غابت البراميل المتفجرة عن عمليات النظام السوري في محافظة حلب خلال الأسبوع الأخير، بعدما كانت السلاح الأكثر فتكاً في الحرب على المدينة، وأدت إلى مقتل آلاف الأشخاص منذ بدء استخدامها من قِبل طيران النظام بعيد منتصف العام 2012.
وربط متابعون هذا التراجع الكبير في استخدام البراميل المتفجرة بالقصف الغامض لمعامل الدفاع في مدينة السفيرة في ريف حلب الشرقي قبل نحو أسبوع، إذ اقتصرت العمليات منذ ذلك الوقت على إلقاء أربعة براميل في محيط مطار كويرس على دفعتين وبرميل واحد على قرية قصر البريج في ريف حلب الشرقي، بينما لم يتم إلقاء أي برميل على مدينة حلب نفسها. ومن المعتقد أن هذه المعامل كانت المكان الأبرز لتصنيع البراميل، فضلاً عن كونها مركز انطلاق رئيسيا للمروحيات التي تحمل هذه البراميل.
إلا أن بعض مراكز التوثيق عزت الأمر إلى انطلاق العمليات العسكرية التركية في شمال سورية ضد مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحزب "العمال الكردستاني" منذ 24 يوليو/تموز الماضي، وهو ما أدى كما يبدو إلى فرض حظر جوي غير مباشر على طيران النظام في مجمل محافظة حلب. وانتشرت أخبار تفيد بوضع تركيا مجموعة من تجهيزات الحرب الإلكترونية على الحدود مع سورية، خصوصاً أجهزة الرادار، وذلك بغية التشويش على رادارات النظام السوري إذا ما حاولت تتبّع الطائرات التركية.
ويتزامن ذلك مع الحديث المتصاعد من قِبل تركيا عن إقامة منطقة خالية أو آمنة في شمال سورية، ما يعني حظر طيران النظام في سماء هذه المنطقة المفترض أن تمتد من مدينة جرابلس غرب الفرات إلى مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي على طول نحو 100 كيلومتر وبعمق بين 40 و50 كيلومتراً. وفي حال استخدام تركيا لأجهزة التشويش، فسوف تؤثر على القوى الجوية للنظام ودفاعه الجوي، وأيضاً على قواته البرية وخصوصاً تلك الموجودة قرب "المنطقة الخالية".
كما تسود فرضية بأن النظام أوقف طلعات طيرانه في المنطقة في إطار تنسيق غير معلن مع قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وذلك بعد أن كثّف طيران التحالف عملياته في المنطقة بالتزامن مع العمليات العسكرية التركية ضد تنظيم "داعش". ومن المعروف أن إشارات متبادلة صدرت عن كل من النظام السوري والجانب الأميركي بأن تنسيقاً يجري بينهما عبر طرف ثالث، وهو الحكومة العراقية، لمنع تداخل الطلعات الجوية لكل منهما، خصوصاً حين تعمل طائراتهما في المنطقة ذاتها.
وبالنسبة لتركيا، من غير المحتمل أن يكون جرى تنسيق مع النظام السوري لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، وسط أنباء تفيد بأن تركيا وجّهت إنذاراً إلى النظام السوري بعدم التعرّض لطائراتها التي تقوم بعمليات داخل الأراضي السورية وإلا ستتعرض دفاعاته الجوية للتدمير.
اقرأ أيضاً: النظام أمطر حلب بنحو 750 صاروخاً وبرميلأ متفجراً بيوليو
التراجع الكبير في الغارات أدّى بحسب اللجنة السورية لحقوق الإنسان، إلى انخفاض عدد الضحايا في المحافظة، وفي مجمل سورية، باعتبار حلب ظلت تحتل صدارة المحافظات بالنسبة لعدد الضحايا خلال الأشهر الماضية. وما يجدر ذكره، أن الغارات الجوية على مدينة حلب لم تتوقف منذ نهاية العام 2012 حتى الآن إلا مرة واحدة في بداية العام 2014 أثناء العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة في ذلك الوقت.
وبحسب منظمة "العفو الدولية" فإن الهجمات بالبراميل المتفجرة تسبّبت بمقتل أكثر من 11 ألف شخص في سورية، واستهدفت بشكل خاص المدنيين في حلب، وأجبرت مستشفيات ومدارس على العمل تحت الأرض، واصفةً الهجمات بأنها جرائم ضد الإنسانية. وقالت المنظمة في تقرير لها صدر أخيراً، إن "البراميل المتفجرة، وهي براميل محشوة بالمتفجرات والشظايا المعدنية تلقيها الحوامات، قتلت نحو ثلاثة آلاف مدني العام الماضي في محافظة حلب، بينما أوقعت أكثر من 11 ألف قتيل في سورية منذ 2012".
وذكر المعهد السوري للعدالة، أن مدينة حلب تعرضت خلال شهر يوليو/تموز للقصف بـ266 برميلاً متفجراً، و400 صاروخ حربي، إضافة إلى 87 صاروخاً قصير المدى، وبرميلين يشتبه في احتوائهما على مواد كيميائية. وتسببت هذه الأسلحة، وفقاً للمعهد، بمقتل 317 شخصاً، 22 في المائة منهم من الأطفال، و17 في المائة من النساء. وأشار البيان إلى أن أعداد العسكريين من الضحايا 7 فقط.
وطالب مدير المعهد السوري للعدالة عبد القادر مندو، المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بإحالة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري على المحكمة الجنائية الدولية. وأشار مندو في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدد المناطق التي تعرّضت للقصف بهذه الأسلحة يصل إلى 173 منطقة مدنية و62 منطقة زراعية و5 مناطق أثرية و5 مدارس و5 أسواق شعبية مقابل 79 منطقة عسكرية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه إلى سورية ستيفان دي ميستورا، فضلاً عن منظمات حقوقية عديدة، قد عبّروا عن القلق إزاء استخدام البراميل المتفجرة. وأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قراراً أوائل العام الماضي يدين استخدامها في المناطق الآهلة بالسكان، مهدداً بإجراءات أخرى ضد النظام السوري إذا لم يوقف استعمالها.
يُذكر أن طائرات النظام ألقت أول برميل متفجر بتاريخ 18 يوليو/تموز 2012 في مدينة داعل بمحافظة درعا الجنوبية، ما أدى إلى مقتل 4 أشخاص. أما في محافظة حلب، فقد ذكر مركز توثيق الانتهاكات في سورية، أن أول هجوم بالبراميل المتفجرة كان في شهر سبتمبر/أيلول 2012 خلال القصف على بلدة حيان الواقعة في ريف حلب الشمالي.
ونتيجة القصف الجوي الذي تعرّضت له العديد من الأحياء الشرقية لمدينة حلب وبعض القرى والمدن في الريف الشمالي والذي تسبب في وقوع الكثير من المجازر الجماعية بين المدنيين، نزح ما لا يقل عن 600 ألف نسمة وخصوصاً من الأحياء الشرقية لمدينة حلب، حيث اتجه عشرات الآلاف منهم نحو الريف الحلبي أو تركيا.
اقرأ أيضاً: عشرات القتلى والجرحى بقصف جوي على مدينة الباب بحلب