التكنولوجيا الإسرائيلية حاجة إلى روسيا وليست أقل من حاجة أوكرانيا إليها، ما يُتيح لإسرائيل أن تلعب لعبتها بين الجارين اللدودين، فتساعد هذا حيناً وذاك حيناً آخر، تبعاً لميزان مصالحها. ولا يزال ماثلاً في الأذهان دعم إسرائيل للرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي في الحرب الجورجية ضد روسيا (عام 2008)، مباشرة وعبر كييف. وامتناع تل أبيب عن تزويد كييف بالسلاح، الذي يجري الحديث عنه اليوم، بما يرضي موسكو، لا يحدث كرمى لعيني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنما لمصلحة لتل أبيب مع موسكو، وربما في موسكو.
فقد تناقلت المنابر الإعلامية الروسية خبر توقّف إسرائيل عن تزويد أوكرانيا بالسلاح، ونقلت الصحافة الروسية عن القناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية خبراً مصدره وزارة الخارجية الإسرائيلية يقول إن تل أبيب توقفت عن بيع السلاح لكييف خشية انعكاس ذلك سلباً على علاقاتها مع موسكو.
كذلك علّق الإعلام الروسي على إشارة صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الماضي إلى اهتمام بشراء طائرات من دون طيار من صناعة شركة "آيرونوتيكس" الإسرائيلية، وشكك في إلغاء الصفقة مع أوكرانيا، ذلك أن تأكيداً رسمياً لم يصدر بهذا الشأن عن أي من وزارتي الخارجية أو الدفاع الإسرائيليتين.
وكان موقع "فلايتغلوبال.كوم" قد نقل في أغسطس/آب الماضي، عن مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن الأخيرة أصدرت تعليمات بتجميد المفاوضات مع روسيا حول تزويدها بطائرات من دون طيار، بسبب تدخلها في شؤون أوكرانيا الداخلية. وجرى الحديث حينها عن ضغوط أميركية، مورست على إسرائيل، علماً بأن عقداً قيمته 400 مليون دولار كان قد أبرم مع وزارة الدفاع الروسية في عام 2013، لتجميع أجهزة طيران بلا طيار من طراز "سيرشير ام كا 2" و"بيرد إي-400" المطوّرة من قبل شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية.
ومن اللافت أن إسرائيل تشتري الأسلحة الروسية، ولكن لأي غرض تفعل ذلك؟ ففي نهاية أغسطس/آب الفائت، ذكرت صحيفة "هآرتس" أن إسرائيل اشترت في السنوات الأخيرة أنواعاً عدة من الأسلحة السوفييتية والروسية الصنع، عبر أوكرانيا وتشيكيا، ولكنها لم تشترِ هذا السلاح لاستخدامه إنما لتطوير مضادات له، أي لتعرف كيف تقضي عليه عند اللزوم، كون "أعدائها" يستخدمونه، والحديث يدور عن "حزب الله" و"حماس" وسورية.
هل تشتري إسرائيل منصة روسية لإطلاق صواريخ الفضاء؟
ما إن أُعلن في 22 أغسطس/آب، على خلفية الأزمة الأوكرانية، إيقاف العمل في قاعدة إطلاق صواريخ الفضاء العائمة (مورسكوي ستارت) إلى منتصف 2015، حتى جرى تداول خبر مفاده أن شركة "إينيرجيا" الروسية لصواريخ الفضاء، عازمة على بيع شركة إسرائيلية حصتها البالغة 95 في المائة في هذه القاعدة العائمة في المحيط الهادي، والتي تُطلق منها صواريخ "زينيت" الفضائية الروسية-الأوكرانية الصنع التي تنقل الأقمار الصناعية إلى مداراتها، كما أعلنت وكالة "إنترفاكس" الروسية، نقلاً عن مصدر في "إينيرجيا".
وبحسب "إنترفاكس"، فإن شركة "روسكوسموس" و"الشركة المتحدة لصواريخ الفضاء" اعتذرتا عن شراء القاعدة العائمة، ولذلك فالبحث جارٍ عن جهة أجنبية تشتريها، وأن مباحثات بهذا الشأن ستجري مع إحدى شركات الفضاء الإسرائيلية الرائدة.
وتبعاً لمصدر "إنترفاكس"، فإن إسرائيل هي الجهة الأكثر ملاءمة لهذه الصفقة، بسبب علاقاتها المتينة مع الولايات المتحدة الأميركية، التي ترسو القاعدة على مقربة منها، إضافة إلى أن إسرائيل لن تعاني مشكلات في الحصول على صواريخ "زينيت" الناقلة التي يتم تجميعها في شركة "يوجماش" الأوكرانية.
وفي السياق نفسه، نقل موقع "روسبلت.رو" عن مدير معهد سياسة الفضاء الروسي إيفان مويسييف، قوله إن 60 في المائة من مكوّنات الصواريخ التي صممت القاعدة لإطلاقها روسية، وهي تجمع في أوكرانيا"، مؤكداً الحاجة إلى علاقات روسية أوكرانية إسرائيلية طيبة لتتمكن إسرائيل من استثمار المشروع، مشيراً إلى أنّ تكييف القاعدة مع نمط آخر من الصواريخ يعني البدء بمشروع لا يقل حجماً وتكلفة عن المشروع الأصلي.
يذكر أن هذه القاعدة العائمة، هي المشروع الدولي الأول لإطلاق أجهزة الفضاء من المحيطات، وقد أطلق منها إلى الآن بنجاح 33 صاروخ "زينيت- 3 إس إل"، مقابل ثلاث حالات فشل.
ويرى الخبير العسكري فيكتور مياسنيكوف، عبر موقع "سفبريسا.رو" أن لإسرائيل مصلحة في قاعدة الفضاء العائمة هذه، لأنها "خلافاً لدول العالم، تطلق الصواريخ من أرضها بعكس دوران الأرض، مما يجعل تكاليف إيصال القمر إلى مداره مرتفعة جداً، وهي مضطرة إلى فعل ذلك كي لا يسقط الصاروخ في حال حصول عطل فوق البلدان العربية، ومن هذه القاعدة يمكن لإسرائيل أن تطلق أقمارها الصناعية للأغراض العسكرية".
فهل تشتري إسرائيل قاعدة إطلاق صواريخ الفضاء المعروضة للبيع فتتحكم بإيصال اقمار الآخرين إلى مداراتها، ولا سيما أن ليس لدى روسيا ما تخشاه في هذا الشأن.