16 نوفمبر 2024
الترامبية ليست غريبة عن عالمنا
منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ازدهرت المخاوف من الترامبية، بينما انتعشت الآمال لدى اليمين الشعبي المتطرّف الأوروبي، بأن تتكرّر السابقة الترامبية في القارة الأوروبية. وقد رأت المرشحة الفرنسية ماري لوبين أنها مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وترامب سوف يشكلون ثلاثياً رائعاً (في حال فوزها في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في مايو/ أيار المقبل). لم تتجاوز زعيمة الجبهة الوطنية التي ورثت زعامة الحزب عن أبيها الحقائق، حين اعتبرت أن ترامب وبوتين يشكلان الآن ثنائياً، بانتظار انضمامها إليه، ولعل الآمال تساورها أن يتجنّد الإعلام الروسي المرتبط بالكرملين لخدمة معركتها الانتخابية، كما فعل مع المرشح ترامب.
في واقع الأمر، الترامبية قائمة على المسرح الدولي قبل فوز ترامب، ويمثل الرئيس الروسي أبرز ممثليها، الى جانب ممثلين آخرين إسرائيليين وإيرانيين وكوريين شماليين. فبينما تقوم الترامبية على الانتفاخ القومي و"أميركا أولاً"، ومن منظور الأثرياء الأميركيين، فإن البوتينية/ وهي الشقيقة الروحية، أو النسخة الروسية للترامبية، تقوم على المجد القومي والنزعة الإمبراطورية، وابتعاث أسوأ ما في تراث الاتحاد السوفييتي السابق من قمع للشعوب وازدراء إرادتها الحرة. وبينما يرفع الرئيس بوتين شعارات معادية لأميركا (مما يطرب له قوميون وتقدميون عرب نجباء)، فهو ينهج النهج الأميركي التقليدي ذاته في التوسّع، وإخضاع الآخرين، واستمالة حكام وزعماء يحققون المصالح الروسية التي يأخذ أصحابها في الاعتبار مصالح الاحتلال الإسرائيلي. ولئن كان نجاح ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض يمثل حدثاً فريداً في تاريخ الرئاسيات الأميركية، فإنه لم يكن حدثًا استثنائياً على مستوى العالم الجديد الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية، فاليمين الصهيوني يتفوق على ترامب في عنصريته، وفي إنكار حقوق الآخرين ومصالحهم، ولهذا يبدي ترامب إعجابا فائقا بالتجربة الصهيونية، باعتبارها مصدر إلهام في العنصرية. وحكم الفرد في كوريا الشمالية يضرب عرض الحائط بحقوق الكوريين وتطلعاتهم في الشمال والجنوب، من أجل إعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الكورية، ولا يجد الحاكم في بيونغ يانغ ما ينافس به مراكز العالم سوى التصنيع العسكري، تاركاً شعبه عُرضه للمجاعة وداعياً شعبه (نحو 25 مليون نسمة) لتناول الكلاب طعاماً لهم. وفي إيران، فإن النسبة الأكبر من التلوث، والنسبة الأكبر من الإعدامات والتمييز الديني والعرقي داخل إيران على مستوى العالم، لا تقض مضاجع الحالمين بإعادة بناء مجد الإمبراطورية الفارسية بشعاراتٍ إسلاميةٍ، مع إبداء أكبر قدر من الكراهية والضغينة ضد مليار مسلم.
وإذا كان ترامب يهدد بطرد ثلاثة ملايين مهاجر يقيمون ويعملون بصورة غير مشروعة، فإن
بوتين لا يجد حرجاً في إبادة المدنيين السوريين بطائراته المقاتلة، ومنذ أزيد قليلا من عام واحد على التدخل الروسي، قتلت قواته أكثر من ثلاثة آلاف مدني بدم بارد، ودمرت عشرات المشافي والمخابز والمدارس، في بلد يشكو أساساً من بؤس الحياة وضعف الخدمات. وما زال بوتين يجنّد قواته في خدمة مشروع التطهير العرقي والديني الذي ينفذه النظام الحاكم في دمشق، بالتعاون مع إيران ومليشياتها.
