أثبتت القمة التي عقدت مطلع الأسبوع الماضي في إسطنبول بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، قدرة البلدين على اعتماد مبدأ البراغماتية والفصل بين السياسة والاقتصاد وإبعاد الخلافات في الملف السوري عن المصالح الاقتصادية المشتركة. إذ وقع الطرفان مجموعة من الاتفاقيات والمشاريع الضخمة التي قدرت بمليارات الدولارات، بعدما توقف بعضها نتيجة الأزمة التي نشأت بين البلدين إثر إسقاط تركيا طائرة روسية على الحدود السورية العام الماضي.
التعاون في مجال الطاقة
وشهدت القمة بين بوتين وأردوغان التوقيع على الاتفاقية الحكومية لبناء خط أنابيب الغاز "السيل التركي" بتكلفة تصل إلى 12 مليار دولار، كما تم الاتفاق على آلية لخفض سعر الغاز الطبيعي لتركيا التي تعتبر ثاني أكبر مشتر للغاز الروسي بعد ألمانيا. إذ بلغت مشترياتها من عملاق الغاز الروسي "غازبروم" في العام الماضي 27 مليار متر مكعب.
وبتحقيق مشروع "السيل التركي"، تصل تركيا إلى طموحاتها في أن تصبح مركزاً إقليمياً لعبور الغاز وستجني رسوم ترانزيت الغاز الروسي المورد إلى أوروبا.
أما روسيا، فستتمكن أخيراً من الحد من اعتمادها على أوكرانيا في ترانزيت الغاز بعد أن بلغ التوتر بين موسكو وكييف منذ أكثر من عامين مرحلة المواجهة المسلحة غير المباشرة في منطقة دونباس. بالإضافة إلى زيادة الإمدادات إلى جنوب أوروبا.
وتورد روسيا حاليا الغاز إلى تركيا عبر خط "السيل الأزرق" الذي تم تشغيله مطلع القرن الحالي، ولكن طاقته التمريرية تبلغ 16 مليار مكعب من الغاز سنوياً فقط، ما يضطر روسيا لتوريد جزء من إمداداتها إلى تركيا عبر أوكرانيا ومروراً بمولدوفا ورومانيا وبلغاريا.
وستحقق روسيا من مد "السيل التركي" مكاسب جيوسياسية كبيرة أيضاً، إذ سيكون هذت الخط عبارة عن رسالة قوية إلى الغرب بأن روسيا لم تعد في عزلة دولية ووجدت بديلاً لمشروع "السيل الجنوبي" الذي تعثر في نهاية عام 2014 وسط تصاعد الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة الأوكرانية.
مشروع نووي مشترك
علاوة على ذلك، يتطلع البلدان إلى مواصلة مشروع محطة أك كويو النووية، وهي أول محطة نووية في تركيا ستغطي حاجتها المتزايدة من الطاقة الكهربائية.
ومن المنتظر أن تحصل شركة "آتوم ستروي إكسبورت" الروسية على ترخيص بناء المحطة وتبدأ بصب الخرسانة في عام 2018، على أن يتم تشغيل الوحدة الأولى بالمحطة في عام 2023 واستكمال بنائها في عام 2026.
اقــرأ أيضاً
ويتم تحقيق مشروع أك كويو بنظام "الإنشاء والتملك والتشغيل" (BOO)، وتملك روسيا حالياً 100 في المائة من أسهم شركة "محطة أك كويو النووية"، وقد يُتخذ في وقت لاحق قرار بيع ما يصل إلى 49 في المائة من الأسهم للمستثمرين.
وتقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بحوالي 20 مليار دولار وقد أنفقت روسيا بضعة مليارات منها قبل حادثة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" من قبل سلاح الجو التركي في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
الفواكه التركية تعود إلى الموائد الروسية
بعد يوم على إعلان بوتين عن قرار الحكومة الروسية السماح بعودة بعض الفواكه التركية إلى السوق الروسية، أصدر مجلس الوزراء الروسي قراراً رسمياً بالسماح باستيرادها، ومن بينها البرتقال واليوسفي (المندرين)، والمشمش والخوخ وغيرها.
