وقرّر مكتب البرلمان تخصيص جلسة 17 يناير/ كانون الثاني الحالي، لبحث طلب 60 نائباً من حزب "نداء تونس" وكتلة "الحرة"، تشكيل لجنة تحقيق في شبهات فساد في هيئة "الحقيقة والكرامة".
ورغم يقين نواب "نداء تونس" وغيرهم ممن يحملون مواقف مناهضة لرئيسة الهيئة سهام بن سدرين، بأنّ لجنة التحقيق لن يكون لها أي فاعلية، على غرار لجان التحقيق البرلمانية السابقة، إلا أنّهم يدفعون نحو تسويق الحدث على أنّه صورة من صور الرقابة البرلمانية، تبرز قوة الحزب الحاكم في المحاسبة، وتحجيم دور بنسدرين.
الجدل القديم المتجدّد حول رئيسة الهيئة وضد المؤسسة التي ترأسها، وإن كانت حيثياته تشير إلى وجود انحرافات، مثل دخول بن سدرين في صراعات سياسية مع مؤسسة الرئاسة، وعدم تطبيق القرارات القضائية، وتجميد وطرد أعضاء منتخبين، ورفض إعادتهم إلى مناصبهم حتى بعد إنصافهم من قبل القضاء، وإبرام صلح يتنافى مع قانون العدالة الانتقالية، فإنّ تعاطي نواب "نداء تونس" معه لم يخرج من خانة الشخصنة، وتسجيل الأهداف السياسية.
وتعدّدت محاولات نواب "نداء تونس"، رغم الحماية التي تحظى بها الهيئة باعتبارها ترمز لمسار العدالة الانتقالية إحدى أهم مكتسبات مسار الانتقال الديمقراطي، لتحجيم الهيئة ورئاستها، بيد أنّ هذه المحاولات لم تتجاوز تسجيل النقاط السياسية، وتنفيس الغضب ليس إلا.
والهيئة التي يمنع قانون العدالة الانتقالية ممارسة أي ضغط أو سلطة عليها، كان من البديهي لأصحاب السلطة التشريعية تنقيح قانونها وتعديل الفصول المتعلّقة بالرقابة حولها، وهو أمر هين إذا ما توفرت إرادة سياسية حوله، وأُخذت بعين الاعتبار تصريحات الكتل البرلمانية حول ضرورة الرقابة على الهيئة، لضمان حسن سير المسار من أي انحرافات.
من جانبهم ترك نواب "نداء تونس" السهل الممتنع باعتباره مربعاً محرّماً بفضل بنود التوافق الوطني، وسوّقوا خطاباً عنيفاً ضد الهيئة ورئيستها، بلغ حد التجريح والشخصنة، خلال جلسة مناقشة ميزانية الهيئة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي انتهت بالتصويت لصالح الميزانية، في تعارض تام بين الموقف المعلن، والتصويت الذي يعكس الموقف السياسي الحقيقي.
وعلّل النائب عن "نداء تونس" حسن العمري في حديث لـ"العربي الجديد"، التصويت آنذاك بـ"المصلحة العليا للبلاد التي تقتضي عدم تعطيل المصادقة على ميزانية الهيئة"، قائلاً إنّ "الانتقادات لم تكن من وحي الخيال، أو افتراء على الهيئة، وإنّما نتيجة ممارسات مريبة أقدمت عليها رئيستها والمقربون منها، مذكّراً بما خاضته بن سدرين من نزاعات مع المحاكم وتجاهلها لقراراتها، وتعمّدها التصرّف في الميزانية، دون مراعاة أحكام المالية العامة ورقابة دائرة المحاسبات".
وأضاف العمري أنّ كتلة نداء تونس، وعدداً من الكتل الأخرى، "يواصلون سعيهم لتشكيل لجنة تحقيق بشبهات فساد الهيئة، رغم أنّ هذه اللجان ليست لها الفاعلية المطلوبة، ولكنّه يدفع نحو تشكيلها، من أجل جمع المعطيات الكافية وفضح ممارسات رئيسة الهيئة".
وقد يكون تشكيل اللجنة، بحسب العمري، وما قد تحصل عليه من حقائق، حجة لإسكات المعترضين على مبادرة تشريعية من أجل تعديل قانون العدالة الانتقالية الذي لا يعبر إلا عن إرادة الترويكا التي أقّرته آنذاك، ولم يعد يعبر اليوم عن التركيبة الجديدة، للمشهد السياسي في تونس.
وإن كان النظام الداخلي للبرلمان يتيح للنواب إنشاء لجان، تعهد إليها مهمة التحقيق في ملف بعينه، إلا أنّ صلاحياتها تبقى محدودة، إذ لا يوجد في القانون الداخلي ما يلزم الجهة التي سيتم التحقيق في ملفها بأن تستجيب للجنة، أو توفر لها المعطيات والوثائق المطلوبة.
ولذلك يعتبر تونسيون أنّ تعويم أي موضوع لا يستلزم أكثر من لجنة تحقيق تستغرق سنوات في العمل، من دون أن يكون لها جدوى، أو يتم نشر أعمالها أو محاسبة من أقرت بارتكابهم مخالفات، مثل لجنة تحقيق أحداث 9 أبريل/ نيسان 2012، ولجنة تحقيق أحداث الرش بمحافظة سليانة، ولجنة تحقيق في وثائق بنما، وغيرها.