التنازل عن تيران وصنافير للسعودية .. حلمٌ إسرائيلي

11 يونيو 2017
(أمام مبنى نقابة الصحافيين بالقاهرة، تصوير: محمد الراعي)
+ الخط -
بالرغم من حكم قضائي أقرّته المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تقضي بنقل تبعية الجزيرتين إلى المملكة، في ما يؤكّد حكم المحكمة "استمرار السيادة المصرية" على الجزيرتين الواقعتين بمدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر، حيث ذكرت المحكمة أن الدولة المصرية لم تقدّم أي وثائق تثبت سعودية الجزيرتين، لكن يبدو أن ثمة إصراراً وتعمّداً مخزياً من الإدارة المصرية التي خاضت عدّة محاولات قضائية، بهدف تسليم الجزيرتين للسعودية وإثبات عدم مصريتهما، لكنّها محاولات باءت كلها بالفشل وهو ما يضطرها إلى التحايل مرّة أخرى لتمريرها من خلال مناقشتها في مجلس النوّاب، الذي يحظى بأغلبية تجاه نظام عبد الفتاح السيسي.

البرلمان المصري الذي ينحاز في أغلبيته إلى الدولة يبدو منقسمًا، ويخشى النوّاب داخله من فقدان رصيدهم لدى المواطنين في دوائرهم الانتخابية المحليّة، فضلًا عن المواجهات الشعبية الحادة التي ترفض الاتفاقية، وتعتبرها تفريطًا في الأرض، حيث لم يتمكّن النظام من تبرير أو تقديم أدلّة تثبت ادعاءه بسعودية الجزيرتين، خاصة، مع تعزيز ذلك في ظلّ أحكام قضائية أذعنت للوثائق التاريخية، التي تؤكّد مصريتهما وتسبّبت في إحراج وتوريط للدولة ووضع الأمر محلّ شك وجدل في ظل مواجهة ضعيفة ومتواضعة، تحشد فيها أذرعها الإعلامية عديمة الموهبة والكفاءة للالتفاف على الصوت المعارض، وتقديم حقائق مزيفة لإسكات وتضليل الشعب.

يعتبر النائب، إيهاب الخولي، أمين سرّ اللجنة التشريعية في البرلمان المصري، أن البرلمان غير مختصّ بنظر الاتفاقية، بعد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا. وعبّر عن اعتقاده بأن حكم المحكمة حسم الأمر وأقر ببطلان الاتفاقية، وبالتالي فإن أي مناقشات حول هذا الأمر لا تخص البرلمان إذ تعد الاتفاقية تنازلًا عن جزء من أرض مصر.

لكن ائتلاف دعم مصر، في بيان صادر له أمس، قال إن المجلس ولجانه سيبدآن في نظر اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية بداية من يوم الأحد القادم، أمام لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بتوجيه الدعوة للخبراء والمتخصّصين لحضور أعمال اللجنة.

وذكر الائتلاف أن حالة الاستقطاب والتخوين السائدة من بعض (النوّاب) ضدّ الاتفاقية، واحتكار الوطنية وتوزيع صكوك وشهادات الدفاع عن الأرض المصرية، وسياسة فرض الرأي بالصوت العالي، أمر غير مقبول، ولن يرضى به الائتلاف ولا نوابه، كما لن يرضى الائتلاف بممارسة الضغوط على النواب وترهيبهم بالشعارات التي لا تعبر عن حقائق الأمور.

خلال الأيّام القليلة الماضية، بدأ عقد لقاءات من جهة أطراف من الحكومة وعلى رأسهم، رئيس الوزارء المهندس شريف إسماعيل والذي التقى بعدد من النوّاب، وحضر اللقاء نوّاب ائتلاف دعم مصر- الائتلاف صاحب الأغلبية والمؤيد للدولة داخل البرلمان- والذي عرض وجهة نظر الحكومة حول سعودية تيران وصنافير لتشكيل جبهة يمكن الاستناد عليها لتقوية موقف الحكومة، وحشدها ضد المعارضة لاستمالتهم للتصويت بنقل جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ومن ناحية أخرى بدأ عدد من النوّاب في المعارضة، وشخصيات عامة سياسية وحقوقية وإعلامية بجمع توقيعات رسمية للرافضين، مسجّلة في الشهر العقاري الجهة التوثيقية بمصر، وتقديمها كمستند رسمي أمام رئيس مجلس النوّاب علي عبد العال.

تفصح صفقة النظام المصري على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية عن حجم التحوّلات، التي تمضي فيها سياسة البلدين، والتوافقات الجديدة والتحالفات التي ترسّم سياسة الشرق الأوسط وموقع "إسرائيل" منها، التي تتخفى في تفاصيله كـ"الشيطان"، فيما تبدو القاهرة في موقع التبعية للرياض.

وتتضمّن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية في أحد بنودها: "يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرّات المائية الدولية المفتوحة لكل الدول، دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي، كما يحترم الطرفان حقّ كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من وإلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة، وهو ما سوف يوفّر منفذًا لمينا إيلات الإسرائيلي حيث أن ثمة أهمية استراتيجية لجزر تيران وصنافير، لأنها تمثل الممرّ الوحيد بالنسبة لـ (إسرائيل)، من أجل الوصول إلى خليج العقبة، ويعتبر وقوعهما في مدخل خليج العقبة ومع ملكية السعودية للجزيرتين يجعل من خليج تيران ممرًا بحريًا دوليًا وليس ممرًا إقليميًا تابعًا لمصر، تستطيع سفن إسرائيل المرور به دون أي عوائق".

ويشير المحامي الحقوقي، خالد علي، صاحب الحكم التاريخي أن "مصرية الجزيرتين هي الشيء الوحيد الذي يحافظ على الدخل القومي لمصر من قناة السويس"، لافتًا إلى أن الجزيرتين "تحرمان إسرائيل من جدوى بناء قناة تنافس بها قناة السويس". وهو الحلم نفسه الذي داعبها وجعلها لا تتخلّى عن "أم الرشراش" المصرية، التي ما زالت تحتلها وسمتها "إيلات"، وأصبحت الدولة الثانية في العالم بعد مصر، التي تطل على البحرين الأحمر والمتوسط، محذرًا من أن التنازل عن تيران وصنافير هو الخطوة الحاسمة التي تنتظرها "إسرائيل" لبدء تحقيق حلمها المشؤوم.

المساهمون