التهديدات الدولية ضد المعارضة السورية... عصا بلا جزرة

24 ابريل 2016
دعا دي ميستورا لاجتماع عاجل للقوى الدولية(دنيس بليبوس/فرانس برس)
+ الخط -
تترجم الدول الفاعلة في الشأن السوري انزعاجها من قرار الهيئة العليا للتفاوض تعليق محادثاتها مع النظام في جنيف، على شكل ضغوط تمارسها تلك الدول التي تصر على الاستمرار في هذه العملية من دون شروط أو تقديم ضمانات بإلزام النظام بشروط التفاوض أو بتحويلها من محادثات إلى مفاوضات مباشرة. فالدول التي تقول إنها داعمة للمعارضة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تمارس هذه الضغوط بصيغة نصائح ومحاولات إقناع لهيئة التفاوض بالعدول عن قرارها بغض النظر عن تحقيق شروط التفاوض وفق مرجعية جنيف 1. 

هذه النصائح تتزامن مع ما تقوم به الدول الداعمة للنظام مثل روسيا لناحية العودة إلى التصعيد الميداني من جهة، والدفع باتجاه تشتيت المعارضة بطرح بدائل من جهة ثانية، من دون أي تحرك من الدول "الصديقة". وتكمن الخطة الروسية في طرح معارضات سياسية تتوافق مع سياساتها أو بدعم مليشيا على الأرض تنفذ مخططاتها من جهة، والاستثمار في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة أخرى. وبدأت تظهر ملامح "تيار الغد السوري" الذي أسسه رئيس الائتلاف الأسبق أحمد الجربا بمباركة روسية ـ مصرية ـ إماراتية، بعد تشكيله مليشيا قوات النخبة التي ظهرت، فجأة، في منطقة الحسكة (شرق سورية) كفصيل يستثمر في محاربة "داعش"، ويحرر القرى من سيطرتها.

أمام هذا الواقع الجديد، تبرز مجموعة أسئلة مريبة حول طريقة وصول الأسلحة إلى هذه المليشيا التي لا يمكنها الحصول على العتاد إلّا من خلال واحدة من ثلاث أقنية (النظام أو وحدات حماية الشعب الكردية أو داعش). كما تشير العديد من المصادر إلى أن القرى التي أعلنت النخبة عن تحريرها تمت السيطرة عليها من قِبل "قوات سورية الديمقراطية"، وتم تسليمها للنخبة لتسويقها كمحارب للإرهاب. هذا الأمر، يرجح، بحسب المصادر، أن يكون هناك تعويم لهذه المليشيا من قبل الروس لطرحها كقوة معتدلة تقبل بحل سياسي على مقاس الحلّ الذي تطرحه موسكو.

وعلى الرغم من اشتراك كل القوى الدولية في الضغط على المعارضة للعودة إلى المفاوضات أظهر شكل الضغوط الممارسة خلافاً أميركياً ـ روسياً على طريقة التعاطي مع الوضع في سورية. وترى واشنطن أن العودة إلى الميدان ستفشل كل الجهود التي بذلت للوصول لحل سياسي. وعلى الرغم من اتهام موسكو بتعزيز تواجدها العسكري في حلب ومساعدتها لقوات النظام للقيام بعملية عسكرية هناك، لا يزال الرد الأميركي على هذا الخلاف يقتصر على التصريحات. ويرى مراقبون أن عدم الرد الأميركي على التصعيد العسكري الجديد من قبل روسيا هو علامة جديدة على استمرار التخاذل الأميركي الذي يرجح أن يشجّع موسكو على القيام بالمزيد من العمليات الاستفزازية ضد المعارضة.

ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن روسيا أعادت نشر قطع مدفعية قرب مدينة حلب، مؤكدين أن موسكو عززت قواتها في سورية بمروحيات متقدمة، وجددت ضرباتها الجوية التي تستهدف جماعات معارضة. في المقابل، عبّر البيت الأبيض عن قلقه إزاء تلك المعلومات، وأشار إلى أنها تقوّض عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، كما أنها تهدد بانهيار اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي بدأ في سورية منذ أواخر فبراير/ شباط الماضي.

