التكرير.. وفوضى التسعير

08 ابريل 2015
لم تنجح الحكومة الأردنية في تحديد أسعار المشتقات النفطية(أرشيف)
+ الخط -
أعاد قرار الحكومة الأردنية المتعلق برفع أسعار أربعة منتجات بترولية إلى الأذهان، التخبط الحكومي في الآلية التي تعتمدها في تسعير منتجات الوقود. وتؤكد أرقام شهر آذار/مارس الماضي تراجع متوسط أسعار مزيج برنت، وهذا التراجع ينعكس بالضرورة على المنتجات البترولية الأخرى. إلا أن لجنة تسعير المحروقات الحكومية قررت، مع بداية الشهر الحالي، رفع أسعار معظم هذه المنتجات، ما يخالف سياسات الحكومة في تعقب تطورات الأسعار في الأسواق الدولية للنفط ومنتجاته.


في الواقع، يستورد الأردن 80% من منتجاته على شكل نفط خام "لايت اند سويت"، وهو يقل قليلا عن سعر مزيج برنت، وتقوم لجنة تسعير المحروقات، التي تضم ممثلين عن وزارتي الطاقة والمالية وشركة مصفاة البترول الأردنية، باحتساب أسعار المنتجات البترولية، عند نهاية كل شهر، على أساس متوسط سعر مزيج برنت خلال فترة الثلاثين يوما التي تسبق قرار التسعير، يضاف إليه تكاليف الشحن. وباستخدام آلية التسعير هذه، استند الكثير من الاقتصاديين في تحليلاتهم على أن متوسط سعر خام برنت في السوق الدولية خلال شهر فبراير/شباط كان 58.96 دولارا للبرميل، في حين تراجع هذا المتوسط خلال شهر مارس/آذار الماضي إلى 55.93 دولارا للبرميل، أو بنسبة تراجع قدرها 5.4%. رغم ذلك، قامت الحكومة الأردنية برفع المنتجات النفطية، بنهاية الشهر الماضي، بنسب لا تقل عن 4%!

علاوة على ذلك، تفرض الحكومة ضرائب ورسوما إضافية على مستوردات المملكة من النفط الخام والمنتجات البترولية، وهي تفوق كثيراً نظيراتها في الدول الأخرى، ما يسهم في ارتفاع إضافي على أسعار هذه المنتجات في الأسواق المحلية.

على الجانب الآخر، يقول مسؤولون حكوميون إن مرافق الإنتاج في شركة مصفاة البترول الأردنية لم يتم تجديدها منذ عام 1979، وهي بالتالي لا تتسم بالكفاءة العالية، ما يؤدي إلى رفع كلفة التكرير نحو %30، وهي تكلفة يتحملها المستهلك الأردني في نهاية المطاف. لكن الأردن لم يعد بحاجة الى مصفاة تكرير، بل آن الأوان لفتح باب استيراد المنتجات البترولية، من قبل القطاع الخاص، على مصراعيه، وهو بديل مناسب للسلطات لخفض تكلفة دعمها للوقود.

ولنا في التجربة اللبنانية خير مثال على ذلك، فهو بلد لا يوجد فيه مصفاة بترول واحدة، ذلك أن القطاع الخاص في لبنان يقوم بجلب كافة المنتجات البترولية من الخارج، مكررة، وجاهزة لطرحها في الأسواق اللبنانية، بجودة أعلى، وكلفة أقل.


ما قامت به الحكومة الأردنية، قبل نحو ثلاثة أعوام، برفع الدعم على مشتقات النفط، لم يغلق الفجوات المالية في الموازنات العامة التالية للقرار، بل تفاقم العجز بشكل قياسي وغير مسبوق. لقد كان من الأجدى على الحكومة أن تركز جهودها على مكافحة التهرب الضريبي، الذي يقدر بنحو مليار دولار سنوياً، وتقليص عدد المؤسسات الحكومية المستقلة، التي تبلغ موازنتها السنوية مجتمعة نحو ثلاثة مليارات دولار. وحتى التعويضات النقدية التي كانت تقدمها الحكومة للأسر ذات الدخل المنخفض، لم تكن كافية للتخفيف من ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية، ذلك أن ارتفاع أسعار الوقود من شأنه أن يدفع أسعار العديد من المنتجات إلى الارتفاع.

ينبغي على الحكومة أن تقول لمواطنيها إن الإنفاق الحكومي، غير المبرر، سيتم إعادة النظر فيه عند تشكيل الموازنات العامة المستقبلية، بحيث تكون مؤسساتها مثالا يحتذى به من خلال اعتماد تدابير تقشفية ذاتية أكثر صرامة. لذلك، الحكومة الأردنية مطالبة، من أجل إقناع مواطنيها، ببدء إجراءات تقشفية داخل هيئاتها الحكومية، سواء عن طريق خفضها للرواتب العالية لبعض كبار الموظفين في مؤسساتها العامة، أو من خلال تفكيك العديد من هذه المؤسسات، أو دمجها مع مؤسسات أخرى، إذ إن دمج أربع من هذه المؤسسات يمكن أن يوفر على الخزينة نحو 100 مليون دولار سنوياً.

هذه الإجراءات ليس من شأنها فقط توفير مئات الملايين من الدولارات على خزينة الدولة، بل والإسهام في رفدها بإيرادات إضافية التي هي في أمس الحاجة إليها.

إقرأ أيضا: 14 % نسبة مساهمة الصناعة في الناتج الإماراتي
المساهمون