التضليل السياسي... جيوش إلكترونية تغذي البروباغندا

10 أكتوبر 2018
دعوات عدة إلى تنظيم المحتوى على "فيسبوك"(دانييل ليل-أوليفاس/فرانس برس)
+ الخط -
تتسع ظاهرة تلاعب الأنظمة والأحزاب بالناخبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام واتجاهاته، كما حصل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية والاستفتاء على اتفاقية انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي (بريكست) وغيرهما. هذه الظاهرة جذبت الباحثين والمحللين الذين تنبهوا إلى مخاطرها، وسلطوا الضوء على تبعاتها.

وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد البريطانية أدلة حول ضلوع سلطات وأحزاب سياسية في حملات رسمية منهجية، وتزايد استخدام الاستراتيجيات الإلكترونية والموارد المالية والبشرية لـ "التلاعب بالرأي العام"، ما يهدّد جدياً الحياة العامة.

باحثو جامعة أكسفورد تناولوا "محاربي الفضاء السيبراني" (أو ما يطلق عليه عربياً الذباب الإلكتروني)، وتابعوا أعدادهم ونشاطاتهم وموازناتهم المالية ومستوى التنسيق بينهم، وركزوا على ما يواجهه مواطنو الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين والإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني. وأوروبياً، تبين أن مجتمعات البريطانيين والأتراك والصربيين الأكثر عرضة للتلاعب بالرأي العام وحملات التضليل، ويواجه الإيطاليون والألمان خطراً أقل. ولم تشمل تلك الدراسة الدول الاسكندنافية.




وفي حديثها إلى "بوليتكن" الدنماركية، أوضحت الباحثة المشاركة في الدراسة، سمانثا برادشو، أن البروباغندا السياسية ليست سراً أو موضوعاً مستجداً، لكنها استبدلت الدعاية التقليدية بالمنصات التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، كونها تسمح بالوصول إلى جمهور أوسع بتكلفة مالية محدودة.

وعبرت برادشو عن قلقها إزاء "التزايد المتسارع في أعداد الأحزاب والسلطات التي تتلاعب بالناخبين، بتضليلهم بشكل منهجي وبإمكانيات كبيرة". ونقلت مخاوف من معضلة محاربة هذه الظاهرة من دون المس بحرية التعبير، طارحة كمثال تدخل السلطات الألمانية والفرنسية لمحاربة الأخبار الزائفة، في إشارة إلى محاولات انتهجتها برلين على مدى عامين لفرض سياسة إزالة محتويات التحريض والعنصرية والأخبار الزائفة من وسائل التواصل الاجتماعي، وبدرجة ما إلى النموذج الفرنسي في هذا المجال.

وأحد أهم الإشكالات التي طرحها الباحثون في مجال التضليل وبث أخبار كاذبة تركيز بعض مروجيها على التلاعب بأدوات فعالة، من خلال الاستهداف الجزئي، أي الوصول إلى مجموعة صغيرة، فيما الهدف أوسع لنشر ذلك التلاعب بعد أن يثير جدلاً واسعاً، ويتم تناقله كأخبار مسلم بها، فتصل إلى مجموعات مستهدفة لها وزنها وثقلها وتأثيرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، ومستخدميها من متابعيهم.

ويمكن اختصار استراتيجية التضليل بالخطوات التالية: 1- تخصيص مقاتلين سيبرانيين (جيوش إلكترونية) يقومون بإضافة أصدقاء، أو من لديهم أصدقاء مؤثرون على شبكة الإنترنت. 2- تخصيص روبوتات تحاكي البشر لإبداء الإعجاب ومشاركة المنشورات والتعليق عليها. 3- برمجة الروبوتات والبشر بطريقة تبدو فيها رسائلهم الأكثر إثارة للاهتمام بين عامة المستخدمين (صناعة نجوم مواقع التواصل الاجتماعي).




وأحد أهم تقنيات التضليل، وفقا لدراسة باحثي "أكسفورد"، تشويه المعارضات السياسية، عبر صور وأشرطة فيديو، لأنها أكثر تأثيراً ورسوخاً في ذاكرة المتلقي، كما أنها لا تثير الشكوك عادة، لأن الأدلة المرئية كانت تعدّ أدلة دامغة على حصول حدث ما. وضرب الدراسة مثالاً حملة التضليل في 2014 التي رافقت حادثة سقوط الطائرة الماليزية MH17 فوق أوكرانيا، في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون المدعومون من روسيا. إذ على الرغم من أن الحادثة، وفقاً للجنة التحقيق الهولندية، كانت بفعل "صاروخ بوك" الروسي، فانتشار الكثير من المعلومات البديلة، ومنها أخبار مفادها أن الأوكرانيين أسقطوها لتشويه سمعة روسيا والمقاتلين الذين تدعمهم، صعّب الاستقرار على رواية حقيقة موحدة.

وطرح الباحثون مجموعة من الحلول، بينها "تنظيم المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي لإضفاء المزيد من الشفافية، وخصوصاً الإعلان عن مصادر الإعلانات على هذه المنصات وقيمتها"، في سبيل ترسيخ دعائم الديمقراطية. كما اقترحوا تحديد أعداد المجموعات التي يسمح لها التقدم بإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتكريس معايير واضحة للكشف عن المجموعات المستهدفة بإعلانات معينة.