12 نوفمبر 2024
التغلغل الإسرائيلي الجديد في أفريقيا
بينما يرزح العالم العربي تحت وطأة الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي وضربات الإرهاب الجهادي المتوحش، وفي ظل تفاقم حدّة الخلافات بين الدول الأشقاء، تستغل إسرائيل تراجع الدور والنفوذ العربيين في أفريقيا، كي تستكمل تغلغلها في القارة الأفريقية، ومن أجل توثيق علاقاتها مع دولٍ كانت، حتى وقت قريب، من أشد مناصري القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والمعادين لدولة إسرائيل.
تشكل الأحداث التي شهدتها الأسابيع الماضية على هذا الصعيد أكبر دليلٍ على الشوط الكبير الذي قطعته إسرائيل في ترسيخ علاقاتها في القارة الأفريقية وتوسيعها. ففي مطلع الشهر الجاري، برزت مشاركة رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، في المؤتمر الذي عقدته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في ليبيريا، واستغل المناسبة للإعلان عن انتهاء الأزمة بين بلاده والسنغال، بسبب إقدام السنغال ونيوزيلندا على تقديم قرار مجلس الأمن الدولي 2334 إلى مجلس الأمن الذي يدين الاستيطان في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وحصوله على أكثرية 14 عضواً، بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت.
كما برزت زيارة رئيس الحكومة الإثيوبية، هيلي مريام ديسالين، إسرائيل في الأسبوع الأول من شهر يونيو/ حزيران برفقة 13 وزيراً، وتم فيها توقيع اتفاقات تعاون. دفع ذلك كله وغيره جامعة الدول العربية إلى دق ناقوس الخطر، والتحذير من مغبة خسارة الدول العربية لنفوذها في القارة الأفريقية، فأصدرت بياناً أعربت فيه عن قلقها من العودة الإسرائيلية النشطة إلى القارة الأفريقية، ودعت إلى مناقشة الموضوع في اجتماعها المقبل. والسؤال كيف سيؤثر
التغلغل الإسرائيلي على مواقف هذه الدول من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وعلى تصويتها في المحافل الدولية؟ وأي انعكاسات بعيدة المدى لذلك على مستقبل العلاقات الأفريقية العربية.
شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، في الماضي، صعوداً وهبوطا كثيرين. ففي سنة 1960، كانت إسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع 33 دولة أفريقية. بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، قطعت دول كثيرة في القارة الأفريقية علاقاتها بإسرائيل. لكن هذه العلاقات ما لبثت أن عادت تدريجياً بدءاً من الثمانينيات، نتيجة عدة عوامل، منها: توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل؛ تورط أنظمة عربية في نزاعات بين الدول الأفريقية؛ وتدهور الأوضاع الاقتصادية في أفريقيا، نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
على الصعيد الإسرائيلي، كان اهتمام الحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت على الحكم بالعلاقات الأفريقية يتصاعد أو يتراجع، بحسب سلم الأولويات الحكومية. لكن، منذ مجيء بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة سنة 2009، لا سيما خلال ولاية حكومته الثانية، شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية قفزة نوعية، سواء على مستوى حجم تبادل الزيارات الرسمية بين إسرائيل وهذه الدول، أو على صعيد مجالات التعاون الاقتصادي مع القارة الأفريقية. وقد جسدت جولة نتنياهو الأفريقية، في صيف العام الماضي، على أكثر من سبع دول أفريقية قمة هذا المسار. كما شهدت السنوات الأخيرة أيضاً محاولاتٍ حثيثةً لتوطيد العلاقات مع دول أفريقية ذات أغلبية إسلامية، مثل مالي وغينيا. ويرى خبراء أن إسرائيل تحولت، أخيرا، إلى منافس اقتصادي جدي لكل من فرنسا والولايات المتحدة والصين وتركيا في السوق الأفريقية.
ثمّة أهداف أساسية لهذا التوغل الإسرائيلي في أفريقيا، تتقدمها أهداف ذات طابع استراتيجي- أمني لحماية مصالح إسرائيل في القارة الأفريقية؛ وأهداف اقتصادية ترمي إلى تطوير التعاون الاقتصادي مع هذه الدول، من خلال تسويق الخبرات الإسرائيلية، خصوصا في الزراعة، والصحة، والتعليم، والتكنولوجيات الحديثة؛ وأهداف سياسية في طليعتها الحصول على دعم هذه الدول لها في المحافل الدولية.
وبالفعل، بدأت نواتج التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا بالظهور، ففي التصويت أخيرا على قرار
"اليونسكو"، في الشهر الماضي، المعارض فرض السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس، صوتت توغو مع إسرائيل، وصوتت السنغال ونيجيريا ضدها، وامتنعت الكاميرون، وساحل العاج، وغانا، وغينيا عن التصويت.
والواضح أن إسرائيل تستغل تراجع الدور العربي وغيابه عن الساحة الأفريقية، لكي تعزّز وجودها ونفوذها. وهي تحاول الاستفادة من تردّي الأوضاع الداخلية العربية، لكي تثبت للدول الأفريقية أن عليها ألا تخشى، بعد الآن، من الغضب العربي إذا وقفت إلى جانبها. وهي حالياً تستغل الأزمة الناشبة بين قطر والسعودية، والضغوط التي تمارسها الأخيرة على بعض الأنظمة في الدول الأفريقية الواقعة تحت تأثيرها لقطع علاقاتها بقطر، لتعزيز نفوذها.
