التعديلات الدستورية في الأردن

21 ابريل 2016
العاهل الأردني عبد الله الثاني (فرانس برس)
+ الخط -
لمّا شكّل الملك عبدالله الثاني، لجنة لمراجعة الدستور الأردني الصادر عام 1952، والتعديلات التي أدخلت عليه، عادت اللجنة بأكثر من 42 تبديلاً وإضافةً وحذفاً. وأدخلت، بعد ذلك، عليه تعديلاتٍ أعطت الملك صلاحيات تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة مباشرة، من دون تنسيب بذلك من وزير الداخلية أو الدفاع ورئيس الوزراء.
وقد أثير السؤال حولها آنذاك، حول دوافعها. وكان الجواب من أنصار التعديل أن الملك يريد أن ينأى بهذين المنصبين المهمين عن التجاذب السياسي، خصوصاً متى أوصلت الإصلاحات السياسية إلى تحقيق رؤية الملك في الوصول إلى حكوماتٍ برلمانيةٍ قائمة على الأحزاب السياسية الفاعلة. وقيل كذلك إن وزارة الدفاع ستنشأ من جديد لتولي مهام محددة، باستثناء إدارة الجوانب العسكرية التي يتولاها الملك، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وأقرّ مجلس الوزراء الأردني، يوم الثلاثاء الماضي، عدداً من التعديلات الدستورية، أهمها أن الملك يعين مباشرة رئيس المجلس القضائي (رئيس السلطة التشريعية)، ورئيس المحكمة الدستورية وأعضاءها، ويعين مباشرة، كما حصل سابقاً مع الجيش ومديرية المخابرات، قائد الدرك، أي قوة الحراسات والأمن التي أنشأها الملك، للحفاظ على الأمن الداخلي من التهديدات الداخلية والخارجية المنعكسة على الداخل.
وبهذا التعديل، أصبحت قيادات القوى العسكرية والأمنية بيد الملك مباشرة. وفي هذا ترفيع لقوة الدرك التي أبلت بلاءً حسناً في فترة الربيع العربي، ورفعت من جاهزية الأمن الداخلي الأردني. أما الأمن العام، والدفاع المدني، فقد بقيت دوائر حكومية تعود في مرجعيتها إلى وزير الداخلية.
ونرى في هذا القرار استباقاً لتطبيق قانون اللامركزية، حيث يصبح الأمن العام (الشرطة)، والدفاع المدني خدمات تخضع في المحافظات لممثل وزارة الداخلية، أو المحافظ، بينما أصبح الجيش والمخابرات والدرك سلطاتٍ مركزية تقوم بأدوارها وتمارس صلاحياتها على كامل الأرض الأردنية.


أما التعديلات المتعلقة بتعيين رئيس المحكمة الدستورية وأعضاء تلك المحكمة ورئيس هيئة القضاء، فلأن النصوص الحالية في الدستور قبل التعديل الأخير جعلت التنسيب بتعيين هؤلاء من حق السلطة التنفيذية ممثلة بالوزير المختص ورئيس الوزراء. وكان هذا الوضع باستمرار موضع تساؤل في أمرين هامين: الأول، هل تتناسب فكرة تعيين رئيس القضاء ورئيس المحكمة الدستورية وأعضائها مع فكرة فصل السلطات. فإذا كان رئيس القضاء يُعيّن بتنسيبٍ من رئيس الوزراء، فهذا قد يعني أن رئيس القضاء قد يأخذ الأمر بالاعتبار، خصوصاً إذا كان اختيار رئيس الوزراء قد جاء بعد فوز حزبه أو ائتلافه الحزبي في الانتخابات التشريعية العامة. والسؤال الثاني: هل يجعل هذا التعديل المقترح الملك رئيساً للسلطات الثلاث، أم أنه يبقى رئيساً للسلطة التنفيذية، ويعمل مع السلطة التشريعية، وتنفذ الأحكام من خلال السلطة القضائية؟ الجواب واضح، وهو أن سلطة التعيين المباشرة التي سيمارسها الملك بعد الموافقة على التعديلات الدستورية لم تغير شيئاً في صنع القرار.
فالملك يعين رئيس الوزراء، ويصدر إرادةً ملكية بالموافقة على تنسيبات الرئيس بوزرائه. ولكن، يبقى هؤلاء تحت مساءلة السلطة التشريعية (مجلس النواب). وسيبقى حق طرح الثقة في الحكومة محفوظاً لمجلس النواب. ولذلك، فإن تعيين الملك قيادات الجيش والمخابرات والدرك لا تجعل هؤلاء بعيدين عن المساءلة البرلمانية. وسيبقى الملك يصدر عفواً عاماً أو خاصاً، أو تخفيف عقوبة كالإعدام مثلاً، بناءً على تنسيبٍ من مجلس الوزراء، بناءً على قرار من الهيئة القضائية المختصة التي أصدرت الحكم أصلاً.

