لم يشهد واقع التعليم في العراق موقفاً مضطرباً ومأساوياً على مدى سنوات طويلة أكثر مما يمر به اليوم من تحديات، بسبب احتلال تنظيم "داعش" مدناً ومناطق عدة من البلاد، منذ ما يزيد عن عام، إضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة.
الأمر الذي خلف مشاكل كبيرة وقع ثقلها على مسيرة التعليم ومستوياته وتوجهاته أيضاً، فالمئات من الطلبة اضطروا إلى ترك سنتهم الدراسية بعد الاحتلال ونزحوا إلى مناطق وسط وجنوب العراق، أو إلى محافظات إقليم كردستان، وعطلت الدراسة في سبع جامعات عراقية تقع تحت سيطرة داعش في محافظات نينوى وتكريت ومحافظة صلاح الدين، وجامعتي الأنبار والفلوجة.
كما طفت إلى السطح مشكلة مدارس المناطق الساخنة والواقعة خارج سلطة الدولة، الأمر الذي سبب فوضى كبيرة وعدم قدرة المدارس في مناطق هجرتهم على استيعابهم، أو توفير متطلبات العملية التربوية لهم. مقابل ذلك تحاول وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي مداراة المشكلة بحلول وصفها مختصون بـ (الترقيعية)، والتي لم تسهم إلا في حلِّ الجزء اليسير من المشكلة.
ملف الطلبة
تقول المصادر التوثيقية لدى وزارة التربية العراقية، إن ملف الطلبة يعد من أصعب الملفات التي تواجه عملهم، وإن هناك المئات من النازحين بانتظار فرصهم في التعليم مقابل محاولات خجولة من الجهات الحكومية، لأجل تعويضهم ما فاتهم وكذلك استمرارهم في مراحلهم التعليمية، وفي إيجاد مدارس بديلة وكادر تدريسي وتربوي مختص.
لكن الحال لا يتشابه مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، التي خيبت آمال الطلاب عندما أعلنت، وفي بيان رسمي صدر عنها، أنها تعتبر أساتذة وطلبة الجامعات في المناطق التي تسيطر عليها داعش "في إجازة مفتوحة" إلى حين تحرير مناطقهم، وأنها لن تمنح شهاداتها للطلبة الذين درسوا تحت سيطرة داعش، في حين تم اعتبار السنة الدراسية لطلبة تلك الجامعات سنة عدم رسوب وعدم نجاح في الوقت ذاته، أي تعطيل الدراسة لهم.
وقد أشارت مصادر إحصائية إلى أن مجموع الطلبة الدارسين في تلك الجامعات يبلغ أكثر من 116 ألف طالب وطالبة، بعضهم استطاعوا النزوح وبعضهم الآخر اضطر إلى البقاء في المدن التي تسيطر عليها داعش.
أوضاع النازحين
ونقل تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أخيراً، صورة مأساوية لأوضاع النازحين في العراق، مشيراً إلى أن عددهم وصل مليوناً و800 ألف نازح، يتنافسون على الموارد والخدمات الاجتماعية المحدودة والمتفاقمة، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وعن آلية التعامل مع ملف الطلبة النازحين من وزارة التربية، قال وزير التربية العراقي، الدكتور محمد إقبال، في تصريح خص به "العربي الجديد" : "لا يمكن تجاهل قول، إن ملف النازحين من أكثر الملفات صعوبة على الوزارة، فهناك الآلاف من النازحين الذين نزحوا من أكثر من محافظة، إلى ثلاث محافظات في الإقليم، وكذلك محافظات الوسط والجنوب، في حين أن الإمكانيات محدودة جداً لاستيعابهم، لكننا مع ذلك قمنا باستقبالهم في عدد من المدارس، وافتتاح مدارس أخرى لهم، وقد اعتمدنا بداية الأمر تأجير الفنادق والبنايات والجملونات وتأجير الأراضي، أيضاً، وتأجير مدارس أهلية بأوقات دوام ثنائي وثلاثي، وأوصلنا الكتب والقرطاسية لهم خلال العام الماضي أو العام الجديد".
