اضطرت الحكومة الصينية أمس الإثنين إلى تعليق التداول في البورصة الصينية بعد أن شهدت سوق المال الصينية في أولى تعاملات العام الجديد أسوأ أداء لها منذ 9 سنوات، حيث خسر مؤشر "شنغهاي سي إس آي 300"، 7.02% من قيمته السوقية. وانخفض المؤشر بحوالي 261.94 نقطة إلى 3469.07 نقطة قبل تعليق التداول.
وحدث هذا الانهيار رغم الإجراءات المالية والنقدية التي نفذتها الحكومة الصينية في العام الماضي لتهدئة أسواق المال التي شهدت هزات متكررة في صيف العام 2015، أفقدت أكثر من 3 ترليونات دولار.
وكانت السلطات الصينية قد اعتبرت أن هذه الإجراءات كافية لاستقرار السوق، لكن خبراء في لندن ونيويورك شككوا في جدوى خطوات التدخل الرسمي في السوق وسط عدم الثقة التي تنتاب المستثمرين، ووسط انخفاض سعر صرف اليوان وهروب رؤوس الأموال من أكبر اقتصاد في آسيا وثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. وتقدر القيمة السوقية للأسهم الصينية بحوالي 6.45 ترليونات دولار.
وتعليق التداول يتم لأول مرة في تاريخ سوق الأوراق المالية الصينية، حيث توقف التعامل في البورصة تلقائياً مع إطلاق آلية قاطع الدائرة الكهربائية التي صممت خصيصاً لاحتواء التقلبات الحادة في سوق الأسهم. وهو إجراء نفذته الصين في أغسطس/ الماضي لضبط حركة التداول في البورصة الصينية.
وتتبع الآلية الأوتوماتيكية التي تحكم التداول، مؤشر "هوشن 300 "الذي يعكس أداء كل من بورصتي شانغهاي وشنتشن للأسهم المتداولة. ويتدخل قاطع الدائرة الكهربائية بعد 15 دقيقة من حدوث اضطراب كبير في البورصة، ليوقف تداول الأسهم عندما يرتفع المؤشر أو ينخفض بنسبة 5%، فيما ينهي التداول كلياً إذا ما تراجع مؤشر "هوشن 300" أكثر من 7%.
وحسب وكالة شينخوا الصينية شبه الرسمية، تم تعليق التداول في الساعة 1:13 مساء لمدة 15 دقيقة. وعند الساعة 1:28 مساء بعد استئناف عملية التداول للحظات، توقف التداول مرة أخرى بعد انخفاض المؤشر بواقع نقطتين مئويتين أخريين.
وعندما تم إغلاق التداول، انخفض مؤشر شانغهاي المركب بنسبة 6.85%، فيما انخفض مؤشر شنتشن الأصغر بنسبة 8.16% وعلى غراره تراجع مؤشر تشينيكست، منصة شبيهة بناسداك لمؤسسات النمو بنسبة 8.26%.
وهذه الآلية تثير الفزع وسط المتعاملين، بخاصة كبار المستثمرين في البورصة، حيث تبث فيهم الإحساس بعدم الأمان، ولذلك تواجه " آلية التعليق الأوتوماتيكية" انتقادات من خبراء أسواق المال، الذين يرون أن الحل الوحيد لهزات سوق المال الصيني هو التحرير الكامل للسوق الصينية.
ويهدد هذا الانهيار بحدوث هزة مالية جديدة في أسواق المال العالمية شبيهة بالهزة التي شهدتها البورصات في العام الماضي.
وفي أول مؤشر على خطورة انهيار الأسهم الصينية أمس، هبط مؤشر "نيكاي" الذي يقيس أداء الأسهم اليابانية إلى أدنى مستوياته منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
ويعزو خبراء في لندن، انهيار السوق الصيني في تداولات أمس، إلى قلق المستثمرين من احتمال هبوط كبير في معدل النمو الصيني خلال العام الجاري وكذلك مخاوفهم من تداعيات الإجراءات النقدية التي يتخذها بنك الشعب الصيني " البنك المركزي الصيني" على ثرواتهم، حيث تعني عملية خفض سعر صرف اليوان مقابل الدولار تآكل القيمة الحقيقية لثرواتهم.
وهنالك مخاوف حقيقية وسط المستثمرين في سوق المال الصيني من تداعيات العديد من المؤشرات التي ظهرت أخيراً على أداء الاقتصاد الصيني في العام الجديد 2016.