ثمّة شك في نجاح مناقشات جامعة الدول العربية في مواجهة هذه الهجمة الإسرائيلية على أفريقيا، ويبدو أن من الصعب أن تؤدي هذه النقاشات إلى إيجاد الحلول لتراجع الدور العربي وغيابه عن الساحة الأفريقية.
تشكل الأحداث التي شهدتها الأسابيع الماضية على هذا الصعيد أكبر دليلٍ على الشوط الكبير الذي قطعته إسرائيل في ترسيخ علاقاتها في القارة الأفريقية وتوسيعها. ففي مطلع الشهر الجاري، برزت مشاركة رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، في المؤتمر الذي عقدته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في ليبيريا، واستغل المناسبة للإعلان عن انتهاء الأزمة بين بلاده والسنغال، بسبب إقدام السنغال ونيوزيلندا على تقديم قرار مجلس الأمن الدولي 2334 إلى مجلس الأمن الذي يدين الاستيطان في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وحصوله على أكثرية 14 عضواً، بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت.
كما برزت زيارة رئيس الحكومة الإثيوبية، هيلي مريام ديسالين، إسرائيل في الأسبوع الأول من شهر يونيو/ حزيران برفقة 13 وزيراً، وتم فيها توقيع اتفاقات تعاون. دفع ذلك كله وغيره جامعة الدول العربية إلى دق ناقوس الخطر، والتحذير من مغبة خسارة الدول العربية لنفوذها في القارة الأفريقية، فأصدرت بياناً أعربت فيه عن قلقها من العودة الإسرائيلية النشطة إلى القارة الأفريقية، ودعت إلى مناقشة الموضوع في اجتماعها المقبل. والسؤال كيف سيؤثر
شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، في الماضي، صعوداً وهبوطا كثيرين. ففي سنة 1960، كانت إسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع 33 دولة أفريقية. بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، قطعت دول كثيرة في القارة الأفريقية علاقاتها بإسرائيل. لكن هذه العلاقات ما لبثت أن عادت تدريجياً بدءاً من الثمانينيات، نتيجة عدة عوامل، منها: توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل؛ تورط أنظمة عربية في نزاعات بين الدول الأفريقية؛ وتدهور الأوضاع الاقتصادية في أفريقيا، نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
على الصعيد الإسرائيلي، كان اهتمام الحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت على الحكم بالعلاقات الأفريقية يتصاعد أو يتراجع، بحسب سلم الأولويات الحكومية. لكن، منذ مجيء بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة سنة 2009، لا سيما خلال ولاية حكومته الثانية، شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية قفزة نوعية، سواء على مستوى حجم تبادل الزيارات الرسمية بين إسرائيل وهذه الدول، أو على صعيد مجالات التعاون الاقتصادي مع القارة الأفريقية. وقد جسدت جولة نتنياهو الأفريقية، في صيف العام الماضي، على أكثر من سبع دول أفريقية قمة هذا المسار. كما شهدت السنوات الأخيرة أيضاً محاولاتٍ حثيثةً لتوطيد العلاقات مع دول أفريقية ذات أغلبية إسلامية، مثل مالي وغينيا. ويرى خبراء أن إسرائيل تحولت، أخيرا، إلى منافس اقتصادي جدي لكل من فرنسا والولايات المتحدة والصين وتركيا في السوق الأفريقية.
ثمّة أهداف أساسية لهذا التوغل الإسرائيلي في أفريقيا، تتقدمها أهداف ذات طابع استراتيجي- أمني لحماية مصالح إسرائيل في القارة الأفريقية؛ وأهداف اقتصادية ترمي إلى تطوير التعاون الاقتصادي مع هذه الدول، من خلال تسويق الخبرات الإسرائيلية، خصوصا في الزراعة، والصحة، والتعليم، والتكنولوجيات الحديثة؛ وأهداف سياسية في طليعتها الحصول على دعم هذه الدول لها في المحافل الدولية.
وبالفعل، بدأت نواتج التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا بالظهور، ففي التصويت أخيرا على قرار
والواضح أن إسرائيل تستغل تراجع الدور العربي وغيابه عن الساحة الأفريقية، لكي تعزّز وجودها ونفوذها. وهي تحاول الاستفادة من تردّي الأوضاع الداخلية العربية، لكي تثبت للدول الأفريقية أن عليها ألا تخشى، بعد الآن، من الغضب العربي إذا وقفت إلى جانبها. وهي حالياً تستغل الأزمة الناشبة بين قطر والسعودية، والضغوط التي تمارسها الأخيرة على بعض الأنظمة في الدول الأفريقية الواقعة تحت تأثيرها لقطع علاقاتها بقطر، لتعزيز نفوذها.
ثمّة شك في نجاح مناقشات جامعة الدول العربية في مواجهة هذه الهجمة الإسرائيلية على أفريقيا، ويبدو أن من الصعب أن تؤدي هذه النقاشات إلى إيجاد الحلول لتراجع الدور العربي وغيابه عن الساحة الأفريقية.
دلالات
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024