التدخل الروسي في سورية ضربة للسعودية

30 سبتمبر 2015

الحوار السعودي الروسي إلى أين (18 يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
تتباين التحليلات بشأن دلالات التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية ونتائجه، فمنها ما يرجعه إلى صراع خفي روسي إيراني، ومنها ما يفسره، أنه يتعلق بمحاولة روسية الحفاظ على مصالحها، بل يذهب بعضهم إلى أن الوجود الروسي المباشر على الأرض السورية قد يكون مقدمة لتقسيمها.
تنطلق جميع هذه التحليلات من رؤية واحد من عناصر المشهد السوري. لكن، هناك جانب آخر للتدخل الروسي، يجب النظر إليه، فهذا التدخل يأتي في ذروة صراع كبير بين القوى الإقليمية، لتحديد مجالات النفوذ التي يسمح بها السيد الأميركي الذي ما زال ممسكاً بالخطوط المتصارعة كلها. ومن هنا، يمكن النظر إلى التدخل الروسي باعتباره واحداً من وجوه الخلاف الأميركي السعودي، فهذا التدخل جاء، بشكل أساسي، لسحب أي إمكانية لتفعيل الدور السعودي في سورية.
فالمملكة التي كانت، ولا تزال، تعتبر نفسها صديقة للولايات المتحدة، تلقت ضربة استراتيجية كبيرة، عندما تم التفاهم الأميركي مع إيران على ترتيب بعض ملفات المنطقة، بمعزل عنها، فقد شعرت أنها ليست حليفاً للأميركان، وإن كانت صديقة لهم، بينما وقفت إيران حليفة لأميركا من دون أن تكون صديقة. لعبت هذه الثنائية التي حكمت العلاقة متعددة الأطراف بين الولايات المتحدة وإيران والسعودية دوراً كبيراً في ملفات المنطقة، ولا سيما في الملفين اليمني والعراقي اللذيْن شهدا تبايناً أميركياً سعودياً في سبل الحل وشكله.
حاولت المملكة أن تقول للأميركيين، إنها قادرة على إيجاد أصدقاء آخرين، يمكن الاعتماد عليهم، فتمت دعوة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى حضور أعمال قمة مجلس التعاون الخليجي في مايو/أيار من هذا العام، وتوقيع اتفاقيات عسكرية مع فرنسا، كذلك حاولت السعودية التوجه باتجاه روسيا، لتعميق العلاقات معها، في شتى المجالات، ومنها المجال العسكري، لكن نقطة الخلاف الرئيسية بين المملكة وروسيا كانت بشأن الدور الإيراني في المنطقة، ففي الوقت الحالي، ليست روسيا مستعدة لبيع إيران، وبالتالي بشار الأسد، خصوصاً في ظل التقارب الأميركي الإيراني الذي تجد روسيا نفسها فيه مضطرةً للحفاظ على علاقات قوية مع إيران، لموازنة العلاقات الأميركية الإيرانية.
وتدرك المملكة جيداً أن نفوذ إيران في سورية سيشكل خطراً كبيراً عليها، إذا ما استمر في
المستقبل. ولهذا السبب، كانت تصريحات مسؤوليها واضحةً لجهة ضرورة رحيل بشار الأسد، بحل سياسي أو عسكري. هذا الموقف، وإن تم التعبير عنه بشكل أكثر حسماً في الآونة الأخيرة، قيل سابقاً بطرق أخرى، فقمة مجلس التعاون الخليجي، في الرياض في مايو/أيار الماضي، كانت واضحة جداً في ما يتعلق بمصير بشار الأسد، فقد دعت إلى عقد مؤتمر للمعارضة، لبحث ترتيبات ما بعد الأسد. لم يعقد المؤتمر لأسباب كثيرة، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة لم تكن راضية عن عقده، وفي الوقت نفسه، أحالت النقاش السعودي معها حول مصير بشار الأسد إلى روسيا، حتى لا تظهر أنها تمنع أي آلية تفضي إلى رحيله.