التيار السلفي الجهادي بوابة اختراق "داعش" للأردن

14 اغسطس 2014
جيل سلفي قديم مع "النصرة" وجديد مع "داعش"(فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لم تسجل الحدود الأردنية العراقية، المدججة بالسلاح والجنود في الجانب الأردني، حتى اليوم، أي محاولة اختراق لعناصر تنظيم "داعش"، رغم أن التنظيم أدرج المملكة ضمن حدود دولته المستقبلية. ويستبعد باحثون في شؤون الجماعات الإسلامية ومصادر عسكرية، حدوث مثل هذه الاختراقات. التنظيم المنشغل بتثبيت دولة "الخلافة الإسلامية" التي أعلنها ونصّب زعيمه أبو بكر البغدادي خليفة لها، والمستنزف في معارك على جبهات عدة، يُدرك استحالة غزو مملكة لا تتوفر فيها بيئة حاضنه لوجوده، إذ لا صراعات أو انقسامات طائفية ومذهبية فيه. وهي أيضاً ليست بالمملكة الرخوة، كما يرى الباحثان في شؤون الجماعات الإسلامية مروان شحادة، وحسن أبو هنية. ويزيد في الطمأنينة أن "غزواً داعشياً" للمملكة لن يحدث، بعد تأكيد مصدر عسكري جاهزية القوات المسلحة الأردنية للتصدي لأي اختراق على الواجهة الشرقية.

ويقول المصدر لـ "العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، "سنرد بقوة على أي محاولة لاختراقنا من قبل التنظيم"، مشيراً إلى أن القوات المسلحة عززت وجودها على طول الحدود مدعّمة بالدبابات والآليات العسكرية وراجمات الصواريخ، والطائرات العامودية. هذه المعطيات تجعل غزو "الدولة الإسلامية" للأردن عبر الطرق العسكرية التقليدية، احتمالاً مستحيلاً، بل ويكاد يكون احتمالاً معدوماً، غير أن بريق التنظيم والخلافة التي أعلنها، سَحَر آلاف الأردنيين من أتباع التيار السلفي الجهادي. وهو ما يفتح باب المخاوف من احتمالات لمحاولات من داخل المملكة لخلق البيئة المناسبة لإلحاق الأردن بالدولة مستقبلاً؛ فمنذ اليوم الأول لإعلان "داعش" في يونيو/حزيران دولة الخلافة الإسلامية، انفجر خلاف، لم ينقطع حتى اللحظة، داخل صفوف التيار السلفي الجهادي في الأردن، ليجد أتباعه أنفسهم أمام مفترق طريق، بين الالتحاق بـ"داعش"، أو البقاء مع "جبهة النصرة".

التيار السلفي الجهادي في الأردن، الذي تُقدّر جهات أمنية تعداده بنحو عشرة آلاف شخص، بقي منتمياً قبل هذا الخلاف الدائر، إلى تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن، ومن بعده أيمن الظواهري. وترجم ذلك الانتماء بالتحاق أكثر من ألفي شخص من عناصره للقتال في صفوف "النصرة" في سورية ضد النظام السوري، حسب ما يُحصي القيادي في التيار، محمد الشلبي الملقب بـ"أبو سياف". ويقرّ مصدر في التيار، لـ"العربي الجديد"، بوجود خلاف وصفه بـ"الكبير"، مؤكداً محاولة التيار الحثيثة لتطويقه عبر تواصل يومي مع المختلفين، للتحكيم بينهم بالحجة والبراهين الشرعية. ويُلمح المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى ترجيح كفة مؤيدي "داعش". أمر يرجعه إلى رفضهم البراهين الشرعية لغياب العلماء الشرعيين عنهم، وجنوحهم إلى الاستعراض في إعلان البيعة.

