التعديات على الأراضي الزراعية تهدّد أمن مصر الغذائي

30 سبتمبر 2015
انهيار منظومة الأمن الغذائي نتيجة التعديات(محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
كشف تقرير رسمي حديث صادر عن الإدارة المركزية لحماية الأراضي بوزارة الزراعة المصرية، عن ارتفاع التعديات على الأراضي الزراعية الخصبة لمليون و383 ألف حالة، سواء بالبناء أو التجريف أو التشوين. ما تقدّم، أكده تقرير للأمم المتحدة، فقد حصلت مصر بلا منافس على المركز الأول في التصحر.


يقول الباحث في مركز بحوث الإسكان والبناء الدكتور أحمد نور الدين، إن مصر أمام كارثة بالمعنى الحرفي للكلمة، يمكن اختصارها في ظاهرة البناء على الأراضي الزراعية، مؤكداً أنه على الرغم من كارثية الأرقام، إلا أن تلك الأرقام ليست دقيقة، خصوصاً أن هناك قرى ومدناً بعيدة لم تصلها بعد أيدي الإحصائيين.

يشير نور الدين لـ"العربي الجديد" إلى أن أهم مخاطر التعدي على الأراضي الزراعية، تتمثل بانعدام الأمن الغذائي، خصوصاً في الزراعات الاستراتيجية، من خلال تقليص المساحات المخصصة لزراعة المحاصيل، مثل القمح الذي نستورده من أميركا وروسيا، ويؤثر على العلاقات السياسية والاقتصادية لمصر، إلى جانب الأرز والقطن وغيرها العديد من المحاصيل المهمة، والتي نضطر لاستيرادها من الخارج لسد عجز الغذاء.

اقرأ أيضا: سكان مصر "هبة النيل" يعانون من العطش

وكانت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الزراعية، قد أكدت أن "مصر تستورد نحو 65% من غذائها، ضمنها نحو 9 ملايين طن قمحاً و6 ملايين طن ذرة على أقل تقدير، ومليون طن ذرة فول الصويا ونصف مليون طن من الكسب ومليون طن زيتاً أو أكثر، ونستورد أيضاً ثلث حاجاتنا من السكر".

وبحسب نور الدين، "لا يتوقف الأمر على مجرد الاستيراد من الخارج. بل إن التعدي على الأراضي الزراعية سبب مباشر في ارتفاع أسعار الغالبية العظمى من الخضر والفواكه، بالإضافة إلى اعتماد بعضهم على المحاصيل المهجنة، والتي لا تحتاج إلى أراضٍ واسعه المساحة، ما يتسبب في انتشار الأوبئة والأمراض الخبيثة.


أما الخبير الزراعي وصاحب مبادرة "أوقفوا زحف الأسمنت" الدكتور أيمن نبوي، فيقول إن ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية، تعد من الظواهر التي لا يقل خطرها عن خطر الإرهاب. يشير نبوي إلى أن الأمم المتحدة قالت إن هناك 3.5 فدادين يتم تبويرها في مصر كل ساعة. مما يعني أنه بعد سنوات قليلة لن تجد مصر الأراضي الزراعية التي توفر الغذاء لملايين المصريين.

ويلفت نبوي إلى أن هناك الكثير من أشكال التعدي على الأراضي الزراعية في مصر، مشيراً إلى التعدي على الأراضي الزراعية بالتبوير، بقصد استبعاد هذه الأراضي من الزمام المزروع، تمهيداً لاستغلالها في الأجران أو المخازن للمحاصيل الزراعية، أو لأغراض البناء.

ويوضح نبوي أنه بالرغم من وضع الدولة تشريعات صارمة بلغت حد السجن خمس سنوات ومصادرة الأراضي التي يتم البناء عليها، إلى جانب غرامة تصل لـ100 ألف جنيه على الفدان الواحد، إلا أن تلك التشريعات تشوبها الكثير من الثغرات، والتي تنهي الأزمة وتغلق ملف القضية، بل تمنح المعتدي صكاً قانونياً.

من جهة ثانية، يقول أحد الذين قاموا بالبناء على الأراضي الزراعية، صالح عبد الرحمن، "أعمل موظفاً في إحدى الشركات الخاصة، ولا يتجاوز راتبي 2000 جنيه شهرياً. ولا أستطيع أن أقوم بشراء أراضٍ مخصصة للمباني، ولذا اضطرت للتوجه لريف محافظة القليوبية، حيث يسيطر رجال أعمال وسماسرة كبار على الغالبية العظمى من الأراضي الزراعية، وقمت بشراء أرض مزروعة بالأرز". وبعد أقل من عام تحولت المنطقة التي قام بالشراء بها إلى مبانٍ وغابت الأراضي الزراعية تماماً.

وعن تأثير ذلك على الأمن الغذائي، يقول عبد الرحمن إنه ومثله الكثيرون يعرفون جيداً أن ما يفعلونه خطأ، وله تأثيرات سلبية، ولكنهم أيضاً يعرفون أن الدولة تسمح لرجال الأعمال ببناء المصانع والجامعات الخاصة وتجري المصالحة معهم في نهاية المطاف. ويتساءل عبد الرحمن إذا كان البناء على الأراضي الزراعية جريمة، فلماذا تسمح الحكومة بإدخال الخدمات العامة إلى المنازل، ثم تعود لتطالب المواطنين بهدم منازلهم؟

ويختم بالقول إن "على الدولة أن تقاوم ارتفاع أسعار الشقق، وأن تواجه مافيا بيع الأراضي قبل أن تحاكم المواطن الفقير الذي لا يرغب إلا بمنزل يحميه وأسرته".
المساهمون