وبذلك تستعيد تركيا سوقاً هامة بحجم روسيا التي يبلغ عدد سكانها 146 مليون نسمة، بينما ستقلل زيادة العرض في روسيا من مخاطر التضخم للسلع الاستهلاكية التي واجهتها روسيا منذ دخولها حرب العقوبات الاقتصادية مع الغرب في صيف عام 2014.
ومنذ رد روسيا على العقوبات الغربية بحظر استيراد المواد الغذائية من بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، واجهت البلاد أعلى معدلات تضخم منذ سنوات، قبل أن تضاف تركيا وأوكرانيا إلى "القائمة السوداء" مع بداية العام الحالي.
وبلغت نسبة التضخم في روسيا 11.4% في عام 2014 و12.9% في عام 2015، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008، ما يعني في الواقع تضخماً متصاعداً خلال عامين، كان مرشحاً للمزيد من الارتفاع.
وقبل الأزمة في العلاقات بين البلدين، كانت تركيا توفر للسوق الروسية 65 في المائة من وارداتها من الطماطم وأكثر من ربع اليوسفي المستورد ونحو ربع الواردات من الخيار.
عودة السياح الروس إلى المنتجعات التركية
على الرغم من رفع الحظر عن حجز الرحلات السياحية إلى المنتجعات التركية فور اعتذار أردوغان عن واقعة الطائرة الحربية الروسية، إلا أن التأخر في استئناف رحلات الطيران العارض (تشارتر) منخفض التكاليف حال دون عودة حركة السياحة الروسية إلى المنتجعات التركية بكامل طاقتها إلا في نهاية الموسم.
ومع ذلك، تمكنت تركيا خلال شهر فقط من استئناف رحلات الطيران العارض، وعادت الوجهة الأولى للسياحة الروسية في موسم الخريف، لتزاحم تونس واليونان اللتين تراجعتا إلى المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي.
وقبل الأزمة في العلاقات، كانت تركيا تعتبر الوجهة الأولى للسياحة الخارجية الروسية باستقبالها حوالي 3.3 ملايين سائح روسي في عام 2014، فيما زاد إجمالي عدد الواصلين الروس إلى تركيا في ذلك العام عن أربعة ملايين شاملين السياح المستقلين وملاك العقارات والمسافرين لأغراض أخرى غير السياحة.
استمرار عمل شركات البناء
كان التعاون في قطاع البناء الأقل تضرراً من جراء الأزمة الأخيرة نظرا لقيام روسيا باستبعاد مجموعة كبيرة من الشركات التركية من قائمة العقوبات في ظل الاستعجال لاستكمال بناء المنشآت استعداداً لبطولة العالم لكرة القدم التي ستستضيفها روسيا في عام 2018.
وخير مثال على ذلك، اختيار شركة "رونيسانس" التركية لتنفيذ أعمال توسيع مطار "شيريميتييفو" الدولي في ضواحي موسكو بتكلفة قدرت بأكثر من 600 مليون دولار، لتشمل أعمال التوسيع وإنشاء مبنى ركاب للرحلات الداخلية ونفقين للركاب والأمتعة وغيرها.
وكان الباحث في الشؤون التركية بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، آمور غادجييف، قد رأى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن تركيا تبذل حالياً كافة جهودها لإعادة التعاون الثنائي مع روسيا إلى مستوى ما قبل الأزمة والدفع به، بعدما أظهرت الأزمة الأخيرة في العلاقات أن تفاقم الوضع الجيوسياسي قد يشطب بين ليلة وضحاها على سنوات من التعاون الاقتصادي.
يذكر أن حادثة القاذفة الروسية وضعت التعاون الاقتصادي بين روسيا وتركيا في كافة المجالات على المحك، إلا أن اعتذار أردوغان أسفر عن بدء تطبيعها بشكل تدريجي، كما دفعت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في منتصف يوليو/تموز الماضي، نحو مزيد من التقارب.
