التونسي عمر الفطناسي لا يهاب السرطان لكنّه خائف على عائلته

03 مايو 2019
حياة شقاء زادها المرض ألماً (العربي الجديد)
+ الخط -

عمد الشاب التونسي عمر الفطناسي، المصاب بسرطان الدم، إلى الاعتصام للمطالبة بمنحه رخصة كشك للمواد الغذائية. هو يعمل اليوم على الرغم من مرضه الذي تقدمت حالته، ولا يخشى المرض، لكنّه يخاف على عائلته، خصوصاً طفليه، من بعده.

يخضع عمر الفطناسي (38 عاماً) إلى العلاج الكيميائي بسبب إصابته بسرطان الدم في مرحلة متقدمة جداً، بعدما طاول المرض الكبد، لكنّه لم يتوقف عن العمل الشاق، متجاهلاً بذلك نصيحة الأطباء الذين طلبوا منه عدم إجهاد نفسه، بل الخضوع للراحة، فهو مضطر لكسب قوت أسرته. لا يخشى عمر الموت بقدر ما يشغله مصير طفليه ووالديه المسنين والمريضين من بعده، خصوصاً أنّ جراية (راتب تقاعدي) والده المسن بسيطة لا تتعدى 220 ديناراً (نحو 70 دولاراً) وهي لا تفي بعلاج والدته التي تعاني ارتفاعاً في ضغط الدم وكذلك داءَ السكّري الذي أتعبها كثيراً واضطرت إلى بتر أصابعها. يقول إنّه يقطن وعائلته، مع والديه المسنين في المنزل نفسه، وبالرغم من وضعه الصحي الدقيق فهو مجبر على العمل للإنفاق على زوجته العاطلة من العمل وطفليه ووالديه.

يستيقظ عمر منذ السادسة صباحاً لجمع الخردة المعدنية والنفايات البلاستيكية والأثاث المستعمل وأيّ مستلزمات يلقيها البعض. وهكذا يعرّض نفسه لخطر التلوث والجراثيم التي قد تؤدي إلى تدهور وضعه أكثر. ينبش بيديه المرتعشتين أكوام النفايات ويجمع من بين الأكوام ما يمكن أن يصلح للبيع، وبعد ساعات مضنية من البحث وقطع كيلومترات عديدة يكون العمل مجدياً أحياناً، وفي حالات كثيرة لا يغنم من بحثه ورحلته المتعبة شيئاً، فيعود خائباً إلى بيته. إذا ما حالفه الحظ فإنّ الرحلة لا تنتهي هنا، بل يتولى تنظيف وصقل ما جمع، وفرزه، ثم بيعه في أحد الأسواق الشعبية بمحافظة منوبة. هناك، يقف عدة ساعات في مفترق الطريق بين دخان الشاحنات وغبار الطريق، وسط ضوضاء المكان وصراخ الباعة المتجولين، فينتظر مشترياً لبضاعته، وقد يبقى على هذه الحال عدة ساعات، وأحياناً حتى غروب الشمس. همّه الوحيد الحصول على بعض الدنانير التي تمكّنه من اقتناء بعض المواد الغذائية لأسرته.



ما يشغل تفكير عمر أكثر من أيّ شيء، ابنه البالغ من العمر 6 سنوات والذي يدرس في السنة الابتدائية الأولى، وابنته التي لم تتجاوز 4 سنوات، فلا أحد سيعمل من أجل توفير قوتهما، ولا أحد سيهتم بطلباتهما. ويشير إلى أنّه يكد ويعمل من أجلهما بالرغم من مرضه لكنّه يجهل مصيرهما من بعده ولا يريدهما مع والدتهما أن يمدوا أيديهم لعابري السبيل من أجل لقمة العيش. ويلفت عمر إلى أنّ ظروفه لم تكن سيئة قبل أن يجري تشخيصه بمرض بسرطان الدم، إذ كان يعمل في مجال البناء وأحواله المادية جيدة، لكن فجأة تعكرت صحته ولم يعد يقوى على حمل مستلزمات البناء، وظهرت في ساقه بعض الدمامل، وبعد الفحص تبيّن أنّه مصاب بسرطان الدم، وكان المرض في مرحلة متقدمة جداً، لينتشر في أنحاء من جسده بعدها. تدهورت ظروفه المادية كثيراً، مع مروره بالعديد من المراحل، ومعاناته من العديد من الصعوبات في رحلته مع المرض والعلاج الكيميائي، ومع ذلك يحاول الصمود والعمل.



بدأت ترتسم على عمر علامات العجز، وتظهر عليه أعراض الوهن، لكنّه مع ذلك، يكابر ويعاند، حتى في لحظات الإرهاق الشديد، ليصنع من الضعف قوة، ومن الظروف الصعبة قصة كفاح ونجاح. يقول إنّه أحياناً يجري حصة علاج كيميائي ويكون منهكاً، لكنّه يتمالك نفسه للنهوض مجدداً من فراشه وجمع النفايات، فاليوم الذي يقضيه في الفراش ستتدهور فيه أوضاع أسرته، وستسوء أحوالهم، وقد تنقصهم أبسط الضروريات التي لن يجلبها لهم أحد، ولن يطرق بابهم أيّ مسؤول جهوي ليسأل عن أحوالهم.




أمام الوضع الصعب للأسرة، والمزيد من تدهور حالة عمر الصحية، قرر الدخول مؤخراً في اعتصام مفتوح بمقر بلدية طبربة، في محافظة منوبة، من أجل المطالبة بالحصول على مورد رزق ثابت، يتمثل في رخصة كشك لبيع بعض المنتجات الغذائية التي يضمن من خلالها العيش الكريم لطفليه وأسرته من بعده، مبيناً أنّه راضٍ بقدره لكنّه مشغول بقوت أسرته. لم يصمد عمر كثيراً في الاعتصام بسبب تدهور حالته الصحية ما اضطر أسرته لنقله إلى المستشفى. يقول إنّه تلقى وعوداً من المسؤولين الجهويين بمنطقته للنظر في ملفه، لكن حتى اليوم لم يتحقق الحلم، وها هو ينتظر تحقيق وعود كثيرة لم تنفذ. يضيف أنّ مطلبه عاجل وملفه لا يحتمل مزيداً من التأجيل، وقد يضطر إلى التصعيد بإقفال الطريق والاعتصام مجدداً. يختم عمر أنّه يريد أنّ يطمئن على أهله وطفليه وزوجته من بعده، ويعلن أنّه لا يخشى مرض السرطان، لكنّه لا يريد لعائلته أن تشقى شقاءه، فقد عاش محروماً، وفقيراً يجاهد من أجل تحصيل لقمة العيش، وزاده المرض وهناً فوق وهن. الحياة لم تمهله الكثير ليفرح ويرتاح بطفليه اللذين يتمنى فقط ألاّ تتعبهما الظروف من بعده.
المساهمون