اقرأ أيضا:في العراق.. ألف مدرسة من "طين"
وكان الوزير قد أعلن، في وقت سابق، أن العراق بحاجة إلى بناء عشرة آلاف مدرسة جديدة لتلبية حاجاته التربوية، بعدما تضرر العديد من منشآته التربوية جراء أعمال العنف في البلاد.
نازحون من بغداد وصلاح الدين ومدينة الموصل شكوا من صعوبة تسجيل أبنائهم في مدارس محافظة السليمانية الكردية بعد نزوحهم إليها، بسبب الزخم الحاصل فيها، مما أجبر بعضهم على تسجيل أبنائهم في مدارس كردية لضمان استمرارهم في التعليم وعدم ضياع السنة الدراسية.
الأمر الذي حاولت علاجه كل من وزارة التربية في حكومة إقليم كردستان والتربية الاتحادية، باللجوء إلى بناء كرفانات لحل أزمة الطلبة النازحين البالغ عددهم عشرة آلاف طالب وطالبة، وتدرس فيها مناهج الحكومة المركزية أو المناهج العربية في الإقليم، وتكون كلفة إنشائها على نفقة الحكومة المركزية.
وبحسب المصادر الرسمية فإن الإقليم يؤوي مليوناً ونصف مليون نازح، والذين توزعوا على مدنه الرئيسية والمخيمات التي تم تأسيسها بعد أحداث الموصل في الـ 10 من يونيو/حزيران الماضي.
إجراء الامتحانات
يقول المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق، كاظم عمران، إن الوزارة قامت بإجراءات عدة لأجل استيعاب أزمة النازحين في الدراسات الأولية والعليا، تركزت على استكمال الامتحانات النهائية للدور الأول، وإجراء امتحانات الدور الثاني للطلبة النازحين في جامعات المناطق الآمنة.
مضيفاً أن "الإجراءات شملت، أيضاً، احتساب سنة عدم رسوب لجميع الطلبة للسنة الدراسية 2013-2014، وتأجيل دراسة الذين لم يتمكنوا من أداء الامتحانات لصعوبة الخروج من محافظاتهم، كذلك إعفاء الطلبة النازحين من أجور الدراسة المسائية في الجامعات كافة، وفتح باب تنسيب التدريسيين من جامعات الموصل ونينوى والحمدانية وتلعفر وتكريت والأنبار والفلوجة أو نقلهم إلى جامعات المناطق الآمنة، وإنشاء مواقع بديلة لهذه الجامعات في المناطق الآمنة.
لكنّ مراقبين يصفون تلك المبادرات بـ (الترقيعية ) كونها لم تستوعب حل كل مشاكل الطلبة الذين يعانون من التهجير ومن فقدانهم أوراقهم الرسمية.
وترافقت، مع مشكلة الطلبة النازحين، مشكلة توفير المدارس الملائمة لهم، بعد أن تضررت مدارس كثيرة في عدد من المحافظات العراقية بسبب الأحداث الأمنية أو القصف أو بسبب استخدامها كمقارّ للتنظيم الإرهابي "داعش". وتقول مصادر إحصائية رسمية، إن العراق بحاجة ماسة إلى أكثر من 8 آلاف مدرسة جديدة لاستيعاب نسبة النمو الكبيرة في البلاد، والتي تقدر بثلاثة ونصف في المائة سنوياً، كذلك الحاجة إلى بناء المدارس والمعاهد والإعداديات، بعد موجة النزوح، فعدد طلبة مدينة الموصل وحدها يبلغ 700 ألف طالب، وهو عدد كبير جداً يعادل نفوس محافظة كاملة، مع العلم أن أكثر طلاب الموصل محتجزون تحت سيطرة "داعش"، وكانت محافظة كركوك قد كشفت عن وجود 620 مدرسة في مناطق جنوب غربي كركوك تقع تحت سيطرة التنظيم.
مدارس بديلة
يقول حازم الدوري، وهو تدريسي هرب من الموصل إلى بغداد بعد احتلالها من داعش : "هناك أزمة كبيرة تعترض سير العملية التربوية في العراق، خصوصاً وأن معظم الطلبة عجزوا عن إيجاد مدارس بديلة تحتويهم أو حتى توفر الظروف الملائمة للانخراط في مدارس بديلة، لأن نصف عوائلهم ما تزال داخل المناطق المحتلة".