أما التعديل الآخر الذي أقره مجلس الوزراء فهو عدم اعتبار الحكومة مستقيلة حكماً، إذا مات رئيس وزرائها، وإن أبقى النص على انتهاء الوزارة بكامل أعضائها إن استقال الرئيس. وقد شهد الأردن، في عهد المرحوم الملك الحسين، وفاة أربعة رؤساء وزراء في أثناء الخدمة، إبراهيم هاشم (1958)، هزاع المجالي (1959)، وصفي التل (1971)، وعبد الحميد شرف (1980). وفي كل مرة، كانت الحكومة تستقيل، وتعاد مراسم تشكيل حكومة برئاسة نائب رئيس الوزراء، أو أقدم الوزراء في الخدمة. أما الآن، فقد رؤي تجنب كل هذه المراسم، واستمرار الحكومة على حالها وقتاً مؤقتاً، حتى يتسنى تعيين رئيس وزراء جديد بطاقم وزاري جديد .
وأعاد التعديل الدستوري قبل الأخير النظر في التعديل الذي أدخله مجلس النواب على الدستور قبل ستة أعوام، يحول دون ممارسة حملة الجنسية المزدوجة حقهم أن يكونوا نواباً أو أعياناً أو وزراء. وفي بلدٍ كالأردن، يحمل عشرات الألوف من المؤهلين فيه جنسيةً أخرى، فقد حرمت هذه المناصب من كفاءتهم. ولما أصبح ذلك التعديل الدستوري ساري المفعول، قدّم أعيانٌ ونوابٌ ووزراء استقالاتهم. وعند التطبيق، امتنعت سفارات بعض الدول عن تقديم معلوماتٍ عن أشخاصٍ في تلك المناصب، اتهموا بحمل الجنسية المزدوجة.
وفي الحقيقة، إن حرمان هؤلاء الأشخاص من حق تولي تلك المناصب يتنافى مع روح الدستور، وهنالك شك أنه يناقض نصوصاً دستورية تساوي بين المواطنين. وكانت النصوص الاستثنائية الموجودة في الدستور الأردني، أو القوانين الصادرة بموجبه، تهدف إلى اشتمال فئات وتأمين حقها في هذه المناصب، خشية من أن عدم منحها حصة محددة قد ينطوي على حرمانها. أما أن تأتي نصوص لتحرم فئاتٍ من المناصب، فهذا منافٍ تماماً لروح الدستور.
أما التعديل الدستوري الأخير فهو تمديد فترة رئاسة مجلس النواب من سنة إلى سنتين كما هو الحال في مجلس الأعيان.
لا شك أن ملامح الإصلاح السياسي، والنموذج الذي تقوم عليه، بدأت تتضح. النظام ملكي دستوري، بمعنى أن الملك يبقى الحكم والمرجع والموازن لكل الأمور، خصوصاً عندما يختلف الناس. وبصفة الملك هو رأس الدولة، فإن عليه مسؤوليات يجب أن تقابلها صلاحيات. وهذه يمكن تطويرها مع الوقت.
أما ما يقال إن الحكومة ومجلس النواب في طريقهما إلى الاستقالة والحل، فهذا غير مؤكد، لكنه بات أكثر احتمالاً من أي وقت مضى.

المساهمون