيلية، تتلخص في تمكين محمد بن سلمان من خلافة العرش في مقابل رفع درجة التعاون بين السعودية وإسرائيل في قضايا المنطقة؟ ومن المعقول الافتراض أن التعاون قد يصل إلى درجة تشكيل جبهة من الداخل اللبناني، ومدعومة دوليا، لإيجاد قوة مؤثرة في مقابل قوة حزب الله، ما يُحدث توازنا قويا جديدا في الساحة اللبنانية، ويفتح الاحتمالات على مصراعيها من حرب استنزافٍ مع الحزب إلى تفاهمات معينةٍ مع الدولة اللبنانية، تضمن الحد من نفوذ إيران وحزب الله في لبنان. وهذا هو المفضل لدى إسرائيل، كما ذكره رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الجنرال احتياط غيورا إيلند، في "يديعوت أحرنوت" (7/11)، حيث اقترح تركيز الضغط على الرئيس ميشال عون، وعلى البرلمان اللبناني، لكي يلتزموا بثلاثة أمور: انسحاب القوات الإيرانية من لبنان، وأن يلتزم حزب الله بعدم العمل إلا وفق توجيهات الحكومة اللبنانية الشرعية، وأن تلتزم الحكومة اللبنانية بضمان أمن الحدود مع إسرائيل.
الثمن الثاني الذي دفعه محمد بن سلمان للإدارة الأميركية يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو مساعد لهدف مواجهة إيران، في المنطقة السورية اللبنانية تحديدا. فمن المرجح، وفي حالة عدم النجاح في إقناع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالدخول في عملية مفاوضاتٍ، لا تضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، بحسب ما نشر في بعض وسائل الإعلام من بلورة خطة أميركية، أساسها تجميد الاستيطان، وتسهيلات على المعابر، واعتراف أميركي بدولة فلسطينية على الورق فقط، في مقابل التطبيع مع العرب، الأمر الذي لن يقبله عباس على الأرجح، فعلى الأقل، هو مطالَب سعوديا وإقليميا بأن يعمل على تهدئة الأوضاع في هذه المرحلة، من خلال وضع حساباته الفلسطينية الداخلية جانبا، وعدم التردّد والتلكؤ في عملية المصالحة بناءً على ما ظهر منه أخيرا، ولما يحمله ذلك من مخاطر أمنية على إسرائيل والمنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن من غير المستبعد أن يكون هذا هو موضوع زيارة عباس أخيرا السعودية.
ما سبق يعني أنه، ومرة أخرى، سيدفع العرب ثمنا إضافيا ومؤلما (يبدو أنه لن يكون أخيرا)، من طاقاتهم ومواردهم وقضاياهم العادلة، وفي مقدمتها فلسطين ولبنان، وذلك من خلال التعاطي (الإيجابي) مع مطالب السياسة الأميركية الصهيونية وأغراضها في المنطقة، من أجل أن تضمن فئةٌ قليلة من الحكام مصالحها الخاصة في الحفاظ على كرسي الحكم، أو السيطرة عليه.
ولأن السياسة الدولية لا تعرف "الوجبات المجانية" كما يقال، ولأن ترامب رجل أعمال وصفقات، لا بد من افتراض أن الثمن الذي دفعه رجل السعودية الأقوى حاليا، محمد بن سلمان، يتعلق بتحقيق مطالب السياسة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، من خلال تحقيق حد أعلى وأكبر من ذي قبل، من مصالحها وأهدافها، والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة أمور: مواجهة "الخطر الإيراني" المتزايد، وتحديدا في الساحتين السورية واللبنانية، في مرحلة ما بعد "داعش"، وفشل السياسة السعودية الخارجية في المنطقة. تقديم مزيد من التنازلات في عملية سلام الشرق الأوسط، خصوصا فيما يتعلق بالمبادرة العربية للسلام. طلب ترامب من السعودية، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، استصدار سندات بقيمة مائة مليار دولار تقريبا في بورصة نيويورك، وهي أكبر عملية إصدار في العالم، وتبيع من خلالها السعودية قرابة 5% من شركة أرامكو.
ولأنها بهذا الحجم والنوعية، ولأنها في دولة محورية كالسعودية، فإن خبراء ومختصين يقولون إن الحملة الأمنية الجارية لا يمكن أن تتم إلا بتنسيق مسبق مع إدارة ترامب وأذرعها الأمنية،
الثمن الثاني الذي دفعه محمد بن سلمان للإدارة الأميركية يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو مساعد لهدف مواجهة إيران، في المنطقة السورية اللبنانية تحديدا. فمن المرجح، وفي حالة عدم النجاح في إقناع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالدخول في عملية مفاوضاتٍ، لا تضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، بحسب ما نشر في بعض وسائل الإعلام من بلورة خطة أميركية، أساسها تجميد الاستيطان، وتسهيلات على المعابر، واعتراف أميركي بدولة فلسطينية على الورق فقط، في مقابل التطبيع مع العرب، الأمر الذي لن يقبله عباس على الأرجح، فعلى الأقل، هو مطالَب سعوديا وإقليميا بأن يعمل على تهدئة الأوضاع في هذه المرحلة، من خلال وضع حساباته الفلسطينية الداخلية جانبا، وعدم التردّد والتلكؤ في عملية المصالحة بناءً على ما ظهر منه أخيرا، ولما يحمله ذلك من مخاطر أمنية على إسرائيل والمنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن من غير المستبعد أن يكون هذا هو موضوع زيارة عباس أخيرا السعودية.
ما سبق يعني أنه، ومرة أخرى، سيدفع العرب ثمنا إضافيا ومؤلما (يبدو أنه لن يكون أخيرا)، من طاقاتهم ومواردهم وقضاياهم العادلة، وفي مقدمتها فلسطين ولبنان، وذلك من خلال التعاطي (الإيجابي) مع مطالب السياسة الأميركية الصهيونية وأغراضها في المنطقة، من أجل أن تضمن فئةٌ قليلة من الحكام مصالحها الخاصة في الحفاظ على كرسي الحكم، أو السيطرة عليه.
ناصر ناصر
كاتب فلسطيني أسير، ماجستير دراسات إقليمية، جامعة القدس أبو ديس وماجستير دراسات الديموقراطية من الجامعة الإسرائيلية المفتوحة.
ناصر ناصر