خلال سنوات حكمه، وبالذات في ولايته الثانية، أبدى الرئيس أوباما تراخياً متمادياً في مواجهة البوتينية في أوكرانيا وفي سورية، وهو ما هيأ الأسباب لصعود نجم المرشح دونالد ترامب، باعتباره نسخةً أميركية من بوتين، يمكنه التعامل معه بنديّة، كصديق أو كخصم على السواء. يُضاف إلى ذلك تراخي أوباما في الوقوف ضد الموجة العنصرية المتجدّدة في بلاده، ضد من هم من أصل إفريقي وضد المسلمين. لقد بدا الرئيس الأميركي في موقف دفاعي ضد من يتجاوزون القوانين، الأمر الذي رجّح خيار اليمين الشعبوي الذي يمثله ترامب. وإذا كان الأخير يلتقي سياسياً وإيديولوجياً مع نظيره بوتين، في أمور عديدة، فذلك لا يعني أن الطريق ستكون ممهدةً للتعاون بينهما، فما يجمعهما هو نفسه ما يفرّقهما ويهيئ للصدام بينهما، على قاعدة تناقض المصالح واصطدامها، وهو الشعور بالعظمة، وتبخيس مكانة الآخرين، والسعي إلى إحياء المجد القومي للبلاد والتعصب الديني، بعيدا عن مفاهيم التشاركية وإقامة مستقبل آمن لعموم البشرية. وإذ كانت فرص الاصطدام قائمةً بصورةٍ موضوعيةٍ بين زعيمي البلدين، فذلك لا يقلل من احتمالات اللقاء والتفاهم، وعلى الأقل في السنة الأولى من حكم ترامب الذي لا يبدي حساسيةً ملحوظةً تجاه أوكرانيا، خلافاً لأوباما والأوروبيين، وكذلك على قاعدة محاربة الإرهاب في سورية، علماً أن روسيا متخصصةٌ في الحرب على المدنيين، وعلى المعارضة المعتدلة، وتدير الظهر لداعش، ولا تحاربه إلا على أضيق نطاق، شأنها في ذلك شأن مليشيات إيران، ومع ذلك، فإن فرص التدليس لا تنفذ! وضعف خبرة دونالد ترامب قد يجعله يرى في تهديم حمص وإدلب وحماة، إضافة إلى حلب، أعمالاً بطولية ضد الإرهاب، فيما هي أعمال بربرية خالصة، تقوم على التطهير العرقي والديني ضد السوريين السنّة، بما يجعل هذه الممارسات تنتمي إلى القرون الوسطى. ولم يكن الخروج الروسي، أخيراً، من اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، سوى إدراك منها لحجم جرائمها الإرهابية ضد الإنسانية، والتي ارتكبتها وترتكبها في سورية، وبطريقة استعراضية مقزّزة، واستباقاً لخضوعها للمحاكمة أمام هذه المحكمة.
وبينما يُخشى أن يشكل أي تقارب روسي أميركي في عهد ترامب ضغطاً على الأوروبيين،
لزيادة قدراتهم الدفاعية، فإن نمو اليمين الأوروبي الشعبوي في فرنسا والنمسا ودول أخرى سوف يفتح الباب للفوضى، وليس للتنسيق والتجانس بين الشعبويين على مستوى العالم، فموسكو تحمل الضغينة لدول أوروبا الشرقية ومن يتعاون معها حاليا، وتحلم بأن تعود موسكو مركزاً عالمياً يجتذب عواصم هذه الدول وغيرها، مع فك عرى التعاون الأوروبي الأميركي. ولا يفعل اليمين الشعبوي شيئاً سوى النفخ في الفروق بين البشر، والتمييز بينهم، ونصب الحدود مع الدول والشعوب الأخرى، وتكريس مبدأ جديد في الاجتماع البشري والعلاقات الدولية هو "الحق في الكراهية"، ومن دون الانشغال بحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الفعلية.
ولا يغيب عن البال، هنا، أننا، نحن العرب والمسلمين، قد أدينا قسطنا في ازدهار موجة اليمين الشعبوي، مع تفشّي عمليات إرهابية وحشية في أوروبا الغربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وفي فرنسا وألمانيا بالذات (وهما الأقرب إلى الحقوق العربية). وعلى الرغم من التنديد واسع النطاق في العالم الإسلامي والعربي، وفي صفوف الجاليات الإسلامية في الغرب، بهذه الفظائع، إلا أن اقتران المجرمين المتكرّر بالإسلام عزّز الصورة النمطية السلبية، كما "زكّى" طروحاتٍ يمينيةً سابقةً مناوئة للإسلام والمسلمين، وتمثل هذه الطروحات ركناً ركيناً من الذخيرة الإيديولوجية لهذا اليمين.
في واقع الأمر، الترامبية قائمة على المسرح الدولي قبل فوز ترامب، ويمثل الرئيس الروسي أبرز ممثليها، الى جانب ممثلين آخرين إسرائيليين وإيرانيين وكوريين شماليين. فبينما تقوم الترامبية على الانتفاخ القومي و"أميركا أولاً"، ومن منظور الأثرياء الأميركيين، فإن البوتينية/ وهي الشقيقة الروحية، أو النسخة الروسية للترامبية، تقوم على المجد القومي والنزعة الإمبراطورية، وابتعاث أسوأ ما في تراث الاتحاد السوفييتي السابق من قمع للشعوب وازدراء إرادتها الحرة. وبينما يرفع الرئيس بوتين شعارات معادية لأميركا (مما يطرب له قوميون وتقدميون عرب نجباء)، فهو ينهج النهج الأميركي التقليدي ذاته في التوسّع، وإخضاع الآخرين، واستمالة حكام وزعماء يحققون المصالح الروسية التي يأخذ أصحابها في الاعتبار مصالح الاحتلال الإسرائيلي. ولئن كان نجاح ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض يمثل حدثاً فريداً في تاريخ الرئاسيات الأميركية، فإنه لم يكن حدثًا استثنائياً على مستوى العالم الجديد الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية، فاليمين الصهيوني يتفوق على ترامب في عنصريته، وفي إنكار حقوق الآخرين ومصالحهم، ولهذا يبدي ترامب إعجابا فائقا بالتجربة الصهيونية، باعتبارها مصدر إلهام في العنصرية. وحكم الفرد في كوريا الشمالية يضرب عرض الحائط بحقوق الكوريين وتطلعاتهم في الشمال والجنوب، من أجل إعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الكورية، ولا يجد الحاكم في بيونغ يانغ ما ينافس به مراكز العالم سوى التصنيع العسكري، تاركاً شعبه عُرضه للمجاعة وداعياً شعبه (نحو 25 مليون نسمة) لتناول الكلاب طعاماً لهم. وفي إيران، فإن النسبة الأكبر من التلوث، والنسبة الأكبر من الإعدامات والتمييز الديني والعرقي داخل إيران على مستوى العالم، لا تقض مضاجع الحالمين بإعادة بناء مجد الإمبراطورية الفارسية بشعاراتٍ إسلاميةٍ، مع إبداء أكبر قدر من الكراهية والضغينة ضد مليار مسلم.
