وداعاً للعمل من المنزل في مصر... سوق توظيف ضعيف وهش

21 يوليو 2024
ندرة في فرص العمل المتاحة بسبب تراجع العديد من الأنشطة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **انتهاء العمل عن بُعد وتحديات سوق العمل**: توقف العمل عن بُعد في مصر بسبب غياب الضوابط وانقطاع الكهرباء، مع عدم تجهيز المجتمع لفهم مزاياه. بدأ هذا التوجه في المؤسسات الحكومية عام 2023 وانتقل إلى القطاع الخاص.

- **مركزية الوظائف وتراجع فرص حديثي التخرج**: إقليم القاهرة الكبرى يستحوذ على 90% من الوظائف، مع تراجع فرص حديثي التخرج وتفضيل الشركات لذوي الخبرة، مما يعكس تدهور التعليم.

- **تحديات إقليم القناة في توليد الوظائف**: ضعف مساهمة إقليم القناة في إنتاج الوظائف وارتفاع البطالة بسبب عدم التزام الحكومة بخطط إقامة المناطق الصناعية والفساد.

وداعاً للعمل من المنزل ولا حاجة لحديثي التخرج، هذا ما توصلت إليه دراسة تحليلية حديثة للطلب على الوظائف في مصر على مدار الربع الثاني من العام الجاري 2024. أكدت نتائج التحليل، توقّف أصحاب الأعمال تماما عن تشغيل موظفين من الذكور والإناث من المنزل، سواء بدوام كامل أو لبعض الوقت، والتي سادت في أسواق التشغيل عالميا ومحليا أثناء فترة انتشار كوفيد-19.

انتهت ظاهرة العمل عن بُعد في المؤسسات الحكومية عام 2023، لتنتقل إلى القطاع الخاص بالتدريج، وجاء التقرير الذي أعلنه المركز المصري للدراسات الاقتصادية في تحليله ربع السنوي للطلب على الوظائف، ليحسم انتهاء زمن العمل عن بعد. 

غياب ضوابط وانقطاع الكهرباء

بيّن التقرير أنه رغم عدم قدرة الاقتصاد على توليد فرص عمل جديدة، وتراجع إنتاج الوظائف للحاصلين على المؤهلات العليا والفنية المتوسطة، وتركز الوظائف المتاحة في مجالات التسويق والدعاية والعقارات، فإن أصحاب الأعمال يطلبون الحضور اليومي للمكاتب، مع وجود بعض الوظائف التي يمكن ممارستها عن بعد، بما يقلل التكاليف وترشيد الطاقة.

كشفت المناقشات التي أجراها المركز حول التحليل ربع السنوي للطلب على الوظائف، عن غياب الضوابط الحاكمة للتشغيل من المنزل، وعدم تجهيز المجتمع لفهم مزايا العمل عن بعد، بالإضافة إلى انقطاعات الكهرباء التي تدفع الناس إلى الخشية من البقاء بعيدا عن أعمالهم، والتي تؤثر بشدة على شبكات الإنترنت والتواصل مع العملاء وجهة العمل. 

بينت الدراسة أن العاصمة القاهرة مازالت تستحوذ على الوظائف محدودة العرض، بما يحرم المحافظات من فرص التشغيل، خاصة في الوجه القبلي ومنطقة القناة والمدن الحدودية، مع ارتفاع الطلب على ذوي الخبرة، من ذوي المؤهلات العليا، وعدم الرغبة في تشغيل حديثي التخرج، بما يعكس تدهور التعليم، وعدم قدرته على تخريج شباب جاهز لسوق العمل. 

المركزية الشديدة

أوضحت مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية، عبلة عبداللطيف، أن التحليل أظهر تراجع إنتاج الوظائف لذوي الياقات البيضاء بشكل مستمر بداية من الربع الرابع 2022 حتى منتصف 2023، تبعه تذبذب في إنتاج الوظائف انتهى بانخفاض آخر في الربع الثاني من 2024، واستمرار المركزية الشديدة في إنتاج الوظائف بإقليم القاهرة الكبرى-القاهرة والجيزة والقليوبية- الذى استحوذ على نحو 90% من الوظائف المنتجة خلال ربع الدراسة، واستحوذ قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات على 22% من الفرص المتاحة، يليه إدارة العقارات بنسبة 13%، ثم التسويق والإعلان بنسبة 5%.

أنتج مجال خدمة ودعم العملاء ثلث الوظائف، بما يمثل عودة القطاع لتوليد فرص عمل، بعد انخفاض دام نحو عام ونصف العام، وأن أكثر من ثلثي الوظائف في قطاع تكنولوجيا المعلومات، تشمل وظائف خدمة العملاء بنسبة 83%. بينت النتائج ثبات الطلب على حديثي التخرج منذ الربع الثالث من عام 2023، بينما الطلب على ذوي الخبرة قل في الربع الثاني من 2024 مقارنة بالربع الأول من نفس العام. 

أظهر التحليل تراجع إنتاج الوظائف الفنية لذوي الياقات الزرقاء، بداية من الربع الرابع من عام 2023، وبلغت نسبة التراجع في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالربع السابق نحو 7%، واستمرت المركزية الشديدة، حيث يستحوذ إقليم العاصمة فقط على 74% من إنتاج الوظائف. 