أما أم مصطفى، فهي تواجه مشكلة كبيرة في تدريس ولدها ذي التسعة أعوام، لأنه أمضى شهوراً طويلة من عامه الدراسي تحت وطأة الهجوم والنزوح والتهديد، قبل أن يرحلوا عن مناطقهم التابعة لمحافظة صلاح الدين، الأمر الذي غدا معه موضوع التعليم شيئاً ثانويّاً أمام ما يواجهونه من مصاعب.
وتحدثت أم الصبي يوسف، من محافظة الرمادي، عن معاناتها لتسجيل ولدها في مدرسة بديلة في بغداد، لأن معظم المدارس استقبلت أعداداً كبيرة منهم بالفعل.
أسعد الجبوري، 23عاماً، نزح مع مجموعة من الطلبة من مدينة الفلوجة إلى محافظة بغداد ومن بعدها غادرها إلى محافظة السليمانية في إقليم كردستان. كان في انتظار تخرجه من الجامعة بعد أن أدى امتحاناته في كلية التربية، لكن أزمة النزوح أجلت كل أحلامه، والحال ذاته بالنسبة لبقية الطلبة، الذين يأملون أن تنتهي أزمتهم بسرعة للحاق بدراستهم ونيلهم الشهادة.
اقرأ أيضا:الإجازة الصيفية سجنٌ لأطفال العراق
والحال مع مدارس العاصمة بغداد لا تختلف كثيراً، إذ أضحت أزمة الأبنية المدرسية مشكلة تؤرق البنية التدريسية بلا أمل لعلاجها، وصارت الكثير من المدارس، خصوصاً في المناطق الشعبية المزدحمة بالسكان، تتبع نظام الدوام الثلاثي، وبعضها يحصر طلبته في صفوف غير نظامية يزيد عدد الصف الواحد فيها عن 70 طالباً، في حين أن طاقته الاستيعابية فقط 30 طالباً. وفي أوقات الامتحانات يلجأون إلى توزيع الطلاب في ساحة المدرسة لأداء الامتحان على الأرض لضمان عدم الغش.
نقص في الكتب
لم تكن داعش وحدها مَنْ هدّد التعليم في العراق، فقد حلت الظروف الاقتصادية المتردية، بعد تراجع أسعار النفط ودخول البلاد مرحلة التقشف، إلى أزمة أخرى في تجهيز الكتب والأبنية المدرسية، لاستقبال الزيادات الحاصلة في أعداد الطلبة. تقول سلامة الحسن، المتحدثة باسم وزارة التربية: "الظروف الاقتصادية الحرجة التي يمر بها البلد أثرت كثيراً على مستوى التعليم في العراق".
وتضيف: "قمنا ببعض الإجراءات البديلة لأجل تأمين الامتحانات النهائية للطلبة، الذين شهدت مناطقهم مواجهات، وكذلك الاستمرار في قبول الطلبة واستضافة التلاميذ والطلبة النازحين من المناطق الساخنة".
أما بخصوص تحديث المناهج الدراسية لمواكبة التطور الحاصل في كل ميادين الحياة، فقد حصل أن خاض العراق مثله مثل العديد من الدول العربية تغييراً في مناهجه الدراسية، وقد ظهر ذلك أولاً بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، لكنها لم تكن مدروسة، ووقع بعضها في فخ الطائفية عبر إضافات وتلميحات شكا منها التدريسيون وعزف بعضهم عن تدريسها للطالب، خصوصاً مناهج المراحل الابتدائية في مادتي التربية الإسلامية والتاريخ.
وبعد كل ما تعرض له قطاع التعليم في العراق، والذي تسبب في تسرب أعداد من الطلبة وتفشي الأمية، حتى أن تقريراً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، صدر في سبتمبر/أيلول 2010، كشف عن أن نسبة الأمية بين أطياف الشعب العراقي تقدر بـ 20% وأن النساء هن الأكثر تأثراً لا سيما في المناطق الريفية، وأن هنالك نحو مليون ومائتي طالب يتركون الدراسة كل ثلاث سنوات، بسبب ما وصفوه بضعف البنية التحتية للتعليم، والتدخل السياسي في الجامعات وعدم وجود استراتيجية لقطاع التعليم العالي، مما ساعد على إبراز عوامل تبعث على "القلق الشديد" من تدني الواقع التعليمي في العراق.
