التهريب يتقاطع مع الإرهاب

07 يوليو 2015
+ الخط -
أخيراً، سقط من كان يطلقون عليه إمبراطور التهريب في تونس. هو أحد خريجي السجون الذي تمكّن من إقامة سلطته غير المشروعة، بحكم خبرته ومعرفته بالثغرات التي تشكو منها الحدود المشتركة التونسية الليبية، ما جعله قادراً على تهريب كل البضائع، مهما كان حجمها وخطرها على الناس والاقتصاد الوطني.
بعد الثورة، اتسعت دائرة حركة المهربين، وتضاعف نفوذهم بشكل غير مسبوق، بسبب تراجع قدرات الدولة وضعف مؤسساتها. لم يكتف هؤلاء الخارجون على القانون بالمناورة ومراوغة الأجهزة، بل أقدموا على محاولات اختراقها. وهو ما أثبتته وقائع عديدة كشفت عنها وزارة الداخلية والقضاء. ولم تقف جرأة بعض هؤلاء عند هذا الحد، بل منهم من بلغ به الجشع أن حوّل وطنه إلى مزاد قايض به الجماعات الإرهابية، وجعلوا من أنفسهم أداة لخدمة مشاريع جهنمية.
حصل المكروه في تونس، عندما تقاطعت أطماع المهربين مع مصالح الإرهابيين، المال مقابل فتح البلاد أمام جميع المخاطر. فهؤلاء الذين يضعون أيديهم في أيدي أعداء الدولة الوطنية يسمحون لأنفسهم بتبرير أكثر الصفقات بشاعة وإجراماً. والمهرب الذي سقط، الأسبوع الماضي، دليل على ذلك، إذ ما الذي دفعه إلى تصويب مسدسه نحو رأسه وإطلاق النار على نفسه، في اللحظات التي تيقن فيها بأنه محاصر من رجال الأمن ولا أمل له في الفرار؟ لا يفعل ذلك إلا رئيس عصابة خطيرة، أو من لديه معلومات غير عادية، لا يريد الكشف عنها، خوفاً على نفسه ممن تحالف معهم، أو لأسباب أخرى لا تقل خطورة وأهمية. فما حدث في مدينة بن غردان على الحدود التونسية الليبية، مع هذا المهرب، أقرب إلى روايات أفلام عصابات المافيا الإيطالية أو الروسية.
لا يخلو مجتمع من أفراد يعيشون من مخالفتهم المقصودة للقوانين، ويسعون إلى مختلف الوسائل الملتوية، من أجل الإثراء على حساب بقية المواطنين واستقرار الدولة. وإذا كانت ظاهرة الاقتصاد الموازي قد اخترقت كل المجتمعات تقريباً، ومنها الرأسمالية الكبرى، إلا أنها في تونس أضحت تهدد استمرارية الدولة، بعد أن أصبحت تمنع الاقتصاد الوطني من الانتعاش، وتحقيق نسق تصاعدي من النمو الضروري جداً لإخراج البلد من الدوامة المقيتة. فالاقتصاد الموازي تجاوز حجمه 50% من مساحة الدورة الاقتصادية، ليحرم ميزانية الدولة من أي دخل يتأتي من الضريبة. ولا يمكن بأي حال الخلط بينه وبين الإرهاب، واعتبار العلاقة بينهما حتمية. لكن، بالنظر إلى الواقع الراهن في تونس، هناك مهربون وجدوا في الشبكات الإرهابية فرصة لتحقيق ثراء سريع، فقرروا أن يتعاونوا مع هذه الشبكات، وأن يستجيبوا لطلباتها، مهما بلغت خطورتها في مقابل كميات من العملة الصعبة. بل تفيد تقارير موثقة بأن تنظيمات إرهابية عديدة حولت التهريب إلى مصدر أساسي من مصادر تمويلها وثرائها، ما تجلى بوضوح مع شخصية، مختار بن مختار، الذي يلقب بملك المالبورو. ولم تتردد بعض هذه الشبكات في إضفاء المشروعية على تجارة المخدرات، لتمويل نفسها أو التعاون مع العصابات المهيمنة على هذه السموم، من أجل تغطية نفقات الأسلحة واستقطاب المقاتلين. ففي عالم تسويق العنف المنظم، يتم اللجوء إلى مختلف أشكال التبرير الأيديولوجي، إلى درجة الخلط بين مصطلحي "الجهاد" والجريمة.
تحدثت جميع الحكومات التي تعاقبت بعد الثورة في تونس عن مخاطر التجارة الموازية، ورفعت شعار محاربة التهريب. لكن، لا أحد نجح في وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة. وقد حدثني رئيس الحكومة السابق، مهدي جمعة، عن قراره قبل أن يغادر السلطة، وبمقتضاه تم اعتقال خمسة أو ستة من كبار المهربين، في محاولة منه لإعلان الحرب عليهم، لكنه فوجئ بعد أيام بأن معظمهم تم إطلاق سراحهم.. لعدم ثبوت الأدلة!