وإذا كان ترامب يهدد بطرد ثلاثة ملايين مهاجر يقيمون ويعملون بصورة غير مشروعة، فإن
خلال سنوات حكمه، وبالذات في ولايته الثانية، أبدى الرئيس أوباما تراخياً متمادياً في مواجهة البوتينية في أوكرانيا وفي سورية، وهو ما هيأ الأسباب لصعود نجم المرشح دونالد ترامب، باعتباره نسخةً أميركية من بوتين، يمكنه التعامل معه بنديّة، كصديق أو كخصم على السواء. يُضاف إلى ذلك تراخي أوباما في الوقوف ضد الموجة العنصرية المتجدّدة في بلاده، ضد من هم من أصل إفريقي وضد المسلمين. لقد بدا الرئيس الأميركي في موقف دفاعي ضد من يتجاوزون القوانين، الأمر الذي رجّح خيار اليمين الشعبوي الذي يمثله ترامب. وإذا كان الأخير يلتقي سياسياً وإيديولوجياً مع نظيره بوتين، في أمور عديدة، فذلك لا يعني أن الطريق ستكون ممهدةً للتعاون بينهما، فما يجمعهما هو نفسه ما يفرّقهما ويهيئ للصدام بينهما، على قاعدة تناقض المصالح واصطدامها، وهو الشعور بالعظمة، وتبخيس مكانة الآخرين، والسعي إلى إحياء المجد القومي للبلاد والتعصب الديني، بعيدا عن مفاهيم التشاركية وإقامة مستقبل آمن لعموم البشرية. وإذ كانت فرص الاصطدام قائمةً بصورةٍ موضوعيةٍ بين زعيمي البلدين، فذلك لا يقلل من احتمالات اللقاء والتفاهم، وعلى الأقل في السنة الأولى من حكم ترامب الذي لا يبدي حساسيةً ملحوظةً تجاه أوكرانيا، خلافاً لأوباما والأوروبيين، وكذلك على قاعدة محاربة الإرهاب في سورية، علماً أن روسيا متخصصةٌ في الحرب على المدنيين، وعلى المعارضة المعتدلة، وتدير الظهر لداعش، ولا تحاربه إلا على أضيق نطاق، شأنها في ذلك شأن مليشيات إيران، ومع ذلك، فإن فرص التدليس لا تنفذ! وضعف خبرة دونالد ترامب قد يجعله يرى في تهديم حمص وإدلب وحماة، إضافة إلى حلب، أعمالاً بطولية ضد الإرهاب، فيما هي أعمال بربرية خالصة، تقوم على التطهير العرقي والديني ضد السوريين السنّة، بما يجعل هذه الممارسات تنتمي إلى القرون الوسطى. ولم يكن الخروج الروسي، أخيراً، من اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، سوى إدراك منها لحجم جرائمها الإرهابية ضد الإنسانية، والتي ارتكبتها وترتكبها في سورية، وبطريقة استعراضية مقزّزة، واستباقاً لخضوعها للمحاكمة أمام هذه المحكمة.
وبينما يُخشى أن يشكل أي تقارب روسي أميركي في عهد ترامب ضغطاً على الأوروبيين،
ولا يغيب عن البال، هنا، أننا، نحن العرب والمسلمين، قد أدينا قسطنا في ازدهار موجة اليمين الشعبوي، مع تفشّي عمليات إرهابية وحشية في أوروبا الغربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وفي فرنسا وألمانيا بالذات (وهما الأقرب إلى الحقوق العربية). وعلى الرغم من التنديد واسع النطاق في العالم الإسلامي والعربي، وفي صفوف الجاليات الإسلامية في الغرب، بهذه الفظائع، إلا أن اقتران المجرمين المتكرّر بالإسلام عزّز الصورة النمطية السلبية، كما "زكّى" طروحاتٍ يمينيةً سابقةً مناوئة للإسلام والمسلمين، وتمثل هذه الطروحات ركناً ركيناً من الذخيرة الإيديولوجية لهذا اليمين.