"يونسكو" تسد الثغرات
وعملت منظمات دولية على تقديم الدعم للنازحين، ومن بين ذلك ما قامت به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) مركز (العدالة) عبر تهيئة دروس التقوية للطلبة النازحين، وهو مشروع لسد الثغرات في التعليم الثانوي للفتيان في مجمعات النازحين في العراق، مع توسيع نطاق التعليم الثانوي للنازحين السوريين إلى العراق بتمويل من حكومة اليابان.
وبحسب معنيين عن المشروع، فإنه يهدف إلى تعزيز قدرات الطلاب، مع التركيز على البنات، لإكمال دراستهم وتنمية قدراتهم وتعويضهم عمّا فاتهم من الدراسة، بعد نزوحهم من مناطقهم بسبب الأوضاع الأمنية المتردية. وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، إن عدد النازحين في العراق بلغ مليونَين و250 ألفَ مواطن.
بعد استعراض واقع التعليم في العراق، فإنه يحتاج، كي يستعيد مكانته، إلى جهود كبيرة للتغيير واللحاق بركب المناهج والأساليب التربوية الحديثة، من أهمها تحديث النظم التعليمية، وزيادة كفاءة المدرس، وتحسين المناهج وطرق التدريس، والاهتمام بالبنية التحتية للتعليم، وعوامل عديدة. وعندما يصل العراق إلى مستوى التسجيل الشامل في نظام التعليم، فإنه يكون قد حقق التزاماته في مجال حقوق الإنسان، ويكون قد حقق كذلك الأهداف التي وضعها المجتمع الدولي في ظل سياسة "التعليم للجميع"، وسيكون قد حقق الغاية الأهم، وهي رفد المجتمع بأجيال قادرة على الإنتاج المادي والفكري ومواكبة تحديات العصر.
اقرأ أيضا: 12 آلية لحماية المدارس ضد الهجمات المسلحة
الأمر الذي خلف مشاكل كبيرة وقع ثقلها على مسيرة التعليم ومستوياته وتوجهاته أيضاً، فالمئات من الطلبة اضطروا إلى ترك سنتهم الدراسية بعد الاحتلال ونزحوا إلى مناطق وسط وجنوب العراق، أو إلى محافظات إقليم كردستان، وعطلت الدراسة في سبع جامعات عراقية تقع تحت سيطرة داعش في محافظات نينوى وتكريت ومحافظة صلاح الدين، وجامعتي الأنبار والفلوجة.
كما طفت إلى السطح مشكلة مدارس المناطق الساخنة والواقعة خارج سلطة الدولة، الأمر الذي سبب فوضى كبيرة وعدم قدرة المدارس في مناطق هجرتهم على استيعابهم، أو توفير متطلبات العملية التربوية لهم. مقابل ذلك تحاول وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي مداراة المشكلة بحلول وصفها مختصون بـ (الترقيعية)، والتي لم تسهم إلا في حلِّ الجزء اليسير من المشكلة.
ملف الطلبة
تقول المصادر التوثيقية لدى وزارة التربية العراقية، إن ملف الطلبة يعد من أصعب الملفات التي تواجه عملهم، وإن هناك المئات من النازحين بانتظار فرصهم في التعليم مقابل محاولات خجولة من الجهات الحكومية، لأجل تعويضهم ما فاتهم وكذلك استمرارهم في مراحلهم التعليمية، وفي إيجاد مدارس بديلة وكادر تدريسي وتربوي مختص.
لكن الحال لا يتشابه مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، التي خيبت آمال الطلاب عندما أعلنت، وفي بيان رسمي صدر عنها، أنها تعتبر أساتذة وطلبة الجامعات في المناطق التي تسيطر عليها داعش "في إجازة مفتوحة" إلى حين تحرير مناطقهم، وأنها لن تمنح شهاداتها للطلبة الذين درسوا تحت سيطرة داعش، في حين تم اعتبار السنة الدراسية لطلبة تلك الجامعات سنة عدم رسوب وعدم نجاح في الوقت ذاته، أي تعطيل الدراسة لهم.