التسويق والمبيعات في مصر

يعد مجال التسويق والمبيعات هو الأكثر إنتاجا للوظائف في الربع الثاني من 2024 بنسبة 41%، كما يظهر تذبذب ملحوظ في إنتاج الوظائف في جميع المجالات من ربع لآخر، وانخفاض ملحوظ في الخدمات في أحدث ربع، وارتفاع مستمر في الأعمال الإدارية منذ الربع الأول 2023. وتشترط 53% من وظائف ذوي الياقات الزرقاء أن يكونوا ذكورا، وتتطلب 43% من الوظائف مؤهلا عاليا، وتشترط أكثر من ثلثي الوظائف خبرة متوسطة، و12.2% فقط من الوظائف تقبل حديثي التخرج.

كشف التحليل التفصيلي عن طلب الوظائف بمنطقة قناة السويس (السويس والإسماعيلية وبورسعيد)، عن ارتفاع معدلات البطالة وندرة فرص العمل بها أمام الشباب وكبار السن، رغم العدد الكبير للمناطق الصناعية والموانئ المتعددة في الإقليم.

أظهر التحليل أن مساهمة إقليم القناة في إنتاج وظائف ذوي الياقات البيضاء تقترب من الصفر، حيث تمثل فقط نسبة 0.02%، من إنتاج الوظائف بالدولة خلال الفترة، مع وجود زيادة ملحوظة في عدد الوظائف المتاحة خلال النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالنصف الثاني من عام 2023. تستحوذ الإسماعيلية على 42.4% من إجمالي الوظائف في إقليم القناة، وتعد محافظة السويس الأكثر استقرارا عند النمو المنخفض، وبورسعيد الأكثر تراجعا.

يعد قطاع التعليم الأكثر إنتاجا للوظائف المحدودة، على مستوى إقليم القناة بالنسبة لذوي الياقات البيضاء، يليه الخدمات والتعهيد والصناعة. بيّن التحليل أن 4% فقط من الوظائف في إقليم القناة تقبل حديثي التخرج مقابل 42% على مستوى البلاد، بينما زاد الطلب على ذوي الخبرة. 

تراجع نصيب مدن القناة

أرجع عضو مجلس النواب السابق عن محافظة السويس، عبدالحميد كمال، تراجع نصيب مدن القناة من الوظائف إلى عدم التزام الحكومة ورجال الأعمال بخطط إقامة المناطق الصناعية، والمضاربة بأراضي المشروعات، وعدم الالتزام بإقامة الخطط الاقتصادية التي وضعت على مدار 40 عاما، بالإضافة إلى تحويل ملكية كافة الأراضي إلى الجيش أو المناطق الاقتصادية التي لم تستخدم سوى 3% من أراضي السويس.

أوضح كمال في الندوة التي عقدها المركز لمناقشة نتائج تحليل الطلب على الوظائف، أن الفساد وتستر المسؤولين على اتجار حائزي الأراضي الصناعية، بما لديهم من مساحات شاسعة، أهدر فرص منطقة القناة في أن تكون منطقة جاذبة للأعمال، وغير قادرة على تشغيل أبنائها، بما يرفع من معدلات الفقر والبطالة، التي تدفع الناس إلى الغضب والانفجار كلما سمحت لهم الفرصة بذلك.

ذكر كمال أن هيئة المعونة اليابانية "الجايكا" وضعت مخططا تنمويا للمنطقة منذ عام 1986، أنفقت الحكومة ما بين 4.5 إلى 6 مليارات جنيه على البنية الأساسية على مساحة تصل إلى 4 آلاف كيلومتر مربع، إلا أنه لم يتم تخصيص سوى 100 كيلومتر فقط لأربع شركات تمثل 3.2% من حجم الأراضي الموزعة على المستثمرين، منوها إلى أن حبس الأراضي الصالحة عن المستثمرين الجادين، أدى إلى تعطل المشروعات السياحية والخدمية وأصبحت الأعمال المتاحة من القطاعات الحكومية فقط رغم ندرتها هي المورد الأساسي للتشغيل.

أظهرت التحليل ضعف مساهمة محافظات القناة في إنتاج وظائف ذوي الياقات الزرقاء، بنسبة لم تتجاوز 2% من إجمالي وظائف مصر. يمثل مجال القيادة والتوصيل 30% من إجمالي الوظائف المنتجة في إقليم القناة مقارنة بـ1% على مستوى البلاد، مع زيادة ملحوظة في إنتاج الوظائف في مجالي التسويق والمبيعات والقيادة والتوصيل في النصف الأول 2024، وتراجع إنتاج الوظائف الصناعية بشكل مستمر منذ النصف الثاني من 2022، ولم يتم إنتاج أي وظائف في مجال السياحة بالنصف الأول 2024. 

يظهر التحليل تراجع الوظائف الصناعية في جميع مدن القناة بمعدل تراكمي تراوح بين سالب 23% وسالب 45%. بينما تشترط 86% من الوظائف على مستوى الجمهورية تشغيل الفئة العمرية ما بين 23 و33 سنة، ترتفع هذه النسبة إلى 96% في إقليم القناة. 

من جانبه، قال مدير المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة" ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، ماجد عثمان، إن افتقاد الجسور بين الجهات الحكومية يعمق من مشاكل البطالة، حيث لا تعرف كل جهة عما يتم في المؤسسات المقابلة لها، منوها إلى افتقاد سياسات التشغيل مع السياسات العامة الأخرى، خاصة سياسات الاستثمار، يعمق من مشكلة البطالة وصعوبة توفير الوظائف.

المساهمون