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الحاسمة لتربك السياسة الأميركية التي اعتمدت في الأعوام الماضية على عدم اتخاذ أي إجراء جدي يجبر بشار الأسد على الرحيل. ولهذا السبب، سمحت الولايات المتحدة لروسيا بالتدخل، لأنه سيحقق لها فوائد كثيرة، منها قطع الطريق على أي تقارب روسي سعودي في المستقبل، من خلال الاصطدام السياسي بينهما في سورية، فالمملكة تجد نفسها، الآن، في وضع سيئ، فالروس أعلنوا، بصراحة، أن تدخلهم سيؤدي إلى حل يبقي بشار الأسد فترة كافية، للقضاء على تنظيم داعش، ومن ثم يتم بحث خيارات الانتقال السياسي في سورية. وهذا يعني، بالضرورة، الضغط على السعودية التي أعلنت أن بشار يجب أن يرحل، بغض النظر عن الطريقة، ما سيجعل السعودية تقف أمام خيارين، التراجع عن موقفها والقبول ببقاء بشار فترة تكفي لاعتباره شريكاً في محاربة داعش، وهذا سيظهرها بمظهر الدولة الإقليمية العاجزة والضعيفة، أو المضي في خيارها الذي تحدثت عنه، وهذا سيؤدي إلى الاصطدام المباشر بروسيا. بالتالي، يأتي التدخل الروسي المباشر في هذا السياق، بعد القمة الأميركية السعودية، والتي صرّح مسؤولون سعوديون إنها لم تكن ناجحة بالشكل الذي كانوا يريدونه.
أدركت الولايات المتحدة أنها أمام فرصة سانحة لتوريط الروس في المنطقة، باستغلال "المراهقة القيصرية" التي تعيشها روسيا بوتين، في هذه الأيام، وكذلك وجدت موسكو في السماح الأميركي، أو عدم الممانعة الجدية في تدخلها، الفرصة لإيجاد وسائل قوة على الأرض في الملف السوري، فطوال الفترة الماضية، كانت روسيا تدرك أنها لا تملك وسائل ضغط حقيقية على نظام بشار الأسد، وكثيراً ما كان المسؤولون الروس في الغرف المغلقة يقولون لوفود المعارضة التي تزور موسكو: "لا نملك أن نقول لبشار تنحّ، لأنه لن يسمع كلامنا". وبنزول الروس على الأرض، سيصبح لديهم عامل جديد من عوامل الإمساك ببعض تفاصيل الملف السوري، وربما تكون هذه الاعتبارات هي التي دفعت الروس إلى اتخاذ القرار بالتدخل في هذا الوقت.
يبقى السؤال الرئيسي: هل ستستطيع دول المنطقة، ولا سيما السعودية، استيعاب التدخل الروسي، وتحويله إلى قوة ضغط على الأسد؟ هذا ممكن، إذا تم تفعيل قرارات جامعة الدول العربية الخاصة بالمسألة السورية، وهذا يتطلب من السعودية حركةً دبلوماسيةً نشطة، ضمن جامعة الدول العربية، لعزل المحور الموجود ضمن الجامعة، والداعي إلى التفاهم مع بشار الأسد، هذا المحور الذي يمثله، الآن بكل وضوح، مصر عبد الفتاح السيسي، بتفاهم ضمني مع الجزائر، وموقف ملتبس من الإمارات.
بعد عزل هذا المحور، والحد من تأثيره على قرار جامعة الدول العربية، لا بد من إعادة الحياة إلى دور الجامعة، وفق قرارات المجلس الوزاري العربي وقرارات القمة العربية، ولا سيما قمتي الدوحة في 2013 والكويت في 2014. لقد توجس المرحوم سعود الفيصل من التعنت الروسي في القمة التي عقدت في القاهرة في 2015، ومداخلته في الجلسة الختامية عن الموقف الروسي لا بد من استذكارها من المسؤولين السعوديين اليوم، فما تزال الفرصة سانحةً لتشكيل حلف عربي قوي، قادر على تحويل التدخل الروسي إلى أداةٍ يمكن استثمارها في الضغط على الأسد، لا أن يبقى هذا التدخل أداة ضغط على السياسات العربية الداعية إلى رحيله.
بات العمل العربي المشترك ضمن الثوابت التي وضعتها جامعة الدول العربية حول القضية السورية ضرورة ملحةً من أجل إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية في المنطقة، بحيث يؤدي، في النتيجة، إلى بناء مفهوم عربي للأمن الإقليمي، يشمل الإقليم كله، تكون فيه دول المنطقة فاعلة، وليست متلقية لسياسات الولايات المتحدة ورؤيتها لملفات المنطقة الساخنة، وهذا فقط هو الكفيل بتحجيم الدور الإيراني الذي بات خطراً حقيقياً، يدق أبواب أكثر من عاصمة.

CC6C0BA9-1B16-472D-A24C-25236DC7426E
محمد صبرا

محام وقانوني وحقوقي سوري، دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام، تخصص في القانون الخاص، له أبحاث في تحديث التشريعات الإدارية والاقتصادية في سورية، عمل مستشاراً قانونيا لدى الحكومة المؤقتة، عضو وفد المعارضة إلى محادثات جنيف، الرئيس التنفيذي لحزب الجمهورية المعارض.