وقد أشارت مصادر إحصائية إلى أن مجموع الطلبة الدارسين في تلك الجامعات يبلغ أكثر من 116 ألف طالب وطالبة، بعضهم استطاعوا النزوح وبعضهم الآخر اضطر إلى البقاء في المدن التي تسيطر عليها داعش.
أوضاع النازحين
ونقل تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أخيراً، صورة مأساوية لأوضاع النازحين في العراق، مشيراً إلى أن عددهم وصل مليوناً و800 ألف نازح، يتنافسون على الموارد والخدمات الاجتماعية المحدودة والمتفاقمة، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وعن آلية التعامل مع ملف الطلبة النازحين من وزارة التربية، قال وزير التربية العراقي، الدكتور محمد إقبال، في تصريح خص به "العربي الجديد" : "لا يمكن تجاهل قول، إن ملف النازحين من أكثر الملفات صعوبة على الوزارة، فهناك الآلاف من النازحين الذين نزحوا من أكثر من محافظة، إلى ثلاث محافظات في الإقليم، وكذلك محافظات الوسط والجنوب، في حين أن الإمكانيات محدودة جداً لاستيعابهم، لكننا مع ذلك قمنا باستقبالهم في عدد من المدارس، وافتتاح مدارس أخرى لهم، وقد اعتمدنا بداية الأمر تأجير الفنادق والبنايات والجملونات وتأجير الأراضي، أيضاً، وتأجير مدارس أهلية بأوقات دوام ثنائي وثلاثي، وأوصلنا الكتب والقرطاسية لهم خلال العام الماضي أو العام الجديد".
اقرأ أيضا:في العراق.. ألف مدرسة من "طين"
وكان الوزير قد أعلن، في وقت سابق، أن العراق بحاجة إلى بناء عشرة آلاف مدرسة جديدة لتلبية حاجاته التربوية، بعدما تضرر العديد من منشآته التربوية جراء أعمال العنف في البلاد.
نازحون من بغداد وصلاح الدين ومدينة الموصل شكوا من صعوبة تسجيل أبنائهم في مدارس محافظة السليمانية الكردية بعد نزوحهم إليها، بسبب الزخم الحاصل فيها، مما أجبر بعضهم على تسجيل أبنائهم في مدارس كردية لضمان استمرارهم في التعليم وعدم ضياع السنة الدراسية.
الأمر الذي حاولت علاجه كل من وزارة التربية في حكومة إقليم كردستان والتربية الاتحادية، باللجوء إلى بناء كرفانات لحل أزمة الطلبة النازحين البالغ عددهم عشرة آلاف طالب وطالبة، وتدرس فيها مناهج الحكومة المركزية أو المناهج العربية في الإقليم، وتكون كلفة إنشائها على نفقة الحكومة المركزية.
وبحسب المصادر الرسمية فإن الإقليم يؤوي مليوناً ونصف مليون نازح، والذين توزعوا على مدنه الرئيسية والمخيمات التي تم تأسيسها بعد أحداث الموصل في الـ 10 من يونيو/حزيران الماضي.
إجراء الامتحانات
يقول المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق، كاظم عمران، إن الوزارة قامت بإجراءات عدة لأجل استيعاب أزمة النازحين في الدراسات الأولية والعليا، تركزت على استكمال الامتحانات النهائية للدور الأول، وإجراء امتحانات الدور الثاني للطلبة النازحين في جامعات المناطق الآمنة.
مضيفاً أن "الإجراءات شملت، أيضاً، احتساب سنة عدم رسوب لجميع الطلبة للسنة الدراسية 2013-2014، وتأجيل دراسة الذين لم يتمكنوا من أداء الامتحانات لصعوبة الخروج من محافظاتهم، كذلك إعفاء الطلبة النازحين من أجور الدراسة المسائية في الجامعات كافة، وفتح باب تنسيب التدريسيين من جامعات الموصل ونينوى والحمدانية وتلعفر وتكريت والأنبار والفلوجة أو نقلهم إلى جامعات المناطق الآمنة، وإنشاء مواقع بديلة لهذه الجامعات في المناطق الآمنة.
