كما تحدث البرادعي، في الجزء الثاني من حواره مع برنامج "وفي رواية أخرى" على "التلفزيون العربي"، عن تهديد الولايات المتحدة له، وأسرار لقاءاته بعدد من الزعماء العرب والغربيين، واصفاً برنامج العقيد الراحل معمر القذافي في ليبيا بـ"الخايب"، فضلاً عن عدد من القضايا والأحداث المهمة التي كان شاهداً عليها.
الحكم السلطوي ينتهي بجماعة متطرفة كـ"داعش"
قال البرادعي، إنه "يمكن تلخيص حال العراق، منذ 1991 حتى الآن، في أن الحكم السلطوي ينتهي به الحال لجماعة متطرفة كـ"داعش"".
وأضاف البرادعي: "العالم العربي يتعامل مع قضاياه كمتفرج، وهو جزء من عملية التدمير"، منتقداً غزو العراق للكويت، قائلاً: "رأينا كيف يغزو رئيس دولة عربية ويحتل دولة عربية أخرى"، مضيفاً أن "سوء إدارة المجتمع الدولي، وغياب العالم العربي، كانت عناصر رئيسية في ما حدث".
وأكد نائب رئيس الجمهورية المصرية الأسبق أنه "بعد الغزو العراقي للكويت في 1991، قرر مجلس الأمن منح سلطات التفتيش صلاحيات واسعة للتفتيش في العراق، لتجريده من أي أسلحة نووية وبيولوجية وكيماوية"، متابعاً: "بعد غزو الكويت كانت هناك حالة غضب مبررة في كل مكان من رجل طاغية احتل بلداً مجاوراً".
النووي العراقي
وأكد البرادعي أن "مجلس الأمن قرر تجريد العراق من كافة أسلحته النووية والبيولوجية، عقاباً له على الاعتداء على الكويت"، مضيفاً أن بغداد "لم تتعاون في بداية التفتيش، وحاولوا في الفترة الأولى خلال أول ستة أشهر حرماننا من المعلومات".
وأكد أن "العراق كان لديه برنامج واسع للتخصيب في عام 1991، وكان هناك في البداية عدم ثقة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والعراق، بعدما حاول مسؤولو العراق إخفاء المعلومات عن مفتشي الوكالة"، مبرزاً أن رئيس هيئة الطاقة العراقي أقسم أمام المدير الأسبق لوكالة الطاقة الذرية، هانز بليكس، "على عدم وجود برنامج تخصيب، لكن بعد عدة شهر وجدنا عندهم برنامجاً واسعاً للتخصيب في 1991".
وأشار المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية إلى أن مفتشي الوكالة استمروا في عملهم بمهنية، "وفي 1994 و1995 انتهينا من تجريد العراق من برنامجه النووي".
ووصف البرادعي عملية "ثعلب الصحراء"، التي قامت بها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لضرب العراق في 1998، بـ"المخالفة للقانون الدولي"، مؤكداً، في الوقت ذاته، أن "الغزو الأميركي في 2003 كان أيضاً غير شرعي".
تهديد أميركا للبرادعي
وكشف البرادعي عن تعرضه لتهديدات من الولايات المُتحدة الأميركية، بعدما قدم ورقة لمجلس الأمن لضمان استقلالية لجان التفتيش في العراق.
وأضاف: "طالبت في الورقة التي قدمتها لمجلس الأمن بأن يكون المفتشون موظفين دوليين، وبأن يكونوا تحت إشراف دولي وغير مسيسين"، لأن الولايات الغزو العراقمتحدة الأميركية كانت تتعامل مع لجنة "إنفسكوم" كأنها تابعة لها، وقد اتهمها المسؤولون العراقيون بالتجسس.
وأوضح أنه "وردت شكاوى كثيرة من اللجنة المذكورة سابقاً.. كانوا يدخلون المساجد والكنائس في أوقات الأعياد، وأصرّوا على تفتيش قصور صدام حسين.. كلها عمليات استفزازية لم تشارك فيها الوكالة، وكان لدينا مشاكل كثيرة جداً مع لجنة إنفسكوم".
وتابع: "الولايات المتحدة استشاطت غضباً، وهددوني أنهم سيكتبون عني في الصحف، والسفير الأميركي في فيينا جلس معي وقال لي: "إزاي تقدم الورقة من غير ما تقولنا ولا نعرف فيها إيه؟ فرددت عليه "مش شغلانتي أعرفك هعمل إيه".
وأوضح: "الإعلام مش مستقل مائة في المائة. كل الدول قدامها سكة لسا".