ويعبّر المصدر عن تخوفه من خروج المبايعين لـ"داعش" عمّا أقرّه التيار منذ زمن، باعتبار الأردن "دار دعوة" لا "دار جهاد". ويرجّح في حال حدوث ذلك، إقدامهم على تنفيذ نشاطات داخل الأردن بتعليمات من "الدولة الإسلامية". وكانت مجموعة من أتباع التيار السلفي الجهادي في مدينة معان (216 كيلومتراً جنوب عمّان)، قد سارعت إلى الخروج بمسيرة تأييد لتنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد أيام من إعلانه الخلافة. مسيرة قلّل مسؤولون من أهميتها على اعتبارها ظاهرة منفردة لن تتكرر، غير أنها تكررت بالفعل في محافظة الزرقاء (20 كيلومتراً شمال شرق عمّان)، في 28 يوليو/ تموز، عندما خرجت مسيرة عقب صلاة عيد الفطر تعلن التأييد للتنظيم وتبايع أبو بكر البغدادي خليفةً للمسلمين، في حدث يرجح تكراره مستقبلاً.

مسيرتا معان والزرقاء، شكلتا خروجاً عنيفاً لعناصر التنظيم على فتاوى أهم منظرّين للتيار على مستوى العالم، الأردنيَّين عصام البرقاوي الملقب بـ "أبو محمد المقدسي"، وعمر محمود عثمان الملقب بـ "أبو قتادة"، اللذين أبطلا خلافة "داعش"، وحذرا المسلمين من الاستجابة إلى دعوات التنظيم وتقديم البيعة للبغدادي، فيما يجد الخارجون على "المنظرَّين"، في آراء الزعيم السلفي أبو محمد الطحاوي، حجة لهم. وأعلن الطحاوي، المعروف بتشدده، في رسالة سرّبها قبل أيام من خلف قضبان سجنه الأردني، مباركته لـ"فتوحات العراق" والتي أطلق عليها "قادسية البغدادي".

ويقدّر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، مروان شحادة، أن أكثر من 70 في المائة من أبناء التيار السلفي الجهادي في الأردن حسموا أمرهم وبايعوا "داعش". الأمر الذي يرجعه في حديث لـ"العربي الجديد" إلى طبيعة النفس البشرية التي تنحاز لمن يحقق الانتصارات على الأرض. ويؤكد شحادة أن تلك البيعة جاءت ترجمة للتشدد ومن دون سند شرعي، مشيراً إلى ان غالبية المبايعين ليسوا من قيادات التيار الرئيسية، أو من فقهائه ومنظّريه.

ويرى شحادة أن البيعة للدولة الإسلامية لن تكون للأبد، مرجحاً عودة غالبية المبايعين إلى مواقعهم السابقة. من جهته، يرصد الخبير في شؤون التيار السلفي الجهادي، حسن أبو هنية، انحيازاً من قبل الجيل القديم لجبهة النصرة، فيما ينحاز الجيل الجديد لتنظيم "الدولة الإسلامية". ويؤكد أبو هنية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تنظيم "داعش"، ذو الطبيعة التوسعية، بات أكثر قوة من جبهة النصرة، لكن تلك القوى التي يعبّر عنها في العراق أو سورية، لا تمكّنه، بحسب أبو هنية، من التوسع على حساب الأردن الذي يقع "خارج الصدع الطائفي الذي تقع فيه سورية والعراق ولبنان، والذي يوفّر بيئة لنشاط التنظيم غير متوفرة في الأردن" على حد تعبيره.

محاولات التقليل من أثر إنتاج تنظيم "داعش" أردني، على غرار التنظيم الأم في العراق، على مستقبل المملكة، لا يقلل من المخاوف، إذ كشفت دارسة عرضها الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، مراد بطل الشيشاني، خلال مؤتمر عقد في عمّان نهاية يونيو/ حزيران الماضي، عن تمركز 73 في المائة من أتباع التيار السلفي في المناطق الفقيرة داخل العاصمة وخارجها، فيما بلغت نسبة تمركزهم في المناطق الغنية 27 في المائة. هي دراسة مخيفة في ظل ما يعيشه سكان المناطق الفقيرة من ظروف صعبة وتهميش ينعكس عنفاً في سلوكهم.