ومنذ ذلك الحين، عقد بوتين وأردوغان ثلاثة لقاءات خلال شهرين فقط، كان أولها في العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبورغ، ثم على هامش قمة مجموعة الدول العشرين في الصين، بالإضافة إلى القمة الأخيرة في إطار مؤتمر الطاقة العالمي في إسطنبول.
اقــرأ أيضاً
التعاون في مجال الطاقة
وشهدت القمة بين بوتين وأردوغان التوقيع على الاتفاقية الحكومية لبناء خط أنابيب الغاز "السيل التركي" بتكلفة تصل إلى 12 مليار دولار، كما تم الاتفاق على آلية لخفض سعر الغاز الطبيعي لتركيا التي تعتبر ثاني أكبر مشتر للغاز الروسي بعد ألمانيا. إذ بلغت مشترياتها من عملاق الغاز الروسي "غازبروم" في العام الماضي 27 مليار متر مكعب.
وبتحقيق مشروع "السيل التركي"، تصل تركيا إلى طموحاتها في أن تصبح مركزاً إقليمياً لعبور الغاز وستجني رسوم ترانزيت الغاز الروسي المورد إلى أوروبا.
أما روسيا، فستتمكن أخيراً من الحد من اعتمادها على أوكرانيا في ترانزيت الغاز بعد أن بلغ التوتر بين موسكو وكييف منذ أكثر من عامين مرحلة المواجهة المسلحة غير المباشرة في منطقة دونباس. بالإضافة إلى زيادة الإمدادات إلى جنوب أوروبا.
وتورد روسيا حاليا الغاز إلى تركيا عبر خط "السيل الأزرق" الذي تم تشغيله مطلع القرن الحالي، ولكن طاقته التمريرية تبلغ 16 مليار مكعب من الغاز سنوياً فقط، ما يضطر روسيا لتوريد جزء من إمداداتها إلى تركيا عبر أوكرانيا ومروراً بمولدوفا ورومانيا وبلغاريا.
وستحقق روسيا من مد "السيل التركي" مكاسب جيوسياسية كبيرة أيضاً، إذ سيكون هذت الخط عبارة عن رسالة قوية إلى الغرب بأن روسيا لم تعد في عزلة دولية ووجدت بديلاً لمشروع "السيل الجنوبي" الذي تعثر في نهاية عام 2014 وسط تصاعد الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة الأوكرانية.
مشروع نووي مشترك
علاوة على ذلك، يتطلع البلدان إلى مواصلة مشروع محطة أك كويو النووية، وهي أول محطة نووية في تركيا ستغطي حاجتها المتزايدة من الطاقة الكهربائية.
ومن المنتظر أن تحصل شركة "آتوم ستروي إكسبورت" الروسية على ترخيص بناء المحطة وتبدأ بصب الخرسانة في عام 2018، على أن يتم تشغيل الوحدة الأولى بالمحطة في عام 2023 واستكمال بنائها في عام 2026.
ويتم تحقيق مشروع أك كويو بنظام "الإنشاء والتملك والتشغيل" (BOO)، وتملك روسيا حالياً 100 في المائة من أسهم شركة "محطة أك كويو النووية"، وقد يُتخذ في وقت لاحق قرار بيع ما يصل إلى 49 في المائة من الأسهم للمستثمرين.
وتقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بحوالي 20 مليار دولار وقد أنفقت روسيا بضعة مليارات منها قبل حادثة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" من قبل سلاح الجو التركي في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
الفواكه التركية تعود إلى الموائد الروسية
بعد يوم على إعلان بوتين عن قرار الحكومة الروسية السماح بعودة بعض الفواكه التركية إلى السوق الروسية، أصدر مجلس الوزراء الروسي قراراً رسمياً بالسماح باستيرادها، ومن بينها البرتقال واليوسفي (المندرين)، والمشمش والخوخ وغيرها.
وبذلك تستعيد تركيا سوقاً هامة بحجم روسيا التي يبلغ عدد سكانها 146 مليون نسمة، بينما ستقلل زيادة العرض في روسيا من مخاطر التضخم للسلع الاستهلاكية التي واجهتها روسيا منذ دخولها حرب العقوبات الاقتصادية مع الغرب في صيف عام 2014.