ولفت السياسي المصري إلى أن "الولايات المتحدة طلبت منا ترحيل المفتشين الدوليين في عام 1998، وليس كما يُشاع أن العراق هي من طلبت، قبل بدء عملية ثعلب الصحراء"، مشيراً إلى أن "ضرب العراق في العام ذاته لم يعلم به أحد".
وأكد أن "إسرائيل طالبت رسمياً برحيله من وكالة الطاقة الذرية، واتهمته بأنه متحيز، وكذلك بعض المسؤولين في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الرئيس أوباما أخبرني بإعجابه بأسلوب عملي في الوكالة".
رد على اعتذار بلير
ودعا البرادعي إلى محاسبة المسؤولين المتسببين في قتل المدنيين خلال غزو العراق في 2003، ورد على اعتذار رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، توني بلير، بشأن الغزو، قائلاً: "أنت آسف. فماذا تقول لمن قتلوا ومن دُمرت بلادهم؟".
وأكد المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن "قرار غزو العراق في 2003 كان مُتخذاً بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2001، وأراد تيار المحافظين الجدد في أميركا معاقبة دولة عربية أو مسلمة عشان ميكونوش تحت الوهم إن احنا كغرب دول ضعيفة".
وأضاف: "اختاروا العراق مش بس أنه ممكن تتضرب، وكان صدام قاعد بيطلع كل يوم بيانات ضد الغرب، قالك لا العراق إلى حد كبير دولة علمانية وممكن تكون قاعدة لنشر الديمقراطية"، مشيراً إلى أنه أطلق على تيار المحافظين الجدد في أميركا اسم "المجانين الجدد".
لا شيء خطراً في العراق
وشدد البرادعي على أنهم لم يعثروا على أي أسلحة دمار شامل، كما ذكرت الولايات المتحدة الأميركية، مضيفاً: "لم نر أي شيء خطر في العراق، وأبلغنا مجلس الأمن أن العراق أصبح تحت السيطرة".
وأضاف، أن "المُطلع على التقارير التي أرسلناها لمجلس الأمن سيعرف جيداً ما ذكر عن أسلحة الدمار الشامل في العراق"، متابعاً: "قلت حتى يومنا هذا لم نجد أي دليل على أن العراق أعاد برنامجه للأسلحة النووية، ولا نرى أي خطر ولا حالي ولا غير حالي".
ووجه البرادعي انتقادات حادة لدور الإعلام الأميركي، موضحاً: "الإعلام كان اشترى الرواية الأميركية والإنكليزية، وأنت تعلم طبعاً قوة الإعلام الأميركي، وقد روجوا أنه أكيد صدام عنده نووي، والمفتشين ليسوا بالحرفية الكافية".
ولفت إلى أن "العراق كان لديها بالتسعينات برنامج متقدم للتخصيب، وكانت تستطيع في ظرف سنتين أو ثلاثة صنع أسلحة نووية، بالإضافة لما كان يمتلكه من أسلحة بيولوجية وكيماوية".
وأضاف البرادعي: "الكلام ده كان سنة 1991، يعنى لو مكانش دخل الكويت، كان ممكن يكون عنده أسلحة نووية".
نووي القذافي "الخايب"
وذكر رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، أن الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، كشف للولايات المتحدة الأميركية عن برنامجه النووي، فيما طلبت منه واشنطن ألا يخبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك.
وقال البرادعي إن "القذافي صرف ملايين الدولارات على إقامة برنامج نووي "خيبان""، مضيفاً: "راح اتكلم مع أميركا وبريطانيا وعرفهم ببرنامجه".
وأضاف البرادعي أن "القذافي تفاخر أمامي بدعمه عمليات إرهابية"، مضيفاً: "قال لي شايف ليبيا الصغيرة دي بتعمل إيه؟".
وأكد البرادعي أنه كان للقذافي تصرفات غريبة، "منها أنني كنت أحكي له عن حلف الناتو، فأمسك قلماً وورقة وطلب مني أن أمليه أسماء دول الحلف".
مبارك: أسلحة العراق بالمدافن
ووجه البرادعي انتقادات حادة لمواقف الدول العربية قبل غزو العراق في 2003، وقال إنهم "كانوا في موقف المتفرج" في أحسن الأحوال، مؤكداً أن كل القوات التي خرجت لضرب العراق خرجت من الدول العربية.
وأضاف أنه لجأ للرئيس مبارك واللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات المصرية الأسبق، وطلب منهما التواصل مع العراق قبل الغزو الأميركي والبريطاني، وأخبره عمر سليمان أنه سيتواصل مع رئيس المخابرات العراقية.
