لم يفوت البرلمان التونسي فرصة مناقشة قانون التفويض لرئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، لإصدار مراسيم لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، ليفرض شروطه وقواعده ويعدل من عنوانها وأحكامها، حتى يحقق أكبر قدر من الضمانات لحماية صلاحياته التشريعية ولتحصين نفوذه الدستوري.
وأقرت لجنة النظام الداخلي البرلمانية، أمس الاثنين، بعد مداولات وجلسات استماع، إدخال تعديلات على مبادرة الفخفاخ التي طلب مراراً استعجال النظر فيها حتى يتسنى له إصدار مراسيم تمكنه من مجابهة وباء كورونا بشكل ناجع وفاعل وسريع، تفاديا لتعقيدات المداولات البرلمانية وتجنباً لطول المسار التشريعي.
وصوت أعضاء لجنة النظام الداخلي على تغيير عنوان مبادرة الفخفاخ الخاصة بالتفويض التشريعي بشكل قيدها في الزمان ومجال الاختصاص من خلال تحديد دقيق لسبب التفويض وربطه بوباء كورونا، ليستقر البرلمانيون على صيغة "مشروع قانون يتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)".
كما نجح نواب البرلمان في تقليص مدة تفويض الفخفاخ للنصف وتحديدها في شهر واحد، برغم مطالبة الحكومة بفترة كاملة لشهرين بحسب ما ينص عليه الدستور.
وذهبت الحكومة إلى أقصى مدة لاعتبارات أبرزها أن الوباء الجديد مجهول ولا يمكن التكهن فعلاً بمدى انقضائه وسبل ذلك.
وتعد المبادرة الحكومية الخاصة بالتفويض التشريعي الشغل الوحيد للبرلمان التونسي والقانون الوحيد المطروح على النقاش منذ انتشار الوباء وتعطل النشاط البرلماني خوفاً من تفشي العدوى بين البرلمانيين وتحوطاً من إصابة العاملين تحت قبة البرلمان.
وعرف القانون الذي تمت مناقشته عن بعد بواسطة التقنيات التكنولوجية الحديثة، بحسب بيان رسمي صادر عن البرلمان، "حضور وتفاعل رؤساء الكتل النيابية، وتم التصويت على فصول مشروع القانون ودراسة جملة مقترحات التعديل الواردة على اللجنة عملا بأحكام الفقرة الثانية من الفصل 77 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب".
واقترح برلمانيون عرض المراسيم المقترحة مستقبلا على البرلمان في شكل رقابة قبلية لضمان متابعة السلطة التشريعية وحتى لا يكون التفويض بمثابة الصك على بياض، بحسب النواب الحاضرين.
وناقش النواب عرض المراسيم التي سيتمّ إصدارها حال انقضاء مدة التفويض على مصادقة مجلس نوّاب الشّعب، حيث طرحت مسألة المصادقة البعدية على المراسيم باقتراح أجل أسبوع بداية من انقضاء مدة الشهر واقتراح ثان باعتماد أجل ثلاثين يوما من نهايتها.
وذكر بيان البرلمان أيضا أنه "برغم الإعلان من قبل كل الكتل البرلمانية على القبول بمبدأ التفويض، إلا أن صيغة التفويض شهدت اختلافاً بين من يرى أنه يكون مشروطاً باستشارة المجلس سواء عن طريق مكتب المجلس أو خلية الأزمة أو لجنة استشارية تحدث للغرض، وذلك تسهيلاً لعمل الحكومة وسعيا لوضع أرضية تفاهم بين السلطة التشريعية والتنفيذية، ومن يرى في ذلك ضرباً لمبدأ التفويض في حد ذاته ويزعزع مناخ الثقة إضافة إلى عدم دستورية الاستشارة المسبقة نظرا لعدم وجود سند قانوني لها".
ورغم تأكيد الوفد الحكومي خلال المداولات أن التفويض للحكومة لإصدار المراسيم لا يعد سلبا لصلاحيات البرلمان وتعليقا لأشغاله أو منازعة لاختصاصه أو مسا بالمسار الديمقراطي وضربا للسلطة الأصلية، بل هو إجراء دستوري استثنائي لتمكين السلطة التنفيذية من مجابهة تفشي الوباء، فالبرلمانيون من مختلف الكتل يخشون على سلطة البرلمان ومكانته، بل إن عددا منهم من نواب "ائتلاف الكرامة" و"النهضة" و"قلب تونس" اعتبروا القانون بمثابة الانقلاب الناعم على السلطة التشريعية، وذهب آخرون إلى أن للرئيس التونسي، قيس سعيد، يد في ذلك ومصلحة.
وقال أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "البند 70 من الدستور يمثل خطورة حقيقية في ظل معركة الصلاحيات الدائرة بين الرئاسات الثلاث"، معتبراً أنه كان من الأجدر الانكباب على محاربة هذا الوباء بدلا من الذهاب إلى معركة دستورية بين الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية.
وأضاف الخرايفي أن "رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لم يستنفد بعد الحلول الدستورية التي تمكنه من مجابهة هذا الوباء بما يجعل طلبه تفعيل البند 70 غير مبرر من جهة وعلى درجة من الخطورة، خصوصا إذا ما تم استخدام المراسيم في مجال الحد من الحريات أو المس بها، ثم يقرر البرلمان برفض هذه المراسيم بعد انقضاء المدة، بما يطرح التساؤلات حول مصير المراكز القانونية التي منحت أو أنشئت أو ألغيت بمفعول المراسيم الحكومية، وهو ما ينذر بالفوضى والعبث القانوني مستقبلا".
واعتبر الخبير أن "هناك ازدحاماً في استعمال القوانين الاستثنائية بين السلطات المختلفة، وإن كان مفهوماً في هذه الفترة، ولكن الأولى هو التركيز على الحرب الصحية وترك المعركة الدستورية جانبا".
من جهته، رأى المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان يتعاطى مع قانون التفويض الحكومي كالشر الذي لا بد منه، والحكمة البرلمانية تقتضي عدم رفضه علناً في هذه الفترة التي تقود فيها الحكومة حرباً على وباء كورونا تحت ضغط شعبي لإيجاد حلول وإنقاذ الناس وحتى لا يظهر البرلمان كعنصر معرقل ومعطل لمصلحة الشعب".
ولفت المحلل إلى أن "توجس البرلمان من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في إطار صراع الصلاحيات بين السلطة التنفيذية والتشريعية الذي تعيش على وقعه البلاد جعله يكبل مبادرة الفخفاخ بالضمانات والشروط بالرغم من أن دستور الثورة هو الذي اقتضى حالة التفويض ووضع الضمانات ووسائل الرقابة والمتابعة، بما يجعل مخاوف النواب والكتل مبالغ فيها حتى لا يذهب المتابع إلى خانة التزايد السياسي وسياسة لي الذراع التي لا مكان لها في هذه الظروف".