ومنذ رد روسيا على العقوبات الغربية بحظر استيراد المواد الغذائية من بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، واجهت البلاد أعلى معدلات تضخم منذ سنوات، قبل أن تضاف تركيا وأوكرانيا إلى "القائمة السوداء" مع بداية العام الحالي.
وبلغت نسبة التضخم في روسيا 11.4% في عام 2014 و12.9% في عام 2015، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008، ما يعني في الواقع تضخماً متصاعداً خلال عامين، كان مرشحاً للمزيد من الارتفاع.
وقبل الأزمة في العلاقات بين البلدين، كانت تركيا توفر للسوق الروسية 65 في المائة من وارداتها من الطماطم وأكثر من ربع اليوسفي المستورد ونحو ربع الواردات من الخيار.
عودة السياح الروس إلى المنتجعات التركية
على الرغم من رفع الحظر عن حجز الرحلات السياحية إلى المنتجعات التركية فور اعتذار أردوغان عن واقعة الطائرة الحربية الروسية، إلا أن التأخر في استئناف رحلات الطيران العارض (تشارتر) منخفض التكاليف حال دون عودة حركة السياحة الروسية إلى المنتجعات التركية بكامل طاقتها إلا في نهاية الموسم.
ومع ذلك، تمكنت تركيا خلال شهر فقط من استئناف رحلات الطيران العارض، وعادت الوجهة الأولى للسياحة الروسية في موسم الخريف، لتزاحم تونس واليونان اللتين تراجعتا إلى المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي.
وقبل الأزمة في العلاقات، كانت تركيا تعتبر الوجهة الأولى للسياحة الخارجية الروسية باستقبالها حوالي 3.3 ملايين سائح روسي في عام 2014، فيما زاد إجمالي عدد الواصلين الروس إلى تركيا في ذلك العام عن أربعة ملايين شاملين السياح المستقلين وملاك العقارات والمسافرين لأغراض أخرى غير السياحة.
استمرار عمل شركات البناء
كان التعاون في قطاع البناء الأقل تضرراً من جراء الأزمة الأخيرة نظرا لقيام روسيا باستبعاد مجموعة كبيرة من الشركات التركية من قائمة العقوبات في ظل الاستعجال لاستكمال بناء المنشآت استعداداً لبطولة العالم لكرة القدم التي ستستضيفها روسيا في عام 2018.
وخير مثال على ذلك، اختيار شركة "رونيسانس" التركية لتنفيذ أعمال توسيع مطار "شيريميتييفو" الدولي في ضواحي موسكو بتكلفة قدرت بأكثر من 600 مليون دولار، لتشمل أعمال التوسيع وإنشاء مبنى ركاب للرحلات الداخلية ونفقين للركاب والأمتعة وغيرها.
وكان الباحث في الشؤون التركية بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، آمور غادجييف، قد رأى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن تركيا تبذل حالياً كافة جهودها لإعادة التعاون الثنائي مع روسيا إلى مستوى ما قبل الأزمة والدفع به، بعدما أظهرت الأزمة الأخيرة في العلاقات أن تفاقم الوضع الجيوسياسي قد يشطب بين ليلة وضحاها على سنوات من التعاون الاقتصادي.
يذكر أن حادثة القاذفة الروسية وضعت التعاون الاقتصادي بين روسيا وتركيا في كافة المجالات على المحك، إلا أن اعتذار أردوغان أسفر عن بدء تطبيعها بشكل تدريجي، كما دفعت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في منتصف يوليو/تموز الماضي، نحو مزيد من التقارب.
ومنذ ذلك الحين، عقد بوتين وأردوغان ثلاثة لقاءات خلال شهرين فقط، كان أولها في العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبورغ، ثم على هامش قمة مجموعة الدول العشرين في الصين، بالإضافة إلى القمة الأخيرة في إطار مؤتمر الطاقة العالمي في إسطنبول.