ساهمت عملية "عاصفة الحزم" العسكرية التي بدأت في السادس والعشرين من الشهر الماضي؛ بقيادة السعودية ضدّ جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والقوات الموالية لهم في اليمن، في تغيير شكل الخارطة العسكرية في سورية لمصلحة المعارضة المسلّحة، إذ تمكّنت الأخيرة عشية "العاصفة" من السيطرة على مدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي، الخزان البشري للنظام السوري والقوى الداعمة له، محرزة أول تفوق على القيادة العسكرية الإيرانية.
بدأت بعد ذلك سلسلة من الانتصارات كان أهمها، دخول "جيش الفتح" في الثامن والعشرين من الشهر الماضي إلى قلب مدينة إدلب، ثاني كبرى مدن الشمال السوري، والمدينة الواصلة بين حلب واللاذقية، وبين حلب وحمص. وبعد 48 ساعة فقط، تمكّن مسلّحو المعارضة من السيطرة على مقام السيدة سكينة في مدينة داريا بريف دمشق، وتحقيق انتصارات ما تزال تتوالى في القلمون ضدّ النظام وحزب الله اللبناني، ناهيك عن السيطرة على معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية بعد ذلك.
اقرأ أيضاً (انتقادات لقائد "جيش الإسلام" بسبب زيارة إلى تركيا)
جاءت هذه الانتصارات بموازاة التقارب بين السعودية وتركيا، وفي ظل التمدّد الإيراني في المنطقة، وبعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى السعودية الشهر الماضي، التي أنهت القطيعة السياسية التي عاشها الطرفان خلال الفترة الماضية، حتى بدأت ملامح المواجهات العسكرية على الأرض تأخذ منحى آخر.
ويبدو أن الأمور لن تتوقف عند هذا الحد، إذ يتوقع أن تشهد الجغرافيا السورية مرحلة جديدة خلال الأيام الآتية، بعد التحركات المكوكية بين الدوحة والرياض وأنقرة، على أعلى المستويات، خلال الأسبوع ما قبل الماضي، مع ما يراه مراقبون وخبراء سياسيون تحركاً ثلاثياً يهدف إلى بناء تحالف قوي يعكس التغييرات التي طرأت على الساحة الإقليمية، بناء على تطورات عملية "عاصفة الحزم".
اقرأ أيضاً (الجولات المكوكية الخليجية: الإنذار الأخير لإيران)
وقد بدأت تجليات هذه المرحلة الجديدة تظهر من خلال حضور قائد "جيش الإسلام"، زهران علوش شخصياً إلى مدينة إسطنبول التركية من مدينة دوما التابعة للغوطة الشرقية بريف دمشق، والمحاصرة منذ سنتين من قبل النظام السوري.
وقال مدير شبكة "سوريا مباشر" علي باز لـ "العربي الجديد"، إن الزيارة تأتي لحضور احتفالية رابطة خطباء "الشام"، ولقاء كبار العلماء السوريين الذين أعلنوا انشقاقهم عن نظام بشار الأسد. وحصل باز على صور خاصة تظهر قائد "جيش الإسلام" خلال لقائه مع كريم راجح، شيخ قراء بلاد الشام مدير رابطة خطباء الشام حالياً، إضافة إلى الداعية أسامة الرفاعي، مشيراً إلى أن علوش "بدا بلحية طويلة، ويبدو عليه التعب نتيجة الحصار الذي عاشه في مدينة دوما في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وقد خاض رحلة شاقة استمرت لأيام خلال عبوره طريقاً عسكرياً من الغوطة الشرقية إلى الحدود السورية التركية شمالاً ثم مدينة إسطنبول".
من جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش لـ "العربي الجديد" أن "هناك لقاءات سيجريها (علوش) مع فعاليات ثورية وغيرها، والهدف منها هو رفع الحصار عن المدنيين في الغوطة وجنوب دمشق"، رافضاً التحدث عن "الطريقة التي خرج بها علوش من الغوطة الشرقية المحاصرة".
وحول ما إذا كانت هذه الزيارة أحد تجليات التقارب السعودي التركي، أجاب علوش "إننا نرحب بالتقارب السعودي التركي بالتأكيد، فكل تقارب بين هذه القوى لا بد أن ينعكس إيجاباً على قضية شعبنا، ويسرع في الوصول إلى حل والخلاص من هذا النظام".
واللافت في الأمر أن هذه الخطوة جاءت بمعزل عن "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" السوري، إذ أكد المتحدث باسم الائتلاف سالم المسلط لـ "العربي الجديد" أن "ليس لديه تفاصيل كاملة حول هذا الموضوع، وما إذا كان أحد قد دعا زهران علوش إلى مدينة إسطنبول، وما الغاية من هذه الزيارة"، مبيناً أن "الائتلاف بحث موضوع التواصل مع القيادات العسكرية في الداخل خلال اجتماعه أمس واليوم في الهيئة السياسية، لكي يكون لهم رأيهم في أي حل سياسي".
في الإطار نفسه، تربط مصادر داخل الائتلاف فضلت عدم ذكر اسمها لـ "العربي الجديد" بين زيارة علوش و"زيارة رئيس الائتلاف خالد خوجة قبل نحو أسبوعين إلى السعودية بشكل سري، بناء على طلبها". وتشير إلى أن "الزيارة ربما تأتي من أجل الضغط لتحريك الغوطة الشرقية، ضدّ قوات النظام السوري وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وما لقاء علوش مع القيادات الدينية، إلا كي تلعب الأخيرة دوراً وسيطاً للتحضير إلى المرحلة الجديدة".
وتضيف المصادر المطلعة أنه على الرغم من أن "(جيش الإسلام) حركة جهادية سلفية، لكنه يتمتع بالمرونة وقابل للدخول بمفاوضات. كما أن "جيش الإسلام" هو أحد المكونات القليلة التي بقيت قائمة بذاتها، ولم تنخرط مع فصائل أخرى من مكونات "الجبهة الشامية"، مثلما حصل مع "صقور الشام" التي انضمت إلى حركة (أحرار الشام)، و(لواء التوحيد) الذي انضم إلى (الجبهة الشامية)".
وكان علوش قد انتقد سياسة التحالف الدولي قبل أيام، قائلاً في مؤتمر صحافي في الغوطة الشرقية أن "60 دولة تحالفت لإنهاء وجود (داعش)، ورصدت لذلك مبلغ 500 مليار دولار"، متسائلاً "لكننا نحن حين أنهينا (داعش) في الغوطة كم أنفقنا؟".
وعلى الرغم من التكتم حيال الأهداف الرئيسية للزيارة حتى الآن، لكن المعطيات القائمة قد تشير إلى تغييرات في الغوطة الشرقية لصالح المعارضة، إذ يعتبر "جيش الإسلام" أحد أبرز الفصائل التي تقاتل هناك، ويبلغ تعداه نحو خمسين ألف مقاتل.