التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وقابلية الساحة السياسية للاختراق

22 فبراير 2020
تشير المعلومات إلى أن الروس يروّجون لساندرز(فريديريك براون/فرانس برس)
+ الخط -

صار الحديث في السنوات الأخيرة، عن موضوع التدخل الخارجي في الانتخابات الأميركية، مسألة ملازمة لموسم الحملة الانتخابية. في 2016 كانت روسيا محوره، وفي صيف 2019 كادت أن تتورط فيه أوكرانيا. والآن، عادت روسيا إلى اللعبة ذاتها، حسب رواية الجهات الأميركية المعنية، بما جعل سيرة تدخّلها تحتلّ الواجهة وتتقدم على موضوع انتخابات التصفية الحزبية الهامة بين المرشحين الديمقراطيين، اليوم السبت، في ولاية نيفادا.

فالمعلومات الجديدة عن الاستهداف الروسي لانتخابات 2020 أثارت، بحكم خلفيتها، زوبعة من الجدل والتحذيرات والخلافات، وحتى الاتهامات الخطيرة بين فريق الرئيس دونالد ترامب وخصومه. وزاد من التهابها أن البيت الأبيض اتخذ خطوات مرتبطة بها، صبّت الزيت على نار الشكوك والملابسات المحيطة بهذا الملف، الذي لا يحظى بتوافق واسع مفترض، على الرغم من حساسيته وملامسته لعصب الديمقراطية الأميركية.

وحرّكت المعلومات التي تسربت عن جلسة مغلقة أخيراً في الكونغرس مع كبير مستشاري الأمن الانتخابي في "الوكالة الوطنية للاستخبارات"، والتي أفادت بأن موسكو "تعمل لمساعدة ترامب في 2020"، هواجس التدخل الروسي، الذي أدّى إلى تحقيقات مولر الشهيرة. وما عزز صدقية تحذير الوكالة هذا أن الرئيس، بدلاً من مطالبة موسكو بالابتعاد عن لعب مثل هذا الدور، سارع إلى إقالة رئيس الوكالة جوزف ماغواير كردّ على تمرير هذه المعلومات إلى الكونغرس، مع أنها ليست جديدة، إذ سبق للمحقق مولر أن أشار في تقريره إلى هذا التدخل، ولو أنه لم يقوَ على إثبات التواطؤ بخصوصه بين الكرملين وحملة ترامب. ثم عاد وأكده في شهادته أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب في الصيف الماضي.

الجديد في المعلومات، حسب ما تكشّف منها، أن الروس يعملون لتعزيز فرص فوز الرئيس هذه المرة بعدة طرق، منها "الترويج للمرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، ومساعدته على كسب معركة الترشيح باعتباره الخصم الاشتراكي الأسهل على ترامب هزيمته". ومن جهة ثانية، يتمّ التركيز على "نشر الارتياب العام في صدقية العملية الانتخابية"، وبالتالي تعميق الخلافات السياسية أكثر مما هي عليه، والثاني بذوره موجودة منذ 2016، وهو احتمال يثير قلق أوساط تتخوف من معركة انتخابية تنتهي بفارق بسيط يثير اعتراضات وطعوناً في نتائجها، وسط أجواء سياسية مشحونة بالتوتر والخصومة الحادة.

مع ذلك، لم تُتخذ أي إجراءات رادعة، لا من جانب البيت الأبيض ولا من قبل الكونغرس. بعض فريق الرئيس، خصوصاً الإعلامي منه، يردّد بأنّ الحديث عن التدخل الروسي "خدعة" فبركتها الاستخبارات، "كما سبق لها أن فبركت قصة أسلحة الدمار العراقية للإيقاع بالرئيس جورج بوش"، حسب راش ليمبو، المذيع الشهير الموالي للرئيس ترامب.
وفي الكونغرس، يمتنع زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، السناتور ميتش ماكونيل، عن طرح أي مشروع قرار بشأن التدخل الروسي، ولو أن معظم جمهوريي المجلس لا ينكرون حصوله. الذريعة أن معلومات الاستخبارات "تريد إلحاق الأذى" بمعركة الرئيس ترامب. كلام يردّ عليه الجانب الديمقراطي باتهامات تصل إلى حدّ تصنيف الرئيس في خانة "العميل الروسي"، على حدّ تعبير النائب الديمقراطي إريك سوالويل.
في ظل هذا المناخ، تدور المعركة الانتخابية التي يبدو أن أي شيء فيها مباح لتأمين الفوز، حتى التدخل الخارجي، ذلك أنها أبعد من منافسة حزبية؛ هي صراع حول عملية "تحويل" وجهة ووجه أميركا، تعبير استخدمه منظّر حملة ترامب السابق، ستيف بانون، كعنوان لشعبوية وانكفاء أميركا، كما استخدمه وما زال المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز الذي يبشر بأميركا "الاشتراكية الديمقراطية". وهذه ليست شعارات، بقدر ما هي توجهات بدأ يترسخ خطابها وخطواتها التي ستكون انتخابات 2020 إحدى محطاتها الهامة.
المساهمون