وأوضح البرادعي أن "مبارك كان يقول دائماً إن صدام حسين "ضحك عليا"، لأنه أكد لي أنه لن يغزو الكويت ثم غزاها"، مضيفا أن "مبارك أخبرني بأن صدام حسين لديه أسلحة نووية يخفيها في المدافن"، مبرزا أنه لم يسمع هذه المعلومة الغريبة من أي مصدر آخر، لكن فيما بعد ذكرها جورج بوش في مذكراته، حيث روى أن مبارك قال العبارة نفسها لتومي فرانكس، قائد القوات الأميركية.
جاك شيراك والأميركان
وكشف المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية تفاصيل جلسة الغداء التي جمعته بوزيري خارجية أميركا وفرنسا قبل ضرب العراق، وكذلك الجلسة التي جمعته مع الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك.
وقال البرادعي إن وزير خارجية فرنسا قال لوزير الخارجية الأميركي حينها، كولن باول: "أنتم لا تعرفون العراق. هذه بلد هارون الرشيد، يمكنكم أن تدمروها في فترة قصيرة، لكن سنحتاج جيلا كاملا لإعادة البناء".
كما أشاد البرادعي بمواقف فرنسا وألمانيا في ذلك الوقت، قائلاً: "جاك شيراك رجل محترم، وكانت فرنسا وألمانيا واخدين موقف عظيم خلال مناقشات مجلس الأمن حول أسلحة الدمار الشامل في العراق"، مضيفا أن "فرنسا وألمانيا كانوا يروا الحقيقة، ولم يكن لديهم هدف لضرب دولة عربية، وكانوا يخشون الدخول في حرب غير مبررة، حيث إن شيراك كان يفهم تداعيات الحرب".
وتابع: "كنا عاملين زي تجار الشنطة أنا وهانز بليكس ما بين مجلس الأمن وما بين بغداد، ثم بعد ذلك إلى الدول الكبرى، نلف نقولهم يا أخواننا إحنا مش شايفين أسلحة دمار شامل أو نووي، وهما بيقولوا فيه أسلحه وعاوزين يخشوا في حرب، فعاوزين نعرف إيه العمل".
وواصل: "قلنا لشيراك أميركا مش راضية تمدنا بالمعلومات حول الأسلحة دمار الشامل في العراق، قالنا عارفين ليه الأميركان مش بيقولولكم حاجة؟ عشان هما معندهومش أي معلومات أصلاً".
بوش: لا تفاوض مع إيران
وكشف البرادعي أن الإيرانيين طلبوا منه نقل عرض إلى الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، مضيفاً: "هم أذكياء في التفاوض وفي أخذ حقوقهم"، مضيفا أن "العرض الإيراني تضمن اتفاق واشنطن مع طهران حول الملف النووي، مقابل أن تساعدهم إيران في دول كلبنان والعراق وغيرهما".
وتابع: "لكن جورج بوش كان رده مش عايز اتفاوض معاهم، لأن التفاوض يكون بين قائد وقائد، وقائدهم خامنئي يُريد تدمير إسرائيل"، مواصلا: "ودلوقتي هما اتفاوضوا وقعدوا".
وأكد البرادعي أنه "لولا غباء الغرب لأمكن التوصل لاتفاق أفضل منذ 10 سنوات".
وعن البرنامج النووي الإيراني، أكد البرادعي أن نواة التفكير في إنشاء البرنامج النووي الإيراني ربما تكون الحرب العراقية الإيرانية بدعم عربي وغربي لوأد الثورة الإيرانية، مضيفاً أنه "من حسن حظ إيران أن تداعيات حرب العراق خلت العالم ينتفض، كل يوم كنت أصحى الصبح أقول إن إيران لا تشكل أي خطر. حرب تاني كان خلاص المنطقة خلصت".
وأكد البرادعي أن "إيران الآن تملك المعرفة الكاملة لصنع سلاح نووي لو أرادت خلال فترة قصيرة"، مضيفا: "النهاردة إيران عندها كل شيء، وفاهمه كل شيء وجربته، وبالتالي أصبحت في وضع يسمح لها تكون كريمة جدا واستفادت من كل حاجة".
وقال إنه كان يطلب من قادة الدول العربية أن يكونوا جزءاً من تفاوض الغرب مع إيران، كي يضمنوا ألا يتم استبعادهم من الترتيبات الإقليمية، إلا أنهم لم يستجيبوا، وانتقد اعتياد العرب على إلقاء مشاكلهم على غيرهم لحلها، مضيفاً: "موقفي في كل القضايا أشوف حد تاني يحلها، إذا كانت قضية فلسطينية يبقى المجتمع الدولي، إذا كانت إيران ما نشوف حد يحلهالنا".