لكنّ مراقبين يصفون تلك المبادرات بـ (الترقيعية ) كونها لم تستوعب حل كل مشاكل الطلبة الذين يعانون من التهجير ومن فقدانهم أوراقهم الرسمية.
وترافقت، مع مشكلة الطلبة النازحين، مشكلة توفير المدارس الملائمة لهم، بعد أن تضررت مدارس كثيرة في عدد من المحافظات العراقية بسبب الأحداث الأمنية أو القصف أو بسبب استخدامها كمقارّ للتنظيم الإرهابي "داعش". وتقول مصادر إحصائية رسمية، إن العراق بحاجة ماسة إلى أكثر من 8 آلاف مدرسة جديدة لاستيعاب نسبة النمو الكبيرة في البلاد، والتي تقدر بثلاثة ونصف في المائة سنوياً، كذلك الحاجة إلى بناء المدارس والمعاهد والإعداديات، بعد موجة النزوح، فعدد طلبة مدينة الموصل وحدها يبلغ 700 ألف طالب، وهو عدد كبير جداً يعادل نفوس محافظة كاملة، مع العلم أن أكثر طلاب الموصل محتجزون تحت سيطرة "داعش"، وكانت محافظة كركوك قد كشفت عن وجود 620 مدرسة في مناطق جنوب غربي كركوك تقع تحت سيطرة التنظيم.
مدارس بديلة
يقول حازم الدوري، وهو تدريسي هرب من الموصل إلى بغداد بعد احتلالها من داعش : "هناك أزمة كبيرة تعترض سير العملية التربوية في العراق، خصوصاً وأن معظم الطلبة عجزوا عن إيجاد مدارس بديلة تحتويهم أو حتى توفر الظروف الملائمة للانخراط في مدارس بديلة، لأن نصف عوائلهم ما تزال داخل المناطق المحتلة".
أما أم مصطفى، فهي تواجه مشكلة كبيرة في تدريس ولدها ذي التسعة أعوام، لأنه أمضى شهوراً طويلة من عامه الدراسي تحت وطأة الهجوم والنزوح والتهديد، قبل أن يرحلوا عن مناطقهم التابعة لمحافظة صلاح الدين، الأمر الذي غدا معه موضوع التعليم شيئاً ثانويّاً أمام ما يواجهونه من مصاعب.
وتحدثت أم الصبي يوسف، من محافظة الرمادي، عن معاناتها لتسجيل ولدها في مدرسة بديلة في بغداد، لأن معظم المدارس استقبلت أعداداً كبيرة منهم بالفعل.
أسعد الجبوري، 23عاماً، نزح مع مجموعة من الطلبة من مدينة الفلوجة إلى محافظة بغداد ومن بعدها غادرها إلى محافظة السليمانية في إقليم كردستان. كان في انتظار تخرجه من الجامعة بعد أن أدى امتحاناته في كلية التربية، لكن أزمة النزوح أجلت كل أحلامه، والحال ذاته بالنسبة لبقية الطلبة، الذين يأملون أن تنتهي أزمتهم بسرعة للحاق بدراستهم ونيلهم الشهادة.
اقرأ أيضا:الإجازة الصيفية سجنٌ لأطفال العراق
والحال مع مدارس العاصمة بغداد لا تختلف كثيراً، إذ أضحت أزمة الأبنية المدرسية مشكلة تؤرق البنية التدريسية بلا أمل لعلاجها، وصارت الكثير من المدارس، خصوصاً في المناطق الشعبية المزدحمة بالسكان، تتبع نظام الدوام الثلاثي، وبعضها يحصر طلبته في صفوف غير نظامية يزيد عدد الصف الواحد فيها عن 70 طالباً، في حين أن طاقته الاستيعابية فقط 30 طالباً. وفي أوقات الامتحانات يلجأون إلى توزيع الطلاب في ساحة المدرسة لأداء الامتحان على الأرض لضمان عدم الغش.
