التعذيب.. مسيرة مستمرة

14 يوليو 2014
+ الخط -

سجناء يقتلون في أماكن احتجازهم، والشرطة تنفي، أما النائب العام فيأمر بفتح باب التحقيق، بعد زوال كل أثر للجريمة، أصبح هذا هو المشهد السائد يومياً في مصر، من انتهاك وتستر على الجريمة وأصحابها.

يوم السبت الماضي وحده، استقبلت مشرحة زينهم في القاهرة ثلاث جثث من أقسام شرطية مختلفة، من مدينة نصر وإمبابة و6 أكتوبر، ولأن الإنسان، في نظر السلطة في مصر، أصبح بلا ثمن، على العكس من الإنسان الذي تشن إسرائيل من أجله الحروب المدمرة على غزة والضفة الغربية، فإن معدل التحرك للدفاع عن هذا الإنسان، المنتهكة كل حرياته وحرماته، لا تعادل حتى سرعة سلحفاة عرجاء مريضة.

يبدو أن السيسي وقياداته الأمنية يرفعون شعار الموت لكل من يخالف شريعة نظامهم، رغماً عن تقارير منظمات حقوق الإنسان، العالمية والمحلية، والتي تشير إلى انتهاج التعذيب والقتل داخل السجون والمعتقلات، كما ورد فى تقرير منظمة العفو الدولية، الصادر أخيراً، والمفصح عن روتينية التعذيب في مصر من قبل الشرطة، والمثير للدهشة في ملف التعذيب والموت في السجون أن نرى أشخاصاً ينكرون على الدولة ذلك الجرم، على الرغم من أنه من المفترض أن يكونوا من أهل الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنهم ينفون قطعياً حدوث عمليات تعذيب، أو اغتصاب، أو ما شابه ذلك داخل السجون والمعتقلات.

من هؤلاء المدافعين عن حمائمية نظام الانقلاب، ميرفت التلاوي، المتمتعة بمنصب رئيس المجلس القومي للمرأة، والتي قالت، لقناة البلد، إنه لا صحة لما تدعيه الفتيات السجينات من تعرضهن لما يمس حقوقهن، من منطلق أنها تقوم بزيارات ميدانية للسجون المصرية للاطمئنان على حالة السجينات، ومدى تطبيق المعايير الدولية في المحافظة على حقوقهن في فترة السجن.

هذا إمعان منها في الاستهتار بعقول المصريين، أما عن مسلك المركز القومي لحقوق الإنسان، فقد أخذ بنظرية تبادل الأدوار، فقد أعطى المجني عليه دور المتهم، بينما العكس هو الصحيح، إذ كشف، في تقريره الأخير، بمناسبة زيارته الميدانية لسجون النساء، أنه لا أثر لأعمال انتهاكات الشرطة، بل العكس هو الصحيح، فالسجينات هن اللاتي ينتهكن حقوق الدولة وحرياتها الأساسية، فهن من تشاجرن مع بعضهن محدثات إصابات، ويخلفن دماءً نتيجة لتمردهن.

أمام هذه الاستخفافات بالعقول من موظفي الدولة في قطاع العمل الحقوقي، تظهر تقارير حقوقية موضوعية، تبدد زعم هؤلاء، أحد هذه التقارير الدولية لمنظمة العفو الدولية، والتقرير المفصل لمركز النديم، الذي يتناول الفترة من 30 يوليو/تموز 2013، وحتى 13 مايو/أيار 2014، والذي استند إلى وقائع حقيقية، وبلغة توثيقية لحالات واقعية، مؤكداً أن التعذيب مازال اللغة الرسمية للشرطة، وأن حفلات التعذيب لـ"الزبائن" الجدد مستمرة.

الأشد سوءاً أن تحرك السلطة الحامية للشعب، ممثلة في النيابة العامة، يأتى متأخراً بفتح تحقيقٍ، يبدأ بالطب الشرعي، وينتهي متسرعاً بالحفظ القطعي لعدم ثبوت الأدلة، وكأن القاتل والمُعذِّب كائن فضائي، جاء من كوكب آخر، ليقتل ويسحق ويختفي، وليس مواطناً مصرياً يؤدي لبلده ما عليه من واجبات، متأملاً نيل ما له من حقوق.

avata
avata
إبراهيم صالح (مصر)
إبراهيم صالح (مصر)