اقرأ أيضاً: البورصة الصينية تغلق على انهيار 7%
ومن بين هذه المؤشرات، الخسائر الكبيرة التي منيت بها مصانع الصلب خلال العام الماضي، وفي هذا الصدد قالت الجمعية الصينية للحديد والصلب إن مصانع الصلب الصينية الكبيرة والمتوسطة الحجم عانت من خسائر بلغت 53.1 مليار يوان (8.18 مليارات دولار أميركي) في الأشهر الـ11 الأولى من عام 2015.
كما أظهر مسح أمس الاثنين، أن القطاع الصناعي في الصين يواصل الانكماش. ويشير مسح صيني لأداء القطاعات في الصين إلى انكماش القطاع الصناعي في الصين في ديسمبر/ كانون الأول. وهو انكماش توالى للشهر الخامس منذ أغسطس/آب الماضي.
ومعروف أن الاقتصاد الصيني يعتمد بنسبة كبيرة في نموه على تصدير المنتجات المصنعة، كما انخفضت كذلك مبيعات مصانع الصلب.
وحسب وكالة شينخوا الصينية الرسمية، من بين 101 من مصانع الصلب التي تتابعها "جمعية الحديد والصلب"، بلغ إجمالي إيرادات المبيعات 2.66 تريليون يوان، بانخفاض 19.3 بالمائة بالمقارنة مع العام السابق، وفقا لتقرير الجمعية.
وأظهرت أحدث البيانات الصادرة عن لجنة الدولة للتنمية والإصلاح في الصين أنه في الأشهر الـ11 الأولى من عام 2015، تراجع إنتاج الصلب الخام في الصين بنسبة 2.2% على أساس سنوي إلى 738.38 مليون طن.
ويتوقع محللون صينيون أن تواصل سوق الصلب حالة الضعف في عام 2016، ويرجع ذلك أساسا إلى تعثر القطاع العقاري.
كما تراجع كذلك مؤشر تسايشين الصيني العام لمديري المشتريات لقطاع الصناعات التحويلية، وهو مؤشر للنشاط الصناعي، بنسبة 0.4% إلى 48.2% خلال شهر ديسمبر الماضي من 48.6% في نوفمبر، حسبما أظهر مسح خاص أمس الاثنين. ويشير هذا التراجع إلى أدنى مستوى لقطاع الصناعات التحويلية منذ سبتمبر الماضي.
وذلك وفقاً لمسح أجرته ماركيت، مزود خدمة المعلومات المالية التابع لشركة "تسايشين ميديا المحدودة" ونشرته وكالة شينخوا أمس.
وتتواصل الأنباء المزعجة للمستثمرين في الأسهم الصينية وسط تدهور ظروف التشغيل التي يواجهها منتجو السلع الصينيون، حيث أظهر تقرير أمس انخفاض إنتاج السلع للمرة السابعة في الأشهر الثمانية الماضية، بسبب انخفاض متوسط النمو في إجمالي الأعمال الجديدة.
خفض اليوان
وعلى صعيد العملة الصينية، خفض بنك الشعب الصيني "البنك المركزي" أمس السعر المرجعي لليوان مقابل الدولار، لتنخفض العملة الصينية ولأول مرة منذ أربع سنوات تحت مستوى 6.5 يوان للدولار. وهي خطوة ينظر لها خبراء النقد على أنها تصب في تحفيز الصادرات الصينية عبر رفع تنافسيتها مقابل السلع المنافسة، أي أن خفض اليوان سيعني أن البضائع الصينية ستكون أرخص من منافساتها في الأسواق الدولية.
وتشير هذه الخطوة إلى أن "المركزي الصيني" سيواصل سياسة إضعاف العملة الصينية خلال العام الحالي، وهي نفس السياسة التي بدأها في العام الماضي.
وكان "المركزي الصيني"، قد خفض فجأة قيمة اليوان في أغسطس/آب الماضي، ما أدى إلى ارتفاع حاد في سعر الفائدة الصينية.
وكانت النتيجة هزات متواصلة في سوق الأسهم الصينية تداعت لتهز أسواق المال العالمية وتثير الرعب من حدوث أزمة مال جديدة.
واضطر "المركزي الصيني" في أغسطس الماضي إلى التدخل مراراً في سوق الصرف الأجنبي لإعادة التوازن لسعر صرف اليوان وإعادته للتذبذب داخل النطاق المحدد له مقابل الدولار.
وحدد " المركزي الصيني" أمس السعر المتوسط لليوان بحوالي 6.5032 يوان للدولار. ولكن في أسواق الأوفشور التي لا تخضع للسلطات الإشرافية الصينية انخفض اليوان أمس بنسبة 0.6% إلى 6.613 يوان للدولار.
اقرأ أيضاً:
اقتصاد العرب رهينة للخارج
خفض أسعار الفائدة ينعش الأسهم الصينية
خفض أسعار الفائدة ينعش الأسهم الصينية