نقص في الكتب
لم تكن داعش وحدها مَنْ هدّد التعليم في العراق، فقد حلت الظروف الاقتصادية المتردية، بعد تراجع أسعار النفط ودخول البلاد مرحلة التقشف، إلى أزمة أخرى في تجهيز الكتب والأبنية المدرسية، لاستقبال الزيادات الحاصلة في أعداد الطلبة. تقول سلامة الحسن، المتحدثة باسم وزارة التربية: "الظروف الاقتصادية الحرجة التي يمر بها البلد أثرت كثيراً على مستوى التعليم في العراق".
وتضيف: "قمنا ببعض الإجراءات البديلة لأجل تأمين الامتحانات النهائية للطلبة، الذين شهدت مناطقهم مواجهات، وكذلك الاستمرار في قبول الطلبة واستضافة التلاميذ والطلبة النازحين من المناطق الساخنة".
أما بخصوص تحديث المناهج الدراسية لمواكبة التطور الحاصل في كل ميادين الحياة، فقد حصل أن خاض العراق مثله مثل العديد من الدول العربية تغييراً في مناهجه الدراسية، وقد ظهر ذلك أولاً بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، لكنها لم تكن مدروسة، ووقع بعضها في فخ الطائفية عبر إضافات وتلميحات شكا منها التدريسيون وعزف بعضهم عن تدريسها للطالب، خصوصاً مناهج المراحل الابتدائية في مادتي التربية الإسلامية والتاريخ.
وبعد كل ما تعرض له قطاع التعليم في العراق، والذي تسبب في تسرب أعداد من الطلبة وتفشي الأمية، حتى أن تقريراً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، صدر في سبتمبر/أيلول 2010، كشف عن أن نسبة الأمية بين أطياف الشعب العراقي تقدر بـ 20% وأن النساء هن الأكثر تأثراً لا سيما في المناطق الريفية، وأن هنالك نحو مليون ومائتي طالب يتركون الدراسة كل ثلاث سنوات، بسبب ما وصفوه بضعف البنية التحتية للتعليم، والتدخل السياسي في الجامعات وعدم وجود استراتيجية لقطاع التعليم العالي، مما ساعد على إبراز عوامل تبعث على "القلق الشديد" من تدني الواقع التعليمي في العراق.
"يونسكو" تسد الثغرات
وعملت منظمات دولية على تقديم الدعم للنازحين، ومن بين ذلك ما قامت به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) مركز (العدالة) عبر تهيئة دروس التقوية للطلبة النازحين، وهو مشروع لسد الثغرات في التعليم الثانوي للفتيان في مجمعات النازحين في العراق، مع توسيع نطاق التعليم الثانوي للنازحين السوريين إلى العراق بتمويل من حكومة اليابان.
وبحسب معنيين عن المشروع، فإنه يهدف إلى تعزيز قدرات الطلاب، مع التركيز على البنات، لإكمال دراستهم وتنمية قدراتهم وتعويضهم عمّا فاتهم من الدراسة، بعد نزوحهم من مناطقهم بسبب الأوضاع الأمنية المتردية. وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، إن عدد النازحين في العراق بلغ مليونَين و250 ألفَ مواطن.
بعد استعراض واقع التعليم في العراق، فإنه يحتاج، كي يستعيد مكانته، إلى جهود كبيرة للتغيير واللحاق بركب المناهج والأساليب التربوية الحديثة، من أهمها تحديث النظم التعليمية، وزيادة كفاءة المدرس، وتحسين المناهج وطرق التدريس، والاهتمام بالبنية التحتية للتعليم، وعوامل عديدة. وعندما يصل العراق إلى مستوى التسجيل الشامل في نظام التعليم، فإنه يكون قد حقق التزاماته في مجال حقوق الإنسان، ويكون قد حقق كذلك الأهداف التي وضعها المجتمع الدولي في ظل سياسة "التعليم للجميع"، وسيكون قد حقق الغاية الأهم، وهي رفد المجتمع بأجيال قادرة على الإنتاج المادي والفكري ومواكبة تحديات العصر.
اقرأ أيضا: 12 آلية لحماية المدارس ضد الهجمات المسلحة