وضمن سلسلة الضغوط التي تمارس على المعارضة للعودة إلى جنيف من دون ضمانات، قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، إن "على الأطراف الدولية والإقليمية وكذلك السورية تحمّل مسؤولياتها وعدم العودة إلى الوراء. هذا هو موقفنا وأبلغناه لموسكو، يجب إعطاء مفاوضات جنيف فرصة النجاح". ويبدو أن الخلاف بين رُعاة المفاوضات وتعليق المعارضة مشاركتها فيها دفع المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، إلى الدعوة لاجتماع عاجل لوزراء القوى الدولية والإقليمية المعنيّة بالوضع السوري للحفاظ على الهدنة ومواصلة مفاوضات السلام.

وقال دي ميستورا، خلال مؤتمر صحافي، يوم الجمعة، إنّ "هناك حاجة لاجتماع عاجل لوزراء القوى الدولية والإقليمية المعنية بالصراع للحفاظ على الهدنة، ومواصلة مفاوضات السلام، وجهود الإغاثة التي تتعرض كلها للتعثر". وأشار إلى أنه "لا يمكن استبعاد مبدأ الانتقال السياسي من المحادثات. والمفاوضات بشأن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، واتفاق الهدنة، وضعف التقدم على صعيد إيصال مساعدات غذائية، هي أشبه بطاولة ذات ثلاث قوائم". وأضاف أنّه يعتزم "مواصلة مباحثات السلام، الأسبوع المقبل حتى يوم الأربعاء"، معلّقاً أن هناك "توجهات تثير القلق على الأرض، ووقف إطلاق النار قد يعود إلى مساره، لكن ذلك سيتطلب جهوداً حثيثة".

في هذا السياق، يقول عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني السوري عبد الرحمن الحاج لـ"العربي الجديد" إن جميع الأطراف تدرك أن استمرار المحادثات في جنيف من دون هيئة التفاوض يجعلها من دون جدوى، إذ لا أهمية لأية محادثات "بمن حضر"، كما ورد على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من دون الاتفاق مع هيئة التفاوض العليا التي تمثل الفصائل العسكرية على الأرض. ويعتبر أنّه "لا يوجد أي تأثير حقيقي لباقي المجموعات التي تحضر جنيف مثل مؤتمر القاهرة، وموسكو، والآستانة، ومجموعة حميميم".

وحول الضغوط الأميركية على وفد "الهيئة" لثنيها عن موقفها الأخير حيال المحادثات، يرى الحاج أن "الموقف الأميركي بدا وكما قالوا هم، متفهماً لموقف هيئة التفاوض. وهذا يعني أن واشنطن قد تكون أقرب للعمل على تهيئة السبل لعودة المحادثات، من خلال ممارستها ضغوطات لإزالة النقاط الأساسية التي دفعت المعارضة لموقف تجميد المحادثات، أي ضرورة تطبيق البنود 12-13-14 من قرار مجلس الأمن 2254، لا مجرد ضغوطات على الهيئة لإعادتها للتفاوض".

ويؤكد أنّ "الأميركيين كما المجتمع الدولي عموماً، يدركون أهمية ألا تنهار المفاوضات بشكل كامل، لأنها عملية استراتيجية بالمحصلة للوصول إلى حل سياسي والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية باستثناء التي كانت طرفاً بسفك الدماء وتدمير البلد"، مضيفاً أنّ "هيئة التفاوض أساساً لا تستطيع الاستجابة للضغوطات في حال حصلت فعلياً، لأن ذلك قد يشل قدرتهم على التأثير العسكري ويفرغها سياسياً أمام من تمثلهم".

وعبّر الرئيس الأميركي باراك أوباما، أول من أمس الجمعة، عن "قلقه الشديد" إزاء احتمال انهيار وقف إطلاق النار في سورية، مبيناً، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في لندن، أن "الأزمة السورية لا يمكن أن تحل دون مفاوضات سياسية". وقال أوباما، "لن نحلّ المشكلة بشكل عام، إلا إذا